عزلة تركيا الإقليمية وأزمتها الاقتصادية وراء إشارات المصالحة مع “إسرائيل”

ترجمة الهدهد
البروفيسور افرايم عنبار/ رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن
إن الدافع التركي لتحسين العلاقات مع “إسرائيل” هو محاولة لإضعاف الشراكة الاستراتيجية بين “إسرائيل” واليونان وقبرص والوصول إلى الغاز الطبيعي “الإسرائيلي”.
أدت سياسة تركيا الإقليمية إلى عزلتها، وأدت السياسة النقدية التي ينتهجها الرئيس رجب طيب أردوغان إلى تدهور الاقتصاد فيها.
تحاول أنقرة الآن إصلاح علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية و”إسرائيل”.
في 3 فبراير، أعلن أردوغان أنه سيستضيف “الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ” في زيارة رسمية لتركيا في منتصف مارس، وصرح أردوغان أن “إسرائيل” مهتمة أيضاً بإعادة العلاقات الدبلوماسية، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء “نفتالي بينيت” يُظهر “موقفاً إيجابياً”.
كان أردوغان قد أرسل في السابق إشارات مماثلة إلى “إسرائيل”، عندما أفرج عن سائحين “إسرائيليين” اعتقلا للاشتباه في قيامهما بالتجسس في نوفمبر/تشرين الثاني، بعد مكوثهما أسبوعين في السجن، اتصل هرتسوغ وبينيت، كل على حدة، بأردوغان للتعبير عن تقديره له، بالإضافة إلى ذلك، اتصل أردوغان في يناير مع “هرتسوغ” للتعبير عن تعازيه بوفاة والدته.
وبعد أسبوع، اتصل وزير الخارجية التركي “بلوت كاواسولو” بنظيره “الإسرائيلي يائير لابيد” للاستفسار عن حالته الصحية بعد تعافي الأخير من فيروس كورونا، وهي أول محادثة بين وزير خارجية تركي ونظيره “الإسرائيلي” منذ ما يقرب من عقد من الزمان، وبالمثل تلقت “الجامعات الإسرائيلية” رسائل من جامعات تركية.
بينما تحافظ تركيا على تجارة شاملة مع “إسرائيل” انتقد أردوغان “إسرائيل” بشدة بشأن القضية الفلسطينية، بل إن تصريحاته تقترب من معاداة السامية، في غضون ذلك، تواصل بلاده استضافة “إرهابيي حماس”.
يأتي “الغاز الإسرائيلي” على رأس الأجندة التركية من خلال محاولة للاقتراب من “إسرائيل”، وتعتمد تركيا بشكل أساسي على واردات الطاقة من روسيا وإيران، وتهتم بتنويع مصادر الطاقة لديها، لذلك تريد تركيا الوصول إلى احتياطيات الغاز “الإسرائيلية” للاستخدام المحلي والتصدير إلى أوروبا، ما سيعزز مكانتها كجسر للطاقة إلى أوروبا.
علاوة على ذلك، من المرجح أن يدر الغاز “الإسرائيلي” عائدات للاقتصاد التركي المتعثر، خاصة قبل الانتخابات المقبلة أيضاً، فإن خط الأنابيب من “إسرائيل” إلى تركيا عبر قبرص هو الحل الأمثل اقتصادياً، على الرغم من أنه قد يتطلب موافقة قبرص، وهذا ليس بديهياً.
بعد أن سحبت الولايات المتحدة دعمها لخط أنابيب EastMed الباهظ الثمن والمثير للمشاكل من الناحية التكنولوجية، والذي كان يهدف إلى نقل الغاز من “إسرائيل” وقبرص إلى أوروبا عبر اليونان، تأمل تركيا في أن تميل “إسرائيل” إلى تجاهل الاعتبارات الاستراتيجية وتكليف تركيا بعمل صنبور الغاز، يجب على “إسرائيل” أن تفكر ملياً فيما إذا كان من المرغوب فيه تصدير الغاز عبر تركيا، لأنها قد تستخدم هذا التبعية كسلاح ضد “إسرائيل” في المستقبل.
كما تتعامل أنقرة مع إدارة بايدن غير الودية، فلطالما اعتقد الأتراك أن بإمكان “إسرائيل” واللوبي التابع لها التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية، لذلك فإن تحسين العلاقات مع “إسرائيل” يمكن أن يفيدها على الساحة الأمريكية.
تحتاج أنقرة إلى علاقات أفضل مع واشنطن حيث أصبحت روسيا، الخصم التاريخي لتركيا، وبشكل متزايد، علاوة على ذلك، تبرز أزمة أوكرانيا مكانة تركيا الإشكالية، لأنها تسعى إلى تحقيق التوازن بين عضويتها في الناتو والابتعاد عن الغرب.
إن الدافع الواضح لتحسين العلاقات مع “إسرائيل” هو محاولة تفكيك أو إضعاف الشراكة الاستراتيجية بين “إسرائيل” واليونان وقبرص، ونتيجة العداء التركي، تم تعزيز التعاون الأمني بين مكونات هذا المثلث بشكل كبير، لذلك يجب على “إسرائيل” أن تقاوم الجهود المبذولة لإضعاف هذا المثلث.
وانضمت إلى هذه الكتلة مصر والإمارات، اللتان تنتهجان سياسات مماثلة في شرق البحر الأبيض المتوسط بشأن قضايا الطاقة والمناطق الاقتصادية الخالصة في البحر الأبيض المتوسط وليبيا، ما أثار استياء تركيًّا إلى حد كبير، “إسرائيل” هي الدعامة الأساسية لهذه المجموعة.
قد يوفر توطيد العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وتركيا مزيداً من المدخلات للتحركات التركية تجاه “إسرائيل”، وتريد الإمارات من تركيا الامتناع عن انتقادها الصريح لـ “اتفاقيات إبراهيم” بين دول الخليج و”إسرائيل”.
كما تريد تركيا الحفاظ على الوصول إلى القدس والأماكن المقدسة للإسلام، وتريد أنقرة زيادة وجودها في القدس لتقوية قيادتها في العالم الإسلامي، وتفضل تقليل “المعارضة الإسرائيلية” لأنشطتها في المدينة.
لطالما أرادت “الحكومات الإسرائيلية” علاقات جيدة مع تركيا، ويرجع تدهور العلاقات بشكل رئيسي إلى تبني نهج مناهض للغرب في السياسة الخارجية التركية في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، بينما من المتوقع أن تظل تركيا الإسلامية منافساً جيوسياسياً، وتحتاج “إسرائيل” إلى الرد بإيجابية على التغيير في أنقرة وتوضيح مواقفها في المفاوضات مع تركيا قبل زيارة “هرتسوغ.”
- أولاً: يجب معاملة “رئيس إسرائيل” باحترام مطلق، هناك شائعات في وسائل الإعلام التركية بأن أردوغان يخطط للقاء “هرتسوغ” ليس في القصر الرئاسي، ولكن في مكان أقل رسمية، ستكون علامة على عدم الاحترام إذا حدث ذلك.
- ثانياً: على “إسرائيل” أن تتوقع من تركيا أن تتبنى سياسة أكثر توازناً في “الساحة الإسرائيلية الفلسطينية”، يجب على تركيا الامتناع عن معارضة “الاتفاقات الإبراهيمية” والتعاون مع حماس وغيرها من الهيئات الإرهابية، وتحتاج تركيا إلى طرد “قيادة حماس الإرهابية” من أراضيها.
- ثالثاً: يجب على “إسرائيل” السعي لإلغاء مذكرة التفاهم المبرمة في نوفمبر 2019 بين تركيا والحكومة الليبية للاتفاق الوطني الثلاثي، والتي تحدد حدود المناطق الاقتصادية الخالصة للبلدين في البحر الأبيض المتوسط، وقد رسمت مذكرة التفاهم هذه في الواقع خطاً فاصلاً بين الأجزاء الشرقية والغربية من البحر الأبيض المتوسط، ما يهدد الأمن البحري، والتنقيب عن الغاز الطبيعي والبنية التحتية الجديدة، مثل خط أنابيب الغاز أو كابل الكهرباء من “إسرائيل” أو مصر إلى وجهة أوروبية.
- رابعاً: يجب على “إسرائيل” أن تسعى جاهدة للتوصل إلى تفاهم يضع قيوداً واضحة على نشاط تركيا في القدس، والذي ينتهك سيادتها.
- أخيراً: يجب أن تؤدي العلاقات الثنائية الأفضل بتركيا إلى إنهاء تعطيل العلاقات بين “إسرائيل” والناتو.
تعترف تركيا بـ “إسرائيل” كقوة إقليمية مهمة، ويُطلب منها تلبية “التوقعات الإسرائيلية” إذا كانت تطمح إلى الاقتراب، ويدرك أردوغان تماماً الحاجة إلى المعاملة بالمثل.
Facebook Comments