أخبار رئيسيةترجمات

لعبة الشطرنج العالمية وتداعيتها على “إسرائيل”

ترجمة الهدهد
كتبه موظفو معهد السياسات والاستراتيجيات (IPS)
بقيادة اللواء (احتياط) عاموس جلعاد

المقال يعبر عن رأي كاتبيه

الأزمة في أوكرانيا تفاقمت وتطورت إلى أخطر أزمة بين روسيا والغرب منذ نهاية الحرب الباردة.
ونتائج هذه الأزمة لها آثار على النظام العالمي، وعلى المنافسة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين وعلى هندسة الشرق الأوسط.

إن الأزمة الحالية هي استمرار مباشر لسياسة الحفاظ على الحدود الإستراتيجية لروسيا، مع الاستعداد لاستخدام القوة وحتى المخاطرة بالحرب.

وهكذا فإن حجم القوة الروسية حول أوكرانيا يسمح لموسكو وفقًا لرئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة “الجنرال مارك مايلي” بغزو البلاد بأكملها، وعدم الاكتفاء بتحرك عسكري محدود.

على الرغم من أن الرئيس بايدن صرح بأنه لن يرسل قوات إلى أوكرانيا التي هي ليست عضوًا في الناتو، وأن واشنطن ليست ملزمة بموجب معاهدة بحمايتها، إلا أنه لم يستبعد إمكان إرسال قوات عسكرية إلى حلفاء واشنطن في أوروبا الشرقية.

وشدد بايدن على أن الغزو الروسي لأوكرانيا سيكون أهم حدث في العالم من حيث السلام والحرب منذ الحرب العالمية الثانية، ويبدو أن البيت الأبيض في الأيام الأخيرة أدرك الأضرار التي لحقت بقوة الردع الأمريكية، ويعمل على إعادتها حتى على حساب تصعيد التهديدات ضد موسكو.

على وجه التحديد تهدد روسيا بقطع الغاز عن أوروبا، إذ إن أكثر من 40٪ من إمدادات الغاز الطبيعي في أوروبا تحت السيطرة الروسية، وتحاول الولايات المتحدة إيجاد حل قصير المدى من خلال الإمداد بالطاقة من مصادر أخرى، لكن وفقًا للخبراء ستوفر هذه المحاولات حلاً جزئيًا إذا ما تحققت في مواجهة الاحتكار الروسي.

التأثير الفوري سيكون ارتفاعا كبيرا في أسعار الطاقة، وانقساما في مواقف الدول الغربية فيما يتعلق بالخطوات التي يجب اتخاذها تجاه روسيا، وتظهر أوروبا ضعفًا وانقسامًا في موقفها في وجه العدوان الروسي أيضا، بسبب العلاقات الاقتصادية الواسعة معها (ما وراء الطاقة) والضعف العسكري (الاستثمار المحدود في ميزانيات الدفاع)، وعدم الرغبة في الخروج عن العمل الدبلوماسي.

ويعزز هذا الوضع موقف روسيا في الأزمة الحالية، كما أن صورة القوة الأمريكية ضعفت في ظل تركيز واشنطن على الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية (العقوبات) وعدم الرغبة في استخدام القوة.

التقدير الأمريكي حاليًا هو أن روسيا ستغزو أوكرانيا، على الرغم من نفي روسيا أنها تنوي ذلك، في الوقت نفسه تستعرض روسيا قوتها أمام الناتو والولايات المتحدة من خلال سلسلة من المناورات والتدريبات المكثفة وغير المسبوقة؛ بحراً وجواً وبراً من المحيط الأطلسي إلى البحر الأبيض المتوسط.

يجب فهم دوريات الاستطلاع الجوي الروسية السورية المشتركة التي مرت أيضًا في أجواء هضبة الجولان السورية (24 كانون الثاني) في هذا السياق، فضلاً عن الرغبة الروسية في إيصال رسالة ردع إستراتيجية “لإسرائيل” تمنعها من اتخاذ موقف موالٍ لأمريكا في الأزمة في أوروبا، بالإضافة إلى إشارة إلى تل أبيب بأن تأخذ في الاعتبار مطالبها فيما يتعلق بسلوكها في المعركة التي بين الحروب التي تقوم بها في سوريا.

نتائج الأزمة بين روسيا والولايات المتحدة لها تداعيات عالمية بعيدة المدى، حيث ستؤثر مباشرة على الأمن القومي “لإسرائيل”، وعلى تل أبيب الامتناع عن التدخل في الأزمة الناشئة في أوكرانيا، في ضوء الثمن السياسي والعسكري الذي قد تدفعه، خاصة في كل ما يتعلق بالحفاظ على حرية عملها في المعركة التي بين الحروب على الساحة الشمالية والحفاظ على محور التنسيق الإستراتيجي مع موسكو.

صورة ضعف الولايات المتحدة الأمريكية التي تنعكس في عدم قدرتها على وقف التحرك الروسي في أوكرانيا تؤثر على الشرق الأوسط، وعلى المواجهة الإستراتيجية بين “إسرائيل” والمعسكر السني المعتدل مع إيران.

وتشكل صورة ضعف الولايات المتحدة التي تعد ركيزة إستراتيجية في الساحة الدولية والشرق الأوسط إلى جانب تفاقم التحدي الإيراني تهديدًا متزايدًا على أمن “إسرائيل” القومي، ويجب عليها تعزيز تحالفها الإستراتيجي مع واشنطن، مع بذل جهد للحفاظ على التنسيق الإستراتيجي مع روسيا وتعميق العلاقات الأمنية والعسكرية مع المعسكر السني.

في الوقت نفسه تتقدم المحادثات النووية في فيينا إلى المرحلة الحاسمة مع عودة الوفود إلى بلدانها لاتخاذ قرار بشأن استمرار المفاوضات، وتلعب روسيا دورًا رئيسيًا في دفع عجلة المفاوضات والتوسط بين المواقف الأوروبية والأمريكية والإيرانية.
ومن المفارقات أن الوفد الروسي إلى المحادثات في فيينا بقيادة السفير “أولينوف” يعمل من كثب مع ممثلين أمريكيين وأوروبيين، ويقود بالاتفاق معهم المفاوضات مع إيران، بينما في الوقت نفسه موسكو على وشك الحرب في أوكرانيا وفي أزمة غير مسبوقة مع الغرب.

على وجه التحديد صرح السفير أولينوف أنه تم إحراز تقدم في المفاوضات، وأن العملية قد وصلت إلى مرحلة تتطلب فيها القيادات السياسية اتخاذ قرارات صعبة بشأن الاستمرار في المفاوضات.

حول هذه القضية تزداد احتمالية إبرام اتفاقية مؤقتة تقيد بشكل أساسي تخصيب اليورانيوم وتحويل اليورانيوم المخصب المتراكم حتى الآن في إيران إلى عهدة روسيا، واستعادة إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي المقابل ترفع الولايات المتحدة بعض العقوبات، وتفرج عن أموال إيرانية مجمدة في البنوك الدولية.

المشكلة الرئيسية التي تخلقها اتفاقية مؤقتة “لإسرائيل” هي أنه في مقابل التجميد المؤقت للبرنامج النووي ستكون إيران قادرة على الاحتفاظ بالمعرفة التكنولوجية والقدرات المتقدمة التي تراكمت لديها في المجال النووي وتحريك الاقتصاد من خلال الرفع الجزئي للعقوبات والإفراج عن الأموال المحجوزة، وتعزيز قوتها العسكرية والاستثمار في تعزيز ميليشياتها ووكلائها وحتى الآن، وفي التمركز العسكري الإقليمي و في تطوير القدرات النارية والصاروخية ونقل أسلحة متطورة وغير ذلك دون قيود ودون شروط من الولايات المتحدة.

التقدم في مفاوضات فيينا والرغبة الأمريكية في الانتهاء من الملف النووي وعدم رغبة واشنطن في الانخراط في حملة عسكرية أخرى في الشرق الأوسط حتى عندما يتعرض حلفاؤها الإقليميون لهجوم (هجوم الطائرات بدون طيار على أبو ظبي) يزيد من عدوانية الوكلاء الإيرانيين في الشرق الأوسط، سواء في الهجمات المباشرة على القوات الأمريكية في سوريا والعراق أو في مهاجمة أهداف إستراتيجية في السعودية والإمارات.

تتمثل الإستراتيجية العامة لإيران في دفع الولايات المتحدة إلى خارج الشرق الأوسط و إنشاء معادلة ردع مع دول الخليج تجمع بين حوار اتفاق وتعاون اقتصادي (الجزرة) مع هجمات حركية أو سيبرانية على أهداف إستراتيجية بواسطة قوات تابعة (العصا), وإنهاء اتفاقيات “أبراهام ” وتشديد الطوق الخانق حول “إسرائيل” من خلال التمركز العسكري، وإقامة قواعد نيران في الدوائر الأولى والثانية والثالثة.
كل هذا مع الحفاظ على القدرات النووية المتقدمة التي تحققت واستمرار الاستثمار في البحث والتطوير التكنولوجي، والقدرات الهجومية السيبرانية والنارية المتقدمة.

إن عدم رغبة الولايات المتحدة في استخدام أدوات عسكرية في الشرق الأوسط بسبب تركيزها على التنافس الإستراتيجي المتزايد مع الصين وروسيا يؤدي إلى تعاظم “العدوان” الإيراني وزيادة حجم التهديد على الاستقرار الإقليمي (الطائرات بدون طيار، وقدرات النيران الباليستية والسيبرانية الهجومية، وما إلى ذلك).

ويتطلب هذا الوضع من “إسرائيل” الاستثمار في تطوير علاقاتها الأمنية – الإستراتيجية مع دول الخليج ومصر والأردن من أجل إنشاء عمق إستراتيجي وإظهار قوة إقليمية وتشكيل تحالف إقليمي لوقف إيران.
ويجب على إسرائيل”محاولة التأثير على واشنطن للامتناع عن توقيع اتفاقية مؤقتة مع إيران على الرغم من التوقعات المنخفضة لهذا الجهد.

وسيسمح الاتفاق المؤقت لطهران بالحفاظ على المعرفة والقدرات التكنولوجية النووية المتقدمة التي اكتسبتها، وسيسرع من عمليات مراكمة العسكرية التقليدية، وسيعزز من قوة مليشياتها ووكلائها في الشرق الأوسط وزيادة التهديد المحيطي على “إسرائيل” والمعسكر السني المعتدل، وسيؤدي هذا الوضع إلى سباق تسلح إقليمي، ويقرب من إمكان المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل.

ومع ذلك فإن “إسرائيل” مطالبة بالاستعداد لسيناريو توقيع اتفاق نووي لا يتوافق مع مصالحها الأمنية، وكجزء من هذا على تل أبيب أن تتجنب الدخول في أزمة مع الإدارة الأمريكية التي هي الركيزة الاستراتيجية الرئيسية بالنسبة لها، والاستفادة من الاتفاق الذي تم التوصل إليه لزيادة المساعدة الأمنية من واشنطن والتزود بالطائرات التي ستحقق التفوق النوعي للجيش “الإسرائيلي” وتساعد في القدرة على العمل المستقل ضد إيران عند الحاجة.

يبدو أن القضية الفلسطينية أصبحت خارج الأجندة الدولية، ولا داعي للمسارعة في الدفع بتحركات سياسية على ضوء الجمود في الاتصالات والانقسام في الساحة الفلسطينية، وعدم وجود طاقة إقليمية أو أمريكية للضغط على الأطراف للعودة إلى طاولة المفاوضات.

إن استراتيجية “إسرائيل” المتمثلة في “تقليص الصراع” من خلال الاستثمار في التنمية الاقتصادية وتطوير وتحسين جودة الحياة للفلسطينيين مع تجنب الدخول في مفاوضات سياسية، يزيد من مخاطر تحقيق رؤية “الدولة الواحدة” بحكم الجمود، ويرسخ من مكانة حماس كقوة سياسية وطنية شرعية. في الوضع الحالي، تتمتع حماس بالمرونة في استخدام القوة ضد “إسرائيل” في الضفة الغربية والقدس دون دفع ثمن، مع التقدم في عمليات إعادة الإعمار والتوصل لترتيب مع قطاع غزة، ما يساعدها على بسط حكمها وتعزيز مكانتها كقوة وطنية شرعية في الساحة الفلسطينية استعدادا لليوم الذي سيلي أبو مازن.

وبالتالي فإن محاولة الإبقاء على الوضع الراهن في الساحة الفلسطينية بأي ثمن يزيد من حدة قابلية الانفجار والخطوات العميقة في المجتمع الفلسطيني التي قد تتبلور وتشكل تهديدًا ملموسًا ضد “إسرائيل” بدعم دولي واسع.

تحتاج “إسرائيل” إلى صياغة إستراتيجية شاملة تشير إلى أفق سياسي لتحقيق مفهوم الفصل” من أجل كبح العملية الزاحفة لتحقيق “الدولة الواحدة” تحت غطاء “إدارة الصراع” وفقدان الشرعية في الساحة الدولية وخاصة في واشنطن بشكل يعرض للخطر المصالح التي هي من صميم الأمن القومي “لإسرائيل”، لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهل القضية الفلسطينية التي تشكل تهديدا إستراتيجيا لا يقل عن التهديد الإيراني على أمن “إسرائيل”.

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي