أخبار رئيسيةالشرق الأوسطترجمات

الأزمة المُتفاقمة في لبنان والتنافس الإقليمي

ترجمة الهدهد
بقلم د. “موشيه ألبو “، باحث أول في معهد السياسات والاستراتيجيات

إن التراشق الخطابي والإعلامي بين حزب الله والسعودية والذي تصاعد في الأسابيع الأخيرة هو تعبير عن المنافسة الإقليمية المتزايدة بين إيران ووكلائها وبين المعسكر الموالي للولايات المتحدة بقيادة السعودية، وهو أيضًا تعبير ملموس عن احتدام المنافسة على لبنان.

فيما يُنظر إلى الأزمة الاقتصادية والسياسية التي يعيشها لبنان على أنها فرصة إستراتيجية لدول الخليج ومصر والأردن، لإحداث نفوذ من خلال المساعدة الاقتصادية والفعالة لتقليص النفوذ الإيراني، وإضعاف حزب الله في المنظومة الإقليمية والداخلية اللبنانية.

وتتوافق هذه الخطوة مع “المصلحة الإسرائيلية” رغم ضعف توقعات نجاحها في ظل مركزية حزب الله على الساحة اللبنانية الداخلية والنفوذ الإيراني في الدولة.

لكن من غير المرجح أن تؤدي الأزمة المتفاقمة والضغط الخليجي إلى إضعاف النفوذ الإيراني، وإلحاق الضرر بمكانة حزب الله في لبنان، فهيمنة حزب الله لا تقتصر على الجانب العسكري فحسب، فالمنظمة مندمجة بعمق في المجتمع والاقتصاد اللبنانيين، وهي لاعب رئيسي في السياسة الوطنية.

ومن جانبها ستفعل إيران كل ما في وسعها للحفاظ على نفوذها في البلاد، وستعمل على تعزيز مكانة حزب الله الذي تعتبره رصيدًا إستراتيجيًا لإبراز القوة في المنطقة وأمام “إسرائيل”.

الجغرافيا السياسية للأزمة في لبنان

يعاني لبنان من أزمة اقتصادية ذات أبعاد تاريخية منذ آب/ أغسطس 2019، دفعت بما يقرب من 70% من السكان إلى حالة من الفقر، وسحق قيمة الليرة اللبنانية بأكثر من 90%، والحكومة على وشك الإفلاس وتفشل في دفع الإصلاحات اللازمة لإنعاش الاقتصاد اللبناني.

في أيلول 2021 شُكلت حكومة جديدة في لبنان بقيادة نجيب ميقاتي حيث تشكلت تحت راية الإصلاح والوحدة.

عمليًا الحكومة مشلولة، ولا يمكنها الدفع بتحركات مهمة من شأنها إنقاذ البلاد من الأزمة العميقة التي تعيشها، فعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية علق حزب الله عمل الحكومة بسبب مطالبته بإقالة قاضي التحقيق في قضية تفجير ميناء بيروت.

إن الشلل في عمل الحكومة منعها من التقدم في الخطوات اللازمة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية، فيما أعلن رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري هذا الأسبوع أنه لن يخوض الانتخابات النيابية المقبلة، وأوضح في خطاب التقاعد أنه ما دامت إيران وحزب الله يتمتعان بنفوذ واسع النطاق، فليس هناك فرصة للتغيير في لبنان.

أصدر البنك الدولي الأسبوع الماضي لائحة اتهام قاسية ضد النخب السياسية والشخصيات النافذة في لبنان.

الاستنتاج الرئيسي المقدم هو أن الانكماش الاقتصادي الكبير الذي تجد البلاد نفسها فيه نابع من السلوك الفاسد للنخب، التي استولت على مراكز القوة في البلاد وأفقرتها، وينظر البنك الدولي إلى الأزمة باعتبارها واحدة من أخطر ثلاث أزمات عالمية، خلال المائة وخمسين عامًا الماضية، وإنها تهدد الاستقرار الذي تشكل بصعوبة بالغة بعد الحرب الأهلية الكبرى، ويشكل الشلل السياسي للحكومة وعدم قدرة أو رغبة مختلف الفاعلين في النظام السياسي في التقدم بخطة شاملة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية الحادة والتي تشكل خطراً متزايداً على الدولة.

إن عداء السعودية والإمارات مع إيران ووكلائها، انزلق في الأشهر الأخيرة إلى لبنان، وأثر في معالجة البلاد للأزمة الاقتصادية والسياسية، واندلعت أزمة العلاقات بعد انتقادات علنية وجهها وزير الإعلام اللبناني “جورج قرداحي” للحرب السعودية في اليمن، والتي أدت إلى طرد السفير اللبناني لدى الرياض وعودة الكادر الدبلوماسي الإماراتي والبحريني والكويتي من بيروت، إلى جانب التوقف عن الاستيراد من لبنان (30 تشرين الأول).

وعملت الحكومة اللبنانية على تخفيف التوترات واستعادة المساعدات الحيوية للاقتصاد اللبناني، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة، وعندما بدا أن الأمور تعود إلى طبيعتها، ألقى الأمين العام لحزب الله خطاباً في الذكرى الثانية لاستشهاد قاسم سليماني (3 يناير) ركز فيه على الولايات المتحدة وحليفتها السعودية باعتبارهما المقوض الرئيسي للاستقرار الإقليمي.

خاطب ملك السعودية الشعب اللبناني وقيادته وطالبهم بالخروج ضد هيمنة منظمة حزب الله الإرهابية.

وجاء في رد أمين حزب الله كالتالي: بعض الناس في لبنان يخشون الرد، لكننا لا نخاف، نحن نعتني بكرامتنا (يرفع صوته)

سيدي الملك!
أنت الإرهابي الذي خرج الفكر الوهابي إلى العالم كله!
الإرهابي الذي أرسل آلاف السعوديين لتنفيذ تفجيرات انتحارية في سوريا والعراق هو أنت!
أنت الإرهابي الذي يقاتل منذ 7 سنوات ضد المظلومين في اليمن يقتل النساء والأطفال ويدمر الناس والحجارة!
الإرهابي الذي يدعم الولايات المتحدة في كل حروبها ويسمح لها باستخدام أراضيه وقواعده العسكرية لارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية هو أنت!
والإرهابي الذي يمول الجماعات التخريبية ويقود الحروب الأهلية في لبنان والمنطقة هو أنت.

وشدد الرئيس اللبناني نجيب مقياتي فور خطاب نصر الله على أن أقواله لا تخدم المصلحة الوطنية قائلاً: “بالله ارحموا لبنان والشعب اللبناني، وتوقفوا عن إثارة الكراهية على أسس سياسية أو عرقية”.

وقدمت دول الخليج الأسبوع الماضي 12 شرطاً لتقديم المساعدة للبنان من خلال وزير الخارجية الكويتي الذي زار لبنان، وبحسب صحيفة الأخبار اللبنانية، فإن المبادرة الخليجية منسقة مع الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك مع الدول السنية، والشرط الأساسي في المبادرة الخليجية هو احترام قرارات مجلس الأمن (القراران 1559 و 1701) مع التأكيد على نزع سلاح المليشيات المسلحة ووقف تدخل حزب الله المستمر في القضايا العربية والخليجية (الحرب على اليمن).

وتشكل هذه الخطوة رداً مدعوماً إقليمياً ودولياً على خطاب نصر الله والتهديد الذي يمثله التنظيم على السعودية والإمارات في اليمن، والهدف من هذه الخطوة إضعاف مكانة حزب الله في البلاد ووقف تورط التنظيم في الحرب الأهلية اليمنية، وزيادة الضغط على الحكومة والقوى السياسية في مواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.

 الفرصة في الأزمة – تعاون طاقة إقليمي

أدت الأزمة الاقتصادية الحادة إلى توقف تشغيل محطات توليد الكهرباء الرئيسية في لبنان (دير عمار، الزهراني) بسبب النقص الحاد في إمدادات الوقود لشركة الكهرباء الوطنية، ويحصل المواطنون على ثلاث ساعات من الكهرباء في اليوم، ويضطرون إلى دفع مبالغ باهظة لموردي الكهرباء من القطاع الخاص، بعد خفض دعم الديزل الذي أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار، بالإضافة إلى ذلك، يتفشى التضخم (137% تضخم سنوي)، ومعدل البطالة أصبح يقترب من 40%.

وقع لبنان والأردن وسوريا اتفاقية لنقل الكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر سوريا بقدرة 250 ميغاواط، وسيمول البنك الدولي المشروع بتكلفة تقديرية 200 مليون دولار

وصرح وزير الطاقة اللبناني في حفل التوقيع في بيروت (26 كانون الثاني) أن اللبنانيين يحتاجون إلى كل ساعة من الكهرباء يستطيعون الحصول عليها في ظل الأزمة الشديدة التي تعيشها الدولة.

إضافة إلى ذلك، تم إحراز تقدم في الاتصالات بين لبنان ومصر لغرض استخدام خط الغاز العربي في الأشهر المقبلة لصالح إمداد لبنان بالغاز عبر الأردن وسوريا، وتم إنشاء خط أنابيب الغاز لغرض تصدير الغاز الطبيعي من مصر إلى الأردن وسوريا ولبنان مع ربط بحري وربط بري مع “إسرائيل”، ويبلغ طول خط الأنابيب 1200 كيلومتر وبتكلفة 1.2 مليار دولار.

ووافق البيت الأبيض على إعفاء تدفق الغاز إلى لبنان عبر سوريا من العقوبات المفروضة على النظام السوري، هدف الولايات المتحدة هو منع انهيار الدولة اللبنانية، وإنشاء وسائل مساعدة اقتصادية إقليمية للمعسكر السني الموالي لأمريكا بالتعاون مع “إسرائيل”، للحد من النفوذ الإيراني المتنامي في الدولة.

“الزاوية الإسرائيلية”

هناك تعاون في مجال الطاقة بين “إسرائيل” ومصر، وهو ما ينعكس أيضًا في العضوية المشتركة في منتدى غاز شرق المتوسط، في يناير 2020 أصبحت “إسرائيل” مورداً رئيسياً للغاز الطبيعي لمصر بعد أن بدأت في إنتاج الغاز من حقل “ليفياثان”، وحقل “تامار” ووقعت على عقد توريد الغاز الطبيعي للأردن والذي يربط “إسرائيل” مباشرة بخط الغاز العربي.

الخلاصة..

 هل سينقل الغاز الطبيعي “الإسرائيلي” عبر الأنبوب العربي إلى لبنان؟ ربما نعم، لكن هذا ليس السؤال.. لا تتحمل “إسرائيل” مسؤولية استخدام الغاز الذي تصدره لمصر والأردن.

ومع ذلك فإن “لإسرائيل” مصلحة إستراتيجية في توسيع تعاونها في مجال الطاقة مع مصر والأردن، وتأسيس الأصول “الإسرائيلية” للأمن القومي للدول العربية، والاستفادة من ذلك لتحقيق أهدافها الأمنية، وفي الوقت نفسه “لإسرائيل” مصلحة واضحة في أن توسع مصر والأردن ودول الخليج من نفوذها في لبنان وتقليص النفوذ الإيراني المتزايد قدر الإمكان والشرعية التي يتمتع بها حزب الله حتى و لو كانت الفرص ضئيلة.

إن التوقعات من التحرك السعودي ضعيفة، ونفوذ إيران في لبنان طويل الأمد، وقوة حزب الله العسكرية والسياسية والاجتماعية ستوقف الخطوة الخليجية، بالإضافة إلى ذلك في سيناريو إعادة توقيع الاتفاق النووي الذي سيتم فيه ضخ العديد من الموارد في الاقتصاد الإيراني ستكون طهران قادرة على استثمار المزيد في تعزيز مكانة حزب الله في البلاد كقوة عسكرية وسياسية رائدة في البلاد.

وفي الوقت نفسه، فإن الطائفية الشيعية الواضحة لحزب الله في النسيج الطائفي اللبناني المتشابك في لبنان، والصلة العلنية مع الراعي الإيراني وحقيقة أن تحركات الحزب لا تتماشى بالضرورة مع مصلحة الدولة القومية، تزيد من الانتقاد والضغط على التنظيم، وتقوض شرعيته في الساحة اللبنانية والاقليمية، يمكن أن يكون لذلك تأثير تقويض طويل الأمد على مكانة التنظيم، الأمر الذي يحتاج إلى تعزيز وتقوية من أجل إضعاف قوة التنظيم في الساحة اللبنانية.

Facebook Comments

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي