قرارات اللجنة المركزية لحركة فتح تسرّع في انحسار شرعية السلطة الفلسطينية

ترجمة الهدهد
معهد أبحاث الأمن القومي / يوحنان تسوريف
أثارت سلسلة القرارات المتعلقة بالتعيينات والترشيحات التي اتخذتها اللجنة المركزية لحركة فتح مؤخرًا ضجة كبيرة في الساحة الفلسطينية، حيث سيُفسّر تطبيقها على أنه محاولة من تيار فتح أبو مازن للسيطرة على كل مراكز السلطة في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، وكإدامة للانقسام وتأجيل الانتخابات لمؤسسات السلطة الفلسطينية إلى موعد غير معروف وزيادة في الاعتماد على “إسرائيل”.
وهذا في الحقيقة تعبير عن عدم الاهتمام بشرعية الجمهور، وفتح جبهة معه إلى جانب الجبهات القائمة ضد حماس ومحبطي فتح، وغيرهم من التنظيمات.
هذه خطوات قد تحدد تدريجياً السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية في نظر الجمهور على أنها تابعة “لإسرائيل”.
ومن جانبها يجب على “إسرائيل” أن تنأى بنفسها عن هذا الوصف، وأن تؤكد اهتمامها بجلب الفلسطينيين إلى الاستقلال السياسي والاقتصادي ومساعدة الشباب الفلسطيني في خلق وظائف واعدة ومجزية.
سلسلة قرارات اتخذتها اللجنة المركزية لحركة فتح برئاسة أبو مازن عشية اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية تثير غضبًا في الساحة الفلسطينية وتساؤلات حول مستقبل منظمة التحرير وإمكانية المصالحة الفلسطينية الداخلية، وتتعلق الأسئلة أيضًا بالقدرة على تنفيذ السياسات التي تعهد بها أبو مازن في خطاب ألقاه في سبتمبر 2021 في الجمعية العامة للأمم المتحدة – من بينها سحب الاعتراف “بإسرائيل: والانسحاب من التزاماتها معها – إذا لم ينتهِ الاحتلال في غضون عام واحد.
وفي خطوة فُرضت على أعضاء اللجنة ولم تترك مجالاً حقيقياً للمناورة لخصومها، تم الإعلان عن سلسلة من التعيينات والترشيحات لشخصيات مقربين من أبو مازن والموالين له.
وجاء في إعلان اللجنة أنه تقرر تجديد الثقة بأبو مازن كرئيس لحركة فتح ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، والموافقة على ترشيح روحي فتوح عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وهو أيضًا أحد الموالين لأبو مازن لمنصب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني بدلاً من المسن سليم الزعنون، الذي طلب مؤخرًا للاستقالة.
هذه القرارات لها العديد من التداعيات المهمة بخصوص السيطرة على مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وفتح، وكذلك على الصراع الذي بدأ بالفعل حول إرث أبو مازن، إن التعبير عن الثقة في أبو مازن واستمرار ولايته كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية يهدف إلى تعزيز شرعيته كرئيس في مواجهة انحسار نسبة الدعم الشعبي له منذ أن ألغى في أبريل 2021 قرارًا بإجراء الانتخابات في مايو، والسماح باستقرار الحكم حتى تسلم وريثه للسلطة.
يعتبر ترشيح حسين الشيخ من أكثر الخطوات إثارة للجدل لوجود أعضاء كبار وأكثر استحقاقا في قيادة فتح منه والميزة التي تمنحها له العضوية في اللجنة التنفيذية في المنافسة على إرث أبو مازن.
في الخطاب العام يحتل أيضًا تورطه سابقاً في مسائل الرشوة والتحرش الجنسي مكانًا كبيرًا، الشيخ مقرب من أبو مازن ويرافقه في كل الاتصالات التي تحافظ على التواصل مع الجهات الأجنبية و”الإسرائيلية” وتضمن بقاء السلطة الفلسطينية، إذا نجح في خلافة صائب عريقات الذي وافته المنية قبل نحو عام أميناً عاماً للجنة التنفيذية ورئيساً لملف المفاوضات السياسية فسيكون في موقع انطلاق أكثر راحة من غيره في معركة الخلافة، لكن انتخابه لا يضمن له منصب الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وتجدر الإشارة إلى أن صائب عريقات فاز بهذا المنصب بعد سنوات عديدة من توليه حقيبة مفاوضات منظمة التحرير الفلسطينية، ولم يُعتبر خليفة محتملاً للرئيس.
يهدف ترشيح روحي لمنصب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني إلى تكليف شخصية موالية لأبو مازن بإدارة مناقشات المجلس الوطني والمجلس المركزي في الأيام التي من المتوقع أن يمرروا فيها قرارات قد تثير معارضة السياسة والتوريث ونقل الصلاحيات، وربما أيضًا لإخضاع اللوائح والإجراءات لسياساتهم. فتوح وهو من رفح في الأصل، كان أحد مساعدي أبو مازن والمتحدثين باسمه، وسبق له أن شغل منصب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، حتى إنه حل مكان عرفات بعد وفاته حتى انتخاب أبو مازن رئيساً، تعيينه يثير الانتقادات بسبب صفة الفاسد التي التصقت به.
وتوصف عملية تمرير هذه القرارات بأنها عملية اختطاف من ابتداع أبو مازن ورفاقه من دون السماح بطرح مرشحين إضافيين، والسماح بحسب المشاركين في الجلسة بإبداء التحفظات. الضحايا الرئيسيون لهذه الخطوة هم جبريل الرجوب الذي لا يزال يعتبره الكثيرون أحد المرشحين لميراث أبو مازن، ومحمود العالول أحد المخضرمين في فتح، والذي كان يعتبر مرشحًا مقربًا من أبو مازن حتى اتخاذ القرار، وكذلك توفيق الطيراوي العضو البارز في فتح والرئيس السابق للمخابرات الفلسطينية، والذي ابتعد عن أبو مازن في السنوات الأخيرة.
إن محاولة إخراج هذه الشخصيات من السباق قد تفتح جبهة أخرى داخل فتح، الأمر الذي من غير المرجح أن يرغب فيه أبو مازن.
وزعم جبريل الرجوب خلال الجلسة أنه ضحية مؤامرة حاكها ضده مقربو الرئيس، وأنه من غير المعقول أن يكون الولاء هو الشرط الوحيد لقبول هذا المنصب أو ذاك، و لم ينتقد الثلاثة علانية بعد القرارات المتعلقة بالتعيينات، لكن من الواضح أنهم محبطون للغاية.
عاد الرجوب نفسه قبل فترة قصيرة من انعقاد اللجنة المركزية من جولته في سوريا ولبنان، حيث فشل في محاولته إقناع الجبهة الشعبية بحضور اجتماع المجلس.
وأشاد الرجوب في لقاءاته مع وسائل الإعلام اللبنانية بالمصالحة الفلسطينية الداخلية وعلاقاته مع حماس بطريقة من غير الواضح على الإطلاق ما إذا كانت تتماشى مع رغبات أبو مازن.
وخلافا لما كان عليه الحال في الماضي، فإن الاستعدادات للمؤتمر الذي تم تأجيله مرة واحدة واستئناف الجهود لمقاطعته نتيجة لهذه القرارات لم تشمل دعوة حماس وغيرها من المنظمات غير التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى المشاركة.
ومن المرجح أنه إذا لم تكن هناك تطورات جديدة بحلول ذلك الوقت فسيكون أبو مازن ورفاقه قادرين على الموافقة على الترشيحات التي وافقت عليها اللجنة المركزية – على الرغم من الاعتراضات، وبالتالي تعزيز سيطرتهم على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية وجميع مؤسساتها، ومعنى المصادقة يعني ما يلي:
- تأجيل انتخابات المؤسسات الوطنية إلى أجل غير معلوم، ففتح أبو مازن ليست مستعدة لخوض الانتخابات في المستقبل القريب، خوفا على ما يبدو من الفشل، بسبب الخسارة الكبيرة في الدعم الشعبي لها ولقائدها.
- زيادة الاعتماد على “إسرائيل” في مسائل الأمن والسلوك اليومي، وكذلك على الجهات الخارجية في مسائل التمويل والشرعية الدولية.
- التسليم مع عدم وجود عملية سياسية – كما كان متوقعا حتى الآن – على شكل مفاوضات لتسوية دائمة، والاكتفاء بعملية تنخفض فيها التوقعات، من المشكوك فيه جدا ما إذا كانت تهديدات أبو مازن في خطابه في الجمعية العامة ستتجسد.
- وضع العصي في دولاب المصالحة بين المنظمات، وإحراج الجزائر التي تستضيف وفود الفصائل الفلسطينية في عاصمتها منذ 15 يناير لدفع العملية قدما، إن قرارات اللجنة المركزية تتعارض تمامًا مع المناقشات الجزائرية، بل وقد تعيق طريق المصالحة في المستقبل المنظور.
- إشارة سلبية لجيل الشباب على التزام القيادة بمستقبلهم وتوقعاتهم بخلق فرص جديدة.
- إغلاق التعامل مع قضايا الفساد العالقة، واستخدامها كأداة لاتهام المعارضين المحتملين للقرارات داخل أو خارج فتح.
إذا لم يتم تغيير القرارات المتعلقة بالتعيينات ويتم الموافقة عليها من قبل المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية فسيتم تفسيرها على أنها تنازل من أبو مازن والتيار الذي يرأسه عن الشرعية العامة وإلغائها كمصدر سلطة لحكمهم.
كما سيتم تفسير القرارات على أنها ربط مصيره ومصير حكمه “بإسرائيل” والمجتمع الدولي أو أجزاء منه من الذين سيقبلون به، ومع الدول العربية التي طالما كانت مهتمة بهدوء من الاتجاه الفلسطيني.
وهذا في الحقيقة سيفتح جبهة واسعة أمام الجمهور الفلسطيني الذي يشعر بخيبة أمل ويتوق إلى التغيير ،ومع الفصائل الفلسطينية المعارضة، وقد تنضم إليهم فصائل محمد دحلان ومروان البرغوثي ومحبطون آخرون من فتح الذين تضر بهم هذه التعيينات والقرارات وتتركهم عمليا بلا وطن سياسي.
يذكر أن البرغوثي وضع قائمة منفصلة قبل الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في مايو 2021 وتم إلغاؤها ، لكن لم يُزَح من فتح مثل ناصر القدوة، بسبب قوته الانتخابية، ويحتفظ بمكانه كعضو في اللجنة المركزية.
في مثل هذا الواقع، قد يزداد الضغط الذي تمارسه حماس على الضفة الغربية من قطاع غزة ومن الضفة الغربية نفسها من أجل إشعال الأراضي وزيادة الاحتجاجات ضد السلطة الفلسطينية و”إسرائيل”.
وقد يثير انضمام العديد من الفصائل والمصابين بخيبة الأمل في هذا الجهد جمهورًا عريضًا مشبعًا بالعداء للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية. عندها ستقف هذه الأجهزة أمام اختبار الولاء الذي تظهره حالياً للسلطة الفلسطيني،حينها سيتم اتهامها بالتعاون مع “إسرائيل” ويجرى تقويضها تدريجياً.
وهذه كتلة ثقيلة من الضغط ستقع على أكتاف “إسرائيل” أيضًا، فهي ليست فقط حاكم الضفة الغربية، بل راعية السلطة الفلسطينية أيضًا، قد تزداد العمليات و”الإرهاب”، وسيتطلب حماية المستوطنات “الإسرائيلية” في الضفة الغربية وتعزيز القوات والاستيلاء على أراضٍ من أجل الأمن والسلامة.
يمكن لهذا التطور أن يعيد “إسرائيل” إلى الأماكن التي تركتها قبل عملية أوسلو وحتى في بعض المناطق تعود للسيطرة على السكان الفلسطينيين.
تشير الاجتماعات الأخيرة بين الوزراء “الإسرائيليين” وأبو مازن ومسؤولين كبار آخرين في السلطة الفلسطينية إلى أنهم يعتمدون بشكل متزايد على “إسرائيل”.
ولكن من أجل محاولة منع تلك الأحداث التي قد تعيد “إسرائيل” إلى السيطرة القوية على الضفة الغربية؛ يجب على “إسرائيل” أن تتخلى عن مكانة الراعي، الأمر الذي يمكن أن ينشأ شرخا في العلاقة بينها وبين السلطة الفلسطينية، والتأكيد على استقلال السلطة الفلسطينية وتطلعاتها لتعزيز الاستقلال السياسي والاقتصادي الفلسطيني ، وكذلك خلق أكبر عدد ممكن من الفرص للشباب الفلسطينيين المحبطين في الوظائف والعمل المربح .
Facebook Comments