
ترجمة الهدهد
هآرتس/ إيتامار بن عامي
عندما تستيقظ الصهيونية في الصباح بشكوك في ذاتها، تنظر في المرآة وترى انعكاساً “لمئير كاهانا”، لا تحب الصهيونية الصورة العنصرية التي تراها هناك، إنها تفضل اعتبار كاهانا بمثابة خلل – ظاهرة مروعة- تصادف خطأً أنها دخلت “إسرائيل” واختفت في وقت قصير، ما الذي يمكن استخلاصه عن شخص اعترف في مقابلة عام 1972 مع مجلة بلاي بوي، أنه لا يوجد فرق كبير بين أفكاره وأحلام النازيين حول النقاء العرقي؟ من وجهة نظر العديد من الصهاينة، فإن عنصرية “كاهانا” الواضحة وطموحه لتطهير الدولة اليهودية من غير اليهود ومحاولته سن تشريع يحظر العلاقات الجنسية بين اليهود وغير اليهود، لا يمكن أن تعلمنا أي دروس مهمة حول أحلام اليهود في السلطة والسيادة.
المشكلة هي أنه اليوم، بعد حوالي ثلاثة عقود من مقتله، في عام 1990، عن عمر يناهز 58 عاماً، لا يزال “كاهانا” بعيداً جداً عن كونه شخصية هامشية، إلى جانب حقيقة وجود عضو كنيست في الوقت الحالي كان لسنوات عديدة “كاهانياً” معترفاً به، فإن آراء “كاهانا” تخترق دوائر أوسع: الصهيونية الدينية والجماعات الأرثوذكسية المتطرفة واليمين العلماني، عضو الكنيست “بتسلئيل سموتريش” من حزب الصهيونية الدينية على سبيل المثال، قال لأعضاء الكنيست العرب في أكتوبر الماضي: “أنتم هنا بالخطأ، لأن ديفيد بن غوريون لم يكمل المهمة”، إن وجود الشباب الحريديم في منظمات مثل Lehava، وهي جماعة يهودية متعصبة “حقيقة معروفة”.
كاهانا تشكل أكثر من مجرد ضوء أحمر وامض حول المخاطر العنصرية الكامنة في الصهيونية، الكابوس الذي أصبح الآن حقيقة “إسرائيل”
ألم يحن الوقت لتكريس الصهيونية تفكيراً أكثر جدية لأحد أكثر منظريها تأثيراً؟
محاولة للتفكير الجاد في كاهانا، تخبرنا سيرة “شاؤول ماجد” الممتازة، “مئير كاهانا: الحياة العامة والفكر السياسي لراديكالي يهودي أمريكي” (مطبعة جامعة برينستون)، والتي تقدم حججاً استفزازية تهدف إلى إعادة تقييم ظاهرة “كاهانا”، ومن الواضح أن القصة التي يرويها ماجد هي قصة أمريكية، تمت كتابتها في سياق رئاسة دونالد ترمب وشعور المؤلف بأن اليهود الليبراليين في الولايات المتحدة ليسوا مؤهلين لأخذ التحديات التي تواجههم على محمل الجد، لكن هذا الكتاب هو أيضاً قراءة أساسية في “إسرائيل”، حيث يستمر الوجود المتكرر “لكاهانا” في مفاجأة الصهاينة الليبراليين.
ماجد هو كاتب مقالات يهودي أمريكي بارز وأستاذ الدراسات اليهودية في كلية “دارتموث” يصر على أن “كاهانا” لا ينتمي إلى التقاليد اليمينية القديمة للحركة الصهيونية، من وجهة نظره يمثل “كاهانا” رداً يهودياً على تحدٍ فريد ظهر فقط في العقود الأخيرة لتحدي الليبرالية، ففي أمريكا تجسد “الكاهانية” مشاكل هوية يهود أمريكا في الخمسين عاماً الماضية وتم تجسيدها، أدى تحول اليهود بعد “الهولوكوست” إلى أفراد من عائلة الأمريكيين الليبراليين إلى أصوات ناقدة للتفكير في معنى اليهودية المعاصرة، ابتداءً من الستينيات، بدأ الشباب المتطرفون في تحدي التزام المؤسسة اليهودية في أمريكا بالليبرالية، لقد جادلوا بأن الليبرالية على وجه التحديد، وليس معاداة السامية هي التي شكلت الخطر الأكبر على مستقبل اليهودية، من خلال تقريب اليهود من غير اليهود والتهديد بإبادة هويتهم، وتبع ذلك، من هذا الاتجاه في التفكير أن السياسة اليهودية يجب أن تنفصل عن الليبرالية وأن تكون معادية لليبرالية بشكل صريح، إن قصة ماجد حول العلاقة بين الليبرالية وظهور “الكاهانية” وثيقة الصلة ليس فقط في أمريكا، ولكن أيضاً في الأرض المقدسة.

بين قبضتين
ولد “مئير كاهانا” في بروكلين عام 1932 لعائلة أرثوذكسية من الطبقة المتوسطة الدنيا، كان مهتماً بالقضايا المتعلقة بالطبقة الاجتماعية وجهوده للوصول إلى الشباب المحرومين، التحق الشاب “كاهانا” بـ Mir Yeshiva، وهي مؤسسة حريدية في بروكلين لمدة 13 عاماً، ووفقاً لماجد، يواصل إلهام الحريديم اليوم، تأثرت عقيدته بحركة Musar التي يرتبط مئير بها، تبنت الحركة تقسيماً ثنائياً للواقع إلى الخير والشر، وطالبت الأفراد بالتغلب على ميولهم الضارة وتطهير ضمائرهم من أي صلة بالشر، كان “كاهانا” يوعظ اليهود لتخليص أنفسهم من أي علاقة بالإنسانية والليبرالية أو الأخلاق، كان على اليهود أن يتغلبوا على دوافعهم الإنسانية وأن يصبحوا “كاهانيين”، حتى عندما لا تستطيع ضمائرهم الليبرالية الالتزام بذلك بسهولة.
لم يُظهر أي شيء في سيرة “كاهانا” الذاتية حتى الستينيات من القرن الماضي أنه كان فرداً استثنائياً بشكل خاص، كانت حياته المهنية مليئة بالإحباطات والفشل، درس القانون في جامعة نيويورك، لكنه رسب في امتحان نقابة المحامين، كتب أوراق سياسات مناهضة للشيوعية تحت الاسم المستعار “مايكل كينج”، وتراكم خبرته في التعامل مع سلطات إنفاذ القانون، عندما زود مكتب التحقيقات الفيدرالي بمعلومات حول المنظمات اليمينية، ترك مسارا مشابها مليئا بالعقبات – مهنة فاشلة، اتصال مع الجانب غير المعلن من القانون (في “إسرائيل” يمكن رؤية ذلك في الاتصالات بين نشطاء اليمين وجهاز الأمن العام الشاباك)، وبعد هجرته إلى “إسرائيل” في عام 1971، قضى فترة في السجن في كل من الولايات المتحدة و”إسرائيل”، كتب خلالها مواد تحريضية تطرح أفكاره، يبدو أنها مشتركة بين أكثر من زعيم لليمين المتطرف عبر التاريخ.
جاءت دفاتر سجن” كاهانا” في وقت لاحق، ولم يبدأ نشاطه السياسي بالكتابة عن أفكاره، ولكن في المعارك التي دارت في شوارع بروكلين، من وجهة نظر ماجد، كان “كاهانا” مفتوناً بنضال الأمريكيين السود في الستينيات من أجل المساواة، وهو نشاط أعجب به وكرهه في الوقت نفسه، من ذلك النضال سرق “كاهانا” الصورة المعروفة للقبضة المشدودة وأسس رابطة الدفاع اليهودية، عصابات الشوارع المسلحة من المتطرفين اليهود الشباب المحبطين المصممين على تعليم معاداة السامية في نيويورك درساً في الخوف والارتجاف، قام ماجد بعمل رائع في تجسيد حقيقة أن العدو الحقيقي في نظر “كاهانا” لم يكن معاداة السامية، ولكن المؤسسة اليهودية الأمريكية، لا شيء يمكن توقعه من اللاسامية سوى الكراهية، لكن الليبراليين كانوا يهددون بالقضاء على اليهودية نفسها، من وجهة نظر “كاهانا”، يرى ماجد أن هذه لحظة حاسمة، يحدد فيها اليهود المتطرفون اليهود الليبراليين على أنهم ألد أعدائهم.
كيف توصل “كاهانا” إلى تبني هذه الفكرة الغريبة؟
هذا هو المكان الذي يعرض فيه ماجد أطروحته الأكثر استفزازاً، من وجهة نظره، تأثر “كاهانا” بعمق باليسار الجديد، وهي الحركة التي اجتاحت الراديكاليين الشباب في أمريكا في الستينيات، “كاهانا” “راديكالي يهودي أمريكي” (كما يصفه العنوان الفرعي للكتاب)، التفت بوعي إلى هذا الجيل، الذي وقفت المؤسسة الليبرالية من أجله مع الانحطاط والفساد، وسعى إلى حشدهم ضد الليبرالية، في تصور “كاهانا” كانت المحاولة الليبرالية للتغلب على معاداة السامية من خلال استحضار الأخلاق الإنسانية والانخراط في النضال من أجل الحقوق المتساوية، مسؤولة عن محو الهوية الثقافية لليهود وتحولهم إلى أمريكيين أثرياء متوترين، يوضح ماجد كيف أن نقد “كاهانا” للمؤسسة اليهودية الليبرالية كان ينظر إليه في البداية بطريقة إيجابية من قبل اليهود اليساريين الراديكاليين.
يذهب ماجد أبعد من ذلك، مؤكداً أن التأثير الأكثر أهمية على “كاهانا” كان صراع السود في الولايات المتحدة، هناك مفارقة شديدة: “كاهانا” العنصري، كان متأثراً بقوة بالمفكرين الراديكاليين من الفهود السود أو أمة الإسلام، ومن بينهم “مالكولم إكس” و”ستوكلي كارمايكل”، حيث يقدم الكتاب أوجه تشابه مضيئة بين نضال السود والوضع اليهودي، في النصف الثاني من الستينيات نجحت حركة الحقوق المدنية رسمياً، لكن التمييز ضد السود ظل متجذراً بعمق كما كان من قبل، كشف التمييز المستمر عن حدود الليبرالية، التي على الرغم من وعدها بحقوق متساوية رسمية، تتجاهل الشروط التي من شأنها أن تسمح للفئات المستبعدة اجتماعياً بالاستفادة منها، كان الاستنتاج الذي توصل إليه الفهود السود أنهم بحاجة إلى خوض معركة ضد الليبرالية مع تبني استراتيجيات انفصالية تضمن الحفاظ على الهوية السوداء.

في السنوات اللاحقة، أُطلق على النمور السود لقب “المتشائمون الأفارقة” لافتراضهم أن النضال الليبرالي غير قادر على التغلب على العنصرية الأساسية التي يعاني منها المجتمع الأبيض، ماجد من جانبه، يجادل بأن “كاهانا” كان يهودياً متشائماً – شخصاً يعتقد أنه من المستحيل سد التفاوت بين اليهودي والغويشي، يرى “كاهانا” أن النضال الليبرالي من أجل المساواة في الحقوق، الذي اندمج اليهود في إطاره في المؤسسة الليبرالية الأمريكية، في الأوساط الأكاديمية وفي الأعمال التجارية، لا يمكن أن يحل مشكلة معاداة السامية ولكن على الأكثر إقناع اليهود بإخفاء هويتهم وتبني اللون الأبيض، التي تمثل الهوية الليبرالية الأمريكية، وهكذا تأثر “كاهانا” بالفهود السود وأصبح، كما أكد في مقابلة بلاي بوي “النمر اليهودي”، وطالب الشباب اليهود المظلومين بالتخلي عن الحلم الليبرالي والاعتزاز بهويتهم وحمايتها بالسلاح.
ربما كان التقارب الذي وجده ماجد بين “كاهانا” والفهود السود هو العنصر الأكثر فضيحة في الكتاب، ويدرك ماجد بالطبع، أن هناك جوانب متعددة في فكر “كاهانا”، التي هي في الواقع النقيض القطبي للجناح اليساري، كان “كاهانا” مؤيداً قوياً لحرب فيتنام (على الرغم من أنه ربما كان جزءاً من احتجاجه على موقف المؤسسة اليهودية الليبرالية، التي عارضت الحرب)، حارب علناً ضد الشيوعية ودعم “حروب الغزو الإسرائيلية”، ومع ذلك، فقد أظهر في الوقت نفسه شعوراً يسارياً واضحاً في حساسيته تجاه المشاكل الاجتماعية، وانفتاحه على الشباب الفقراء، وهجماته على المثل الأعلى الليبرالي للمساواة الشكلية، ومعاركه العفوية في الشوارع، ودفعه للحفاظ على التميز الثقافي للأقلية، المجتمع الذي جاء منه.
النمور السود على عكس “كاهانا”، دعموا في نهاية المطاف المساواة وليس التفوق العنصري، ومع ذلك فإن أوجه التشابه المفاهيمية بين “كاهانا” واليسار الجديد توضح أن صورة الحاخام الراديكالي لا ينبغي أن تطارد كوابيس الصهيونية فحسب، ولكن أيضاً مؤيدي سياسات الهوية المعاصرين، في تصور مجيد يوضح “كاهانا” كيف يمكن للمشاعر اليسارية، الهادفة إلى ضمان المساواة الجوهرية من خلال النضال من أجل الاعتراف الثقافي، أن تتحول إلى موقف إقصائي من السيادة العنصرية، هذه المفارقات هي بالضبط الخلفية التي ستجعل نجاح “كاهانا” ممكناً، تطمح صورته الساخرة إلى الظهور على وجه التحديد في لحظات السعادة الذاتية لليهود الليبراليين، وطُرح سؤال صغير: لماذا تدعم كفاح السود من أجل الاعتراف وليس تعزيز الهوية اليهودية؟
ولادة “إسرائيل” غير الليبرالية
من الصعب معرفة ما الذي دفع هذا الأمريكي إلى مغادرة وطنه، يوضح ماجد أنه في أوائل السبعينيات لم يكن “كاهانا” يعتقد في الواقع أن مستقبل يهود أمريكا يكمن في أرض الميعاد، ربما كان سبب هجرته يكمن في الوضع الهادئ عموماً لليهود في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، والذي كشف حقيقة أن نظرة “كاهانا” إلى الزوال الوشيك لليهود في وطنه يحدها الهستيريا، ويصر ماجد على أن “كاهانا” لم يكن لديه أدنى فهم لـ “إسرائيل”، وحاول أن يفرض عليها صراعاته من أمريكا، الغريب أن المجموعة الأولى التي قاتلها “كاهانا” في “إسرائيل” كانت العبرانيين السود في ديمونا، لقد افترض ببساطة أن السود، الذين عرّفهم سابقاً على أنهم معادون للسامية، يمثلون أكبر تهديد للهوية اليهودية حتى في وطنهم.

عادة ما يُنظر إلى “إسرائيل” على أنها الأخت الصغيرة المتهورة التي لها تأثير ضار على شقيقها الأكبر والأكثر استقراراً “يهود أمريكا”
ومع ذلك في سياق اليمين السياسي على الأقل، فإن الولايات المتحدة هي التي صدّرت لـ “إسرائيل” نفوذاً سيئاً مستمراً وليس العكس، ومن أمريكا استقبلت “إسرائيل” “أفضل” المتطرفين اليمينيين: مؤيدي بناء معبد جديد، مثل يهودا غليك، والمستوطنين المتطرفين، كما جسد باروخ مارزل، قتلة العرب، مثل باروخ غولدشتاين وجاك تيتل، وبالطبع كاهانا، لا يمكن فك رموز ظاهرة التطرف اليهودي الأمريكي بسهولة، ربما يكون اندماجاً بين وعي “المختار اليهودي” وتجربة العجز الناجم عن ضعف الشتات الذي يقود هؤلاء المتطرفين الأمريكيين إلى تخيل “إسرائيل” كمكان يمكنهم فيه أخيراً من ممارسة قوتهم دون قيود.
مهما كان الأمر، وجد “كاهانا” في “إسرائيل” الجواب على مشاكل الهوية التي يعاني منها الليبراليون اليهود في أمريكا، في رؤيته كانت “إسرائيل” بحاجة إلى أن تصبح نوعاً من المعقل المناهض لليبرالية حيث يكافح اليهود بشكل معلن ضد قيم المساواة والديمقراطية التي يعتقد أنها تهدد هويتهم اليهودية، هذا إلى حد ما عكس رؤية “نور للأمم”: رؤية تخرج فيها صهيون المقاومة لفكرة المساواة العالمية، الدولة اليهودية ليست مكاناً يمكن اليهود من تحرير أنفسهم من الخوف من معاداة السامية والعيش بشكل طبيعي، إنها بدلاً من ذلك، هي تجعل من الممكن لهم أن يثبتوا للعالم أخيراً مدى شذوذهم، وهذه المرة دون خوف من الأغيار، في تصور “كاهانا“، يجب على “إسرائيل” تعزيز التميز اليهودي واضطهاد غير اليهود، وجميعهم يشتبه في أنهم معادون للسامية.
كافح “كاهان”ا لاستغلال الانقسام العرقي في “إسرائيل” لتحقيق أهدافه، في دور المؤسسة الليبرالية الأمريكية، حاول “كاهانا” تصوير “الأشكناز” العلمانيين (يهود من أصل أوروبي)، بينما تم تحديد “المزراحي” (من أصل شرق أوسطي أو شمال أفريقي) على أنهم القوة المضطهدة التي يجب أن تخوض معركة ضدهم، عندما سمع عن الاحتجاج الاجتماعي والعرقي “للمزراحيين” للنمور السود “الإسرائيليين”، استدعى “كاهانا” جذوره “النمر” في أمريكا وحاول كسبها لقضيته، ومن غير المحتمل أن “كاهانا” كان يمكن أن يلائم “إسرائيل” في السبعينيات، مع روحها الاشتراكية، في أي قوالب أمريكية، على أي حال لم يكن “النمور الإسرائيليون” معجبين “بالأشكنازي” الذين حاولوا تجنيدهم في جهوده العنصرية، فهم في النهاية دعموا النضال الفلسطيني من أجل الاستقلال.
ماجد يأخذ تحدي “كاهانا” على محمل الجد، من وجهة نظره كان” كاهانا” من أوائل المفكرين الذين صاغوا الحجة المتعلقة بالتناقض الأساسي بين الطابع اليهودي لـ “إسرائيل” وطابعها الديمقراطي – وهو تناقض حول أي من الشخصيات من اليمين الراديكالي واليسار الراديكالي ستوافق، وإن كان من اتجاهين متعاكسين، اعتقد “كاهانا” أن مصطلح “الديمقراطية اليهودية” محفوف بالتناقضات، حيث يجب أن تكون الديمقراطية عالمية وإنسانية، في حين يجب أن تقوم الدولة اليهودية على التمييز بين اليهودي والوثني، يلمح ماجد إلى أن عدم أهلية “كاهانا” من قبل المحكمة العليا للترشح للكنيست لم يكن مرتبطاً فقط بمهارته الكبيرة في إثارة الاستفزازات، ولكن أيضاً بالمحتوى المزعج للحجة التي طرحها، وهي حجة لا تزال تهدد المشروع الصهيوني في الحاضر.

يخصص ماجد فصلاً رائعاً لفكر “كاهانا” في السنوات الأخيرة، حيث وجد تأثيراً مهماً على “اليمين الإسرائيلي” الحالي، وينصب التركيز هنا على كتاب “كاهانا” الذي نُشر بعد وفاته بعنوان “الفكرة اليهودية”، حيث يعرض “كاهانا” نوعاً من الرؤية اليمينية المناهضة للإنسانية التي تتنافس مع فكر الحاخام إبراهيم إسحاق كوك، أحد مؤسسي الحركة الصهيونية المتدينة، بينما “كاهانا” متشائم ومتشدد، بينما كان كوك يعتقد أن الصهيونية العلمانية تعزز ذلك أيضاً، وإن كان ذلك دون علم.
عملية الفداء
كان “كاهانا” ينظر إلى الصهيونية العلمانية على أنها عدو شيطاني وتغازل بالأفكار التي تبرر الحرب الأهلية، كان كوك يحلم برؤية مسيانية من شأنها أن تزيد من الحساسية الإنسانية لليهودية، كان “كاهانا” يحلم بإخراج اليهودية من قيود الأخلاق الغربية والانتقام من غير اليهود، مرة واحدة وإلى الأبد، من أجل الدم اليهودي الذي أريق.
في الخيال الأمريكي” لكاهانا”، أصبحت “إسرائيل” رأس الحربة العالمي في المعركة ضد الأخلاق الليبرالية الغربية، وبالتالي تمكن اليهود من تحرير أنفسهم أخيراً من الخوف المنفي وإدراك اختلافاتهم الأساسية بالكامل، من الصعب إنكار التأثير الدائم لهذه الأحلام على “اليمين الإسرائيلي”، المفارقة الوحيدة هنا هي الوجود القوي للشتات على وجه التحديد بين أولئك الذين يتوقون إلى التحرر منه، وإن تصور “كاهانا” للقوة اليهودية والمكان الذي يمكن لليهود أن يمارسوا فيه عنفاً غير مقيّد مستوحى من صدمة الضعف اليهودي، “كاهانا” لم يرفض الشتات: بقي أسيراً فيه تماماً، “إنه نبي دولة يهودية مرعبة”، مصاب بجنون العظمة وكراهية الأجانب، يكافح بلا هوادة ضد كل الكوابيس التي تطارده.
“الآخرة الإسرائيلية”
قطع “الفصل الإسرائيلي” من حياة “كاهانا” في وقت أبكر مما كان متوقعاً، قُتل على يد قاتل عربي في نيويورك عام 1990، ومن بين أولئك الذين حضروا جنازته الجماعية في “تل أبيب”، كانت هناك شخصيات مثل الزعيم الروحي الشعبي “شلومو كارليباخ” والحاخام الأكبر للسفارديم “مردخاي إلياهو”، لا يفحص ماجد تأثير “كاهانا” المستمر في “إسرائيل” المعاصرة، لكن الإطار الأمريكي الذي يقترحه يسمح لنا بتحليل اللحظة “الكاهانية الإسرائيلية” الحالية، مما له أهمية خاصة إدراكه أن أنصار “كاهانا” في أمريكا كانوا يهوداً تقليديين شباباً من الطبقة الوسطى الدنيا، وشعروا بالغربة عن كل من المؤسسة اليهودية الليبرالية وعن بلدهم، الذي كان بالكاد موجوداً في حياتهم، يستمع ماجد بجدية إلى هؤلاء الشباب، ويطلق عليهم “الراديكاليين”، ويلاحظ صعوبة قبول القيم الليبرالية باعتبارها ذات صلة بحياتهم.
الاعتراف بأسباب شعبية “كاهانا” له أهمية خاصة في “إسرائيل” الحالية، حيث يستمر صدى رسائله على خط التماس بين الشرائح المحرومين من السكان الشرقيين وتلك الموجودة داخل المعسكر الأرثوذكسي، من الملاحظ، على سبيل المثال أنه منذ الثمانينيات، كان “المزراحيم” الذين تخلت عنهم الدولة التي أصبحت أكثر ليبرالية، هم السكان المستهدفون لمشروعين قادتهما عناصر دينية: حملة شاس للعودة إلى الدين، والتي حاولت “لإعادة التاج إلى مجده السابق” وإعادة اختراع “المزراحيين” على أنهم يهود “سفارديم” تاريخيون، والمعسكر القومي الديني الذي حاول تجنيد “المزراحيين” لدعم مشروع “أرض إسرائيل الكبرى”، ربما يقدم ماجد “كاهانا” على أنه أمريكي للغاية، لكن تحليله “للكاهانية” كرد فعل يهودي فريد على الليبرالية يساعد في إلقاء الضوء على هذه “الظواهر الإسرائيلية” المؤلمة للغاية.

في العقد الماضي، مكّنت “الكاهانية” “النهج الحريدي” والقومي الديني من الاندماج: تمثل شخصيات مثل “إيلي يشاي” أو “مايكل بن آري” صلة بين الوعي “المزراحي” والتخيلات القومية والدينية لدولة يهودية تتباهى بقوتها المتغطرسة، وبالمثل فإن الشخصيات القومية الدينية التي تحاول جذب “المزراحيين” لا تأتي من مجموعات كوكيان النخبوية نسبياً ولكن من الدوائر الكاهانية، أحد الأمثلة على ذلك هو “بنتزي جوبشتاين”، وهو أشكنازي، تقدم حركة ليهافا التي أسسها للشباب من خلفيات محرومة ويملكون خطاً راديكالياً نقطة محورية لخيال القوة والغضب ضد المؤسسة، في المناقشة العامة “الإسرائيلية”، يُنظر إلى هؤلاء الشباب على أنهم شيء يشبه المتوحشين، “الأعشاب البرية” على هامش المجتمع الذين لا يمثلون نهجاً يجب التعامل معه بجدية.
وهذا في الواقع ما يجعل كتاب ماجد راديكاليا!، إنه لا يثني على الليبرالية ويدين الكاهانيين “المؤسسين” (كما وصفت هيلاري كلينتون أنصار ترمب)، يتعرف ماجد بجدية على عدم ارتياح هؤلاء الشباب الكاهانيين ولا يتردد في تشبيهه بمقاومة الليبرالية التي يظهرها اليوم الراديكاليون الشباب من اليسار، ويجب أن نقرأ كتاب ماجد باعتباره نداءً حاراً من اليسار لعدم قمع سنوات حكم ترمب، وإن فشل الليبرالية في تحقيق المساواة والعدالة للمجتمعات المحرومة يعزز سياسات الهوية التي في اللحظة التي تواجه فيها السلطة تصبح عنيفة وإقصائية، “كاهانا” يطارد السياسة اليهودية ويذكرنا بطريقته العنصرية المميزة، أنه في “إسرائيل” هناك متساوون وأقل تساويا، إذا لم يقدم اليسار حلاً مناسباً لهذا الوضع، فإن أقصى اليمين مستعد وراغب لملء الفراغ، ويجب سماع تحذير ماجد باللغة العبرية، قبل ظهور خليفة حقيقي “لكاهانا”، والذي سيكون أقل أمريكياً من الأصل.
Facebook Comments