من هو الذي يستحق الموت من أجل "بلادنا"؟
دراسة: حوالي 80% من قتلى جيش العدو من الضواحي الضعيفة المهمشة

ترجمة الهدهد
يديعوت أحرونوت /حين آرتسي سرور
في كل مرة يُقتل فيها جندي في عملية أمنية كان البروفيسور “ياغيل ليفي” يستنفر.
لسنوات عديدة كان يجمع الأسماء اسما اسما، ويفحص ما إذا كان ينتمي إلى “الضواحي الاجتماعية” المهمشة في “إسرائيل” ويقوم بإجراء التحليل ليس فقط من خلال مكان الإقامة أو اللقب، ولكن من خلال عشرة معايير مختلفة، مثل: الوضع الاجتماعي والاقتصادي، ومكان الإقامة ودرجة التعليم، وأصل الوالدين، وهذا يتطلب قاعدة بيانات معقدة ومتعددة الطبقات.
كان البروفيسور ليفي يجمعها من المقالات في وسائل الإعلام، ومن النعي، ومن الشبكات الاجتماعية للضحية، وحتى من صورة منزله وحيه كما تظهر في خرائط جوجل.
النتائج لا يمكن تصورها: 78٪ من القتلى في القتال الدائر في الضفة الغربية وعلى الحدود مع قطاع غزة هم أبناء وبنات “الضواحي” الاجتماعية في “إسرائيل”.
إذًا من الذي يستحق الموت من أجل “بلادنا”؟ يخبرنا 78 في المائة، وهي أغلبية واضحة ومؤلمة من القتلى أن “جيش الشعب” هو في الواقع جيش “الضواحي” الاجتماعية المهمشة، وأن نصيب الطبقة الوسطى العليا من وسط البلاد في القتال المستمر يتقلص على مر السنين.
البروفيسور ليفي الباحث في العلاقات العسكرية الاجتماعية بدأ بحثه الشامل في الجامعة المفتوحة في عام 2005، إذ فحص أولاً القتلى في حرب لبنان الأولى كأساس للمقارنة، ثم بدأ في تتبع كل مكان سقط فيه جندي منذ عام 2000، في الانتفاضة الأولى و في حرب لبنان الثانية وفي العمليات العسكرية في غزة وفي نشاطات الحفاظ على الأمن الجاري اليومية في الضفة الغربية وعلى الحدود مع قطاع غزة.
إحصاءات ليفي لم تشمل حوادث التدريب أو الوفيات في الهجمات “الإرهابية” التي تستهدف المدنيين.
يقول ليفي: “يجب علينا أن نسأل من الذين يضعهم الجيش في طليعة ساحة العمليات؟ فتعقب الموتى لا يعكس تمامًا التكوين الاجتماعي للجيش، لكنه يجيب على سؤال من الذي يتحمل العبء.
والجيش لا يميل إلى الانخراط في رسم الطبقة العرقية؛ مقارنة بالجيش الأمريكي فهناك – على سبيل المثال – عرفوا كيف يقدّمون التحليل العرقي.
لطالما كان الجيش الإسرائيلي تحت “البقرة المقدسة لبوتقة الصهر” لا يعمل حسابًا للأعراق والألوان.
في بحثي وجدت أنه في حرب لبنان الأولى كانت نسبة القتلى من الطبقة الوسطى العلمانية – بمن فيهم الشرقيون الذين ينتمون إلى تلك الطبقة – 68٪.
وفي الانتفاضة الثانية (حتى 2005) انخفض عدد القتلى من الطبقة المتوسطة العليا إلى 45٪، وامتلأ هذا الفراغ بمجموعات من المهاجرين والشرقيين والمتدينين والدروز والنساء، وقفز عدد القتلى من هذه المجموعات إلى 55 بالمئة.
ويظهر تحليل أكثر دقة للبيانات أنه في حرب لبنان الثانية أو حتى في “الجرف الصامد” كانت هناك زيادة في خسائر الطبقة الوسطى العليا، لأن الوحدات الخاصة وسلاح البحرية وسلاح الجو شاركوا في القتال المكثف، (نسبة الطبقة المتوسطة العليا من بين الذين يخدمون في هذه الوحدات عالية).
لكن إذا نظرنا إلى القتلى فقط في النشاط الأمني المستمر أو الجاري على الحدود، نجد أن وزن الطبقة الوسطى العليا يتقلص من 45 في المائة إلى 22 في المائة فقط.
“78 في المائة من القتلى في النشاطات الأمنية الجارية على الحدود هم من الضواحي الاجتماعية المهمشة، ونجد أن “دولة إسرائيل” في الواقع تضع عبء الانكشاف “للعدو” والمخاطر اليومية على كاهل الشباب الذين ينتمون إلى القطاعات الأضعف في دولة “إسرائيل”.
ورقة فحص أصول القتلى
عندما قُتل الرقيب “بارئيل حضاريا شموئيلي” على حدود قطاع غزة خرج جنود ومدنيون للاحتجاج على شبكات التواصل مطالبين بتغيير قواعد إطلاق النار.
يشبه هذا الاحتجاج من نواحٍ كثيرة احتجاجات على حالات مختلفة تمامًا، على سبيل المثال: دعم الجندي “إيليئور أزاريا” الذي أطلق النار على فلسطيني وقتله رغم تحييده، أو الاحتجاج من أجل الجندي “ديفيد أداموف” الملقب بـ “ديفيد النحلاوي” نسبة إلى لواء الناحل الذي شوهد في شريط فيديو وهو يشهر سلاحه نحو طفل فلسطيني في الخليل اشتبك معه وهو يستعد لإطلاق النار عليه.
على الرغم من عدم وجود تشابه بين ظروف مقتل “بارئيل حضاريا “وأفعال أزاريا وآدموف، إلا أن الحالات الثلاث جرت ردود أفعال مماثلة – واحتجاج شعبي تولد لدى الطبقة العاملة في الجيش الإسرائيلي تطالب بدعم الجنود.
يقول ليفي إن هذه الاحتجاجات لها خصائص طبقية وعرقية، فالجنود وعائلاتهم يقولون “للمجتمع الإسرائيلي”: “نحن نقوم بأكثر الأعمال قسرا وقذارة ونقابل بنكران الجميل، ولا نُكافأ بالمال أو المكانة، و مطلبنا فقط هو الحصول على الدعم”.
في الواقع كان خطاب الإهمال والتسيب قويًا جدًا في قضية “أزاريا ” وفي المقابل عادت – إلى الخطاب العام الآن في قضية الرقيب “حضاريا” الذي قُتل على حدود غزة – المزاعم بأن الجيش لا يسمح للجنود بالدفاع عن أنفسهم، على الرغم من الاختلاف الجوهري بين الاثنين إلا أن التضامن معهما يستند إلى الأساس نفسه – تضامن الفئات الضعيفة مع أبنائها الذين يتواجدون باستمرار في بؤر الاحتكاك مع المخاطرة بحياتهم، ويفتقرون إلى المزايا والدعم في الحياة المدنية.
أي أن ورقة فحص أصول القتلى في مهام الأمن الجاري لا تشير فقط إلى الضرر الذي يلحق بحياة الإنسان أو الشخص، ولكن أيضًا تشير إلى أولئك المطلوب منهم القيام بالعمل المستحيل الذي يتطلب احتكاكًا يوميًا مع “العدو” ومع مجتمع مدني، وتحمل التكلفة الأخلاقية أيضًا .
ومن الأمثلة الموضعية بشكل خاص مقتل عمر أسعد، وهو فلسطيني يبلغ من العمر (80 عامًا) تركه جنود كتيبة “نيتسح يهودا” في البرد القارس مقيد اليدين ليلقى حتفه بنوبة قلبية.
هنا أيضًا نحن نتحدث عن جنود يأتون من الضواحي الاجتماعية في “إسرائيل” – أناس من مجتمع المتدينين الحريديم.
يقول ليفي إنه حتى داخل المجموعات المهمشة هناك تسلسل هرمي، فالمتدينون الحريديم “الشكناز” (ذوو الأصول الغربية) يصلون إلى الكتائب والوحدات التي يخدم فيها المتدينون “الحريديم” في لواء “المظليين” أو في الوحدات التكنولوجية، وأما الجنود “السفارديم” “من ذوي الأصول الشرقية” فيصلون إلى كتيبة “نيتسح يهودا” ويقومون بأقسى الأعمال وأكثرها إرهاقا ضد من جرى تعليمهم على كرههم بشدة.
لقد فاز البريفسور ليفي مؤخرًا بجائزة “الإنجاز الوظيفي” من الجمعية الأمريكية لدراسة العلاقات العسكرية-الاجتماعية.
وهذه جائزة مرموقة تعترف بإنجازات ليفي العديدة في تحليل تعقيدات المجتمع الإسرائيلي ومنظومة علاقته بجيش الشعب.
“عبارة ” جيش الشعب ” هي عبارة يجب وضعها بين قوسين، هكذا يطلب ليفي.
إنها عبارة دارجة على الألسن منذ التسعينيات بسبب الذعر الأخلاقي والخوف من أن ننساها أو تختفي، وهذا يفسر كل شيء.
فكما يبدو في الوقت الحاضر لن يستمر نموذج التجنيد الإجباري لفترة طويلة، بسبب التناقضات الرئيسية التي يعاني منها الجيش الذي يزعم أنه يسمح للجميع أن يصبح قائدا، وأنه صاحب أيديولوجية المساواة إلا أنه في الواقع هو من يُديم عدم المساواة.
صحيح أن هناك مجموعات من الضواحي الاجتماعية داخل الجيش، وتترقى في الوظائف، وتحظى بالقيادة إلا أن هذه تكون وظائف غير ثابتة ومتدنية القيمة، بمعنى أنهم يتقدمون في وظائف الضباط والقتال ولكن هذه الوظائف تفقد مكانتها الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع المدني كلما تطور النظام التكنولوجي.
من أكبر الأخطار التي يواجهها الجيش المحترف أنه سيكون عنوانًا للفقراء والضعفاء والقوميين، وفي الوقت الحالي يشجع الجيش دون قصد انتقاله إلى جيش محترف، في النهاية، ظاهرة “التخصيص والتوجيه” في الجيش موجودة منذ زمن سحيق، فهي ببساطة تتخذ أشكالًا مختلفة، اليوم يتم “تخصيص وتوجيه” الطلاب من وسط البلاد من الطبقة المتوسطة العليا إلى المنظومة التكنولوجية والوحدات الخاصة.
تأثير وظائف النساء
إن التطور المثير للإعجاب للنظام التكنولوجي في الجيش إلى جانب التاثير الضخم للتكنولوجيا الفائقة الذي نشأ في المجتمع “الإسرائيلي” يزيدان فقط من حجم الفجوات، يبدو أن الجيش قد استوعب هذا الانتقاد، ويتم اتخاذ عدة خطوات مهمة حتى يصل الفتية والفتيات من الضواحي الاجتماعية أيضًا إلى المهن التكنولوجية بدافع الاهتمام والمسؤولية، وأيضًا بدافع الاهتمام بتوسيع القوة العاملة.
يقول ليفي إن الجيش في سباق جنوني لتسويق أو تعزيز إمكانية الوصول إلى المهن التكنولوجية في الضواحي الاجتماعية، إنه يفعل ذلك لأنه يفهم أنه يفقد الشرعية كلما تزايدت الانتقادات، وأيضًا مع إدراك أنه عندما يصل النظام التكنولوجي إلى الجنوب، سيكون من الأصعب تجنيد الطلاب من وسط البلاد.
ويجدر القول إن بعض الإجراءات مثل إرسال معلمات إلى الضواحي لتدريس المواد العلمية تثير التساؤل حول مكان الجيش بدلاً من نظام التعليم”.
أنا أشكك في اختيار الجيش “الإسرائيلي”، حتى لو كان إيجابيًا في أساسه، حتى لو وصل المزيد من أبناء الضواحي إلى النظام التكنولوجي فإن أبناء الطبقة المتوسطة العليا لا يزالون لا يصلون بما يكفي إلى الوظائف القتالية، وبالتأكيد لن يصلوا إلى وظائف الأمن الجاري المنهكة والخطيرة على الحدود، أي أن المعادلة تتوازن فقط في جانب واحد منها.
ليفي يوافق أنه حتى لو رأينا تغييرًا طفيفًا في تأثير التكنولوجيا الفائقة، فإننا لا نرى تغييرًا في أصعب الأماكن – من سيحتك بخطر الموت كل يوم؟ هناك تغيير إيجابي لكن ما زلنا بالكاد نرى الشاب من رمات هشارون يخدم في لواء” كفير”.
سؤال آخر: وهو هل وظيفة الجيش هي الاستمرار في تضخيم تأثير “فقاعة ” التكنولوجيا الفائقة الذي تجاوز كل النسب أم إجراء إصلاحات داخله فيما يتعلق بتجنيد جنود الخدمة الإلزامية لديه؟
يوافق ليفي على ذلك قائلاً: يحتاج الجيش إلى تغيير التجنيد الإجباري قدر الإمكان، وهذا نموذج مازال ناجحا ولكنه مؤقتا، ومن أجل منحه عمرًا أطول، يجب أن ينتقل إلى التجنيد الانتقائي، وفقًا لمعايير واضحة لا لبس فيها، وبدون التلاعب في الأرقام كما في حالة المتجندين المتدينين “الحريديم”.
أيضا المنح التي تقدم عند التسريح من الخدمة هي أيضًا أداة يمكن أن تضمن تقليل فجوات التعليم لأولئك الذين لم يتم دمجهم في النظام التكنولوجي.
ومطلوب هنا أيضا حلا معقدا، فدخول النساء إلى المنظومة القتالية يعكس أيضًا التراجع في قيمتها لدى المجتمع الإسرائيلي، وحقيقة أن الجيش يحتاج إلى احتياط من القوى البشرية الجديدة “النساء” يُنظر إليه أيضًا على أنه يسرع من التدهور في القيمة.
ليس من فراغ يصعب استيعاب هذا القرار حتى بالنسبة لأولئك الذين ليسوا متدينين ملتزمين، إنه يقوض روح “الذكورة” لدى المقاتلين، والتي هي في الواقع الرصيد الرمزي الوحيد المتبقي لدى العديد منهم.
إن الفكرة القائلة بأن المرأة تحط من قدر المهن بمجرد دخولها إليها كمتساوية تنطبق أيضًا على المهن في الحياة المدنية، هذه الظاهرة تسمى “تأثير مهن النساء.
في النهاية، الجيش هو مرآة مؤلمة للمجتمع “الإسرائيلي” ككل ويعكس جيش “الضواحي” الاجتماعية المهمشة بشكل حاد وصريح نسيج القوى الاجتماعية الذي نحن نعيشه.
نرى هذه الفجوات في التعليم العالي، وفي المهن الحرة، وفي مستويات العنف والمشاكل النفسية، وفي جودة الطب أو الخدمات الاجتماعية.
ومع القفزة الحالية في الأسعار وتعزيز تأثير التكنولوجيا الفائقة “الإسرائيلية” ستزداد الفجوات سوءًا وستنشأ الطبقات، وسوف يدفع الثمن، مرة أخرى الأولاد الذين وُلدوا في المكان الخطأ.
Facebook Comments