تحليل.. عُنف المُستوطنين ليس “هامشياً”، لكنه مُجرد إضافة إلى عُنف “إسرائيل” وجيشها بالضفة الغربية

ترجمة الهدهد
هأرتس/ عميرة هيس
علق مفتش من الإدارة المدنية أمراً بوقف العمل في سور حديقة ألعاب الأطفال في قرية سوسيا الفلسطينية، وذلك صباح أمس الأربعاء، لا يعتبر تعليق الأمر عملاً عنيفًا على العكس من ذلك، يتم تعريفه على أنها خطوة مشروعة لإنفاذ القانون، حيث تم بناء الحديقة بدون ترخيص، لكنها خطوة تحتوي على طبقات من العنف تجاهلها “وزير الأمن الداخلي عمار بارليف” عندما أشار فقط إلى عنف القلة المستوطنين إنه محق في رؤية عنفهم كظاهرة إشكالية، إنه ساذج عندما لا يذكر أن هذا هدفهم وهدف الدولة والحكومة التي هو عضو فيها، وهو الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية، وإفراغها من أكبر عدد ممكن من أهلها الفلسطينيين.
قبل حوالي شهر من تعليق الأمر دخلت مجموعة من اليهود المستوطنين نفس الملعب في سوسيا، وقامت مجموعة من الجنود المسلحين بحراستهم وحمايتهم، يبدو أنه لم يكن هناك شيء عنيف هنا على العكس من ذلك، فإن مشهد بعض الشبان المستوطنين يتأرجحون على أراجيح مخصصة للأطفال في سن العاشرة والثامنة كان “مثيراً للسعادة”، من لا يشتاق لطفولته؟ لكنهم لم يكونوا هناك ليتذكروا طفولتهم… هم انتشروا بين أراجيح وألعاب أطفال فلسطينيين، للتحذير مما رأوه عجز الإدارة المدنية، مثل جميع المباني في سوسيا، تم تشييد الحديقة، بدون تصريح لأن قرية سوسيا تقع في المنطقة “ج”، وعلى الرغم من أن الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه القرية يعيشون على أراضيهم الخاصة (بعد أن طردهم الجيش الإسرائيلي من موقع قريتهم الأصلي في منتصف الثمانينيات) – فإن الإدارة المدنية لا تمنحهم تصاريح بناء.
لم يكن بإمكان الغزاة “المستوطنين الإسرائيليين” في حديقة الألعاب الفلسطينية أن يفعلوا ذلك لولا وجود جنود مسلحين يحمونهم جسديًا، ولولا حماية النظام القانوني و”الشرطي الإسرائيلي” بأكمله في الضفة الغربية لهم، هم فعلوا ذلك للضغط على الإدارة المدنية لتدمير الأراجيح والزلاقات والألعاب، إن مجرد التهديد بالهدم بحد ذاته هو عنف، لأنه استخدام للقوة لإلحاق الضرر وفي هذه الحالة بالأطفال الفلسطينيين، يوجد حديقة ألعاب للأطفال للمستوطنين في مستوطنة سوسيا وكل تمييز هو شكل من أشكال العنف الذي يرتكبه القوي حتى لو لم يكن هناك جرحى وموتى.
الحديقة التي أقيمت في سوسيا منذ شهر فقط لا تزعج الغزاة فقط، لطالما طالبت جمعية “ريغافيم” المتطرفة ومستوطنة سوسيا التي أقيمت وازدهرت بفضل “السيطرة العسكرية الإسرائيلية” في الضفة الغربية -طالبت- الإدارة المدنية بهدم جميع منازل القرية الفلسطينية منذ سنوات، كان سكان مستوطنة سوسيا اليهودية قد استولوا على بعض أراضيهم ولم يكن عليهم أن يظهروا عنفًا مباشرًا ولكنهم ببساطة يستغلون تفوقهم العسكري والاقتصادي للاستيلاء على هذه الأراضي، ومن جهتها رفضت الإدارة المدنية المخططات الهيكلية التي اقترحها سكان القرية الفلسطينية، وأوصتهم أنه “لصالحهم” عليهم بالتحرك والرحيل بالقرب من مدينة يطا يعني بالقرب من المنطقة “أ”، أمر التوقف عن العمل في حديقة الأطفال – الذي سيتبعه أمر هدم – وكل ما يرمز إلى كسر القلب، تهرب منه عضو حزب العمل وتناساه في تركيزه وانتقاده لعنف المستوطنين الذي وصفه بالفردي: ففي ظل عنفها المؤسسي تقوم “إسرائيل” – كنظام عسكري – ببناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، وتمنع القرى الفلسطينية من التطور بل وحقها الوجود وتطرد الفلسطينيين من أراضيهم إلى البلدات والمدن الفلسطينية المزدحمة بالسكان، وبهذا المعنى فإن عنف المستوطنين ليس سوى إضافة.
ومع ذلك فهي إضافة مهمة وصعبة إلى حياة الفلسطينيين، “رئيس الوزراء نفتالي بينت” يتساذج ويصدق عندما يقول إن عنف المستوطنين ظاهرة هامشية… بينت محق إذا كان يشير إلى الهجمات التي حظيت باهتمام “وسائل الإعلام الإسرائيلية” لسبب أو لآخر، فهي قليلة مقارنة بالهجمات التي لم يتم الإبلاغ عنها ولم يتم عدها وهو يتساذج لأنه يعرف بلا شك مقدار الربح الذي حققته الهجمات المبلغ عنها وغير المبلغ عنها وعائدها الكامل على المشروع الاستيطاني، وهدف إفراغ المزيد من السكان الفلسطينيين من أراضيهم.
كما وثقت منظمة “بتسيلم” وحسبت، فإنه على مدار الخمسة أعوام الماضية من العنف المستمر من قبل أربعة بؤر، تمكن المستوطنون في هذه البؤر من الاستيلاء على أراض فلسطينية مساوية لمساحة “مدينة حولون” أي حوالي 19 ألف دونم.
هذه عينة فقط لأن عشرات البؤر الاستيطانية الصغيرة غير القانونية وغير المرخصة والعنيفة تمكنت في السنوات العشرين الماضية من الاستيلاء على حوالي مائتي ألف دونم (مائتي كيلومتر مربع) من الأراضي الفلسطينية – أي ضعف المساحة المقامة عليها جميع المستوطنات.
“رئيس الوزراء” مُحق إذا كان يعدّ الأشخاص الذين شاركوا ويشاركون فعلاً في الاعتداءات، لا حاجة لمستوطنة كريات أربع بكاملها، يكفي اثنا عشر مستوطناً ليخرجوا من هذه المستوطنة لإيقاظ حي كامل في الخليل من سباته، وتخويف عشرات الأطفال وتدمير تسع سيارات ليست هناك حاجة لأكثر من راعي غنم عبري واحد على متن “تراكترون” أو على ظهر حصان مسلح بمسدس وحوامة، لتدمير سبل عيش ما لا يقل عن اثنتي عشرة عائلة من الفلسطينيين، الذين لم يعد بإمكانهم رعي قطعانهم وزراعة الخضار والحبوب للقمة عيشهم، يكفي راعي عبري واحد لكل منطقة، يساعده أحيانًا مجموعة من الشباب المستوطنين الذين هربوا من المدرسة، كما حدث في محمية “أم زوكا” الطبيعية شمال غور الأردن في أراضي العوجة شمال أريحا، في أراضي كوبر وأم صفا غرب رام الله، في أراضي التواني شرقي يطا وبنفس الطريقة تمكن عدد قليل فقط من المستوطنين وما زالوا يسيطرون على عشرات الينابيع التي استخدمها المزارعون الفلسطينيون منذ قرون.
لكن “رئيس الوزراء” يتساذج عندما يتعلق الأمر برصد الاعتداءات في الفترة الأخيرة فقط، متناسياً أن هناك ظاهرة “هامشية” مستمرة هنا منذ عقود، لأسباب سياسية واضحة، لا يحسب بينت العدد الهائل من غض الطرف عن عنف القلة – في “الشرطة الإسرائيلية” وفي الجيش وفي مكتب المدعي العام وفي المستوطنات نفسها شجع غض الطرف هذا القلة على الاستمرار في جذب الآخرين ليسوا كثيرين، لكنهم يملكون الجرأة بما يكفي لإفساد وتدمير سُبل عيش وحياة عشرات العائلات الفلسطينية الأخرى، ويتناسى بينت أيضًا، في تعليقه على بار ليف وجود جيش كبير من المساعدين الذين يساعدون المستوطنين، وهم الجنود الذين يحمونهم، أو يقفون مكتوفي الأيدي أثناء اعتداءاتهم على الفلسطينيين، والشرطة الذين لا يحققون أو حتى لا تكلف نفسها لا العثور على المشتبه بهم أو إغلاق قضايا لعدم الاهتمام العام، والنيابة التي لا تقدم لوائح اتهام، ومجالس المستوطنات والوزارات الحكومية التي تقدم التمويل لمن يُسمونهم بالقليلون الذين يمارسون العنف والعربدة.
Facebook Comments