اتفاقية الماس السرية تُقرب الكيان وقطر من إقامة علاقات رسمية

ترجمة الهدهد
غلوبوس/ داني زكين
بعد سنوات من المقاطعة الرسمية من جانبها، وحتى معارضة حقيقية للاتفاقيات الإبراهيمية، كانت قطر هي التي سعت للتوصل إلى اتفاق تجاري مع “إسرائيل” في مجال صناعة الألماس، صحيح أن الاتفاقية تتعلق بتسوية فنية في قطاع اقتصادي مهم، إلا أنها تشير إلى علاقات مباشرة قائمة بين الدولتين وعلى اتصالات حول قضايا مطروحة، وبحسب أحد الأطراف المشاركة في هذه الاتصالات، لن تواجه قطر مشكلة في التوصل إلى مزيد من الاتفاقيات الاقتصادية أو التجارية مع “إسرائيل”، طالما أن ذلك يناسب مصالحها، كما حدث في اتفاقية الماس، إن قطر ستستضيف كأس العالم لكرة القدم العام المقبل وبتعهدها السماح لأي سائح يرغب في حضور الألعاب، فهي يجب أن تثبت للعالم أنها ستفي بالتزاماتها، فيما تُشير اتفاقية الماس مع “إسرائيل” إلى رغبتها في الانفتاح على العالم.
علمت صحيفة جلوبس أن حكومتي “إسرائيل” وقطر توصلتا إلى اتفاقية تجارية في مجال الماس، ستسمح بموجبه “إسرائيل” لقطر بالدخول إلى قائمة الدول المؤهلة للتجارة في الماس، وتعهدت قطر بالسماح “للتجار الإسرائيليين” بالدخول لقطر دون صعوبة وحتى انشاء ممثلية إذا رغبوا بذلك، على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، ومعارضة “الفتاة الخليجية العاقة ” قطر لاتفاقيات إبراهام مع الإمارات والبحرين، وقع الاتفاقية ممثلون رفيعو المستوى من وزارتي خارجية البلدين.
أول اتفاقية تجارية بعد قطع العلاقات
تعتزم الدولة الخليجية إنشاء منطقة تجارة حرة تتخصص في الماس والأحجار الكريمة والذهب، ثم تنشئ فيما بعد بورصة ألماس على غرار نموذج دبي، ولا تزال العملية بحاجة إلى موافقات نهائية من الجلسة الكاملة للدول الأعضاء في معاهدة كيمبرلي، وإنشاء بورصة لموافقة اتحاد البورصات، ولكن بعد إزالة “المعارضة الإسرائيلية”، ستمهد الطريق أمام قطر.
الأهمية الاقتصادية المباشرة للاتفاقية ليست عالية، على الأقل ليس في السنوات المقبلة، وفقًا لمسؤولين كبار من هذا الفرع الصناعي في “إسرائيل” وبورصة دبي للأوراق المالية، سيستغرق من القطريين وقتًا طويلاً لإنشاء تجارة مهمة، وموطئ قدم في مجال يهيمن عليه اللاعبون المخضرمون والأقوياء، ويوفر “الارتباط الإسرائيلي” الوثيق والمباشر ببورصة دبي للماس الاتصالات للتجار من الدول التي ليس لديها علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل”، ومع ذلك تكمن أهمية الاتفاقية في أنها أول اتفاقية تجارية بعد قطع العلاقات بين الدولتين، بعد عملية الرصاص المصبوب “حرب الفرقان “، وبعد توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية – وأنها فاتحة لاتفاقيات اقتصادية- تجارية مستقبلية.
قطر شبه جزيرة تقع بين البحرين والإمارات وتحدها المملكة العربية السعودية وحدها، يبلغ عدد سكانها أقل من 3 ملايين نسمة، ولكن يبلغ إنتاجها السنوي الضخم أكثر من 200 مليار دولار وأحد أعلى نصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العالم حيث يبلغ دخل الفرد من الناتج المحلي فيها 133 ألف دولار (حسب بيانات 2019).
مثل جيرانها تحاول قطر التحرر من الاعتماد على النفط والغاز، ولكن بوتيرة أبطأ من الإمارات العربية المتحدة، إنها تحاول اكتساب الشرعية الدولية ولذلك تنافست وفازت بكأس العالم، لكن اتضح أنه قد تم تقديم رشوة لهذا الغرض، وتبين فيما بعد أنه أثناء عملية بناء الملاعب العملاقة في البلاد، قُتل أكثر من 6500 عامل أجنبي وتم تعريف ظروف العمل هناك على أنها ظروف العبودية، لم يحل القطريون بعد مشكلة تأشيرات دخول سياح كرة القدم من دول مثل “إسرائيل”، ولا مشكلة الكحول المحظور بيعها في البلاد، لكنها تشكل جزء لا يتجزأ من كرة القدم العالمية.
المصالحة مع الكتلة السعودية عززت هذه الخطوة
بدأت القصة منذ حوالي ثلاث سنوات ونصف – استأجر القطريون خدمات صائغ روسي منخرط جيدًا في تحركات التجارة الدولية في هذا الفرع من التجارة، لقد حاولوا بالفعل عقد اجتماع لجنة عملية كيمبرلي المسؤولة عن التنظيم العالمي لتجارة الماس، واتحاد بورصات الماس للحصول على تصريح تجارة في طريقهم إلى إنشاء البورصة الخاصة بهم، لكن يورام دباش، رئيس اتحاد بورصات الماس آنذاك ورئيس “بورصة الألماس الإسرائيلية”، أوقفوا الخطوة، جزئياً بمساعدة الإمارات التي عارضتها هي الأخرى.
قبل حوالي ستة أشهر، جددوا الاتصالات وأثاروا الأمر مرة أخرى أمام لجنة عملية كيمبرلي، هذه اللجنة تتطلب موافقة بالإجماع ولكل دولة، بما في ذلك “إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة، حق النقض، السماسرة وهم مرة أخرى من روسيا، تصرفوا على المحك، وبدأت المشاورات في “إسرائيل” وكان من بين من شاركا فيها المدير العام لوزارة الاقتصاد، د. رون مالكا والمشرف على صناعة الماس في وزارة الاقتصاد أوفير غور، “الممثل الإسرائيلي” في لجنة كيمبرلي، يورام دباش، الذي تم تعيينه في هذه الأثناء رئيسًا للاتحاد العالمي لتبادل الماس؛ ورئيس “بورصة الماس الإسرائيلية” بوعز مولدافسكي وطاقمه، والمدير العام لوزارة الخارجية ألون أوشبيز، وبالطبع وزير الخارجية يائير لابيد ووزيرة الاقتصاد أورنا باربيباي.
رأت وزارة الخارجية في ذلك الفرصة لمواصلة زخم الاتفاقات الإبراهيمية، حتى لو لم تكن اتفاقية تطبيع كاملة، لكنه على ما يبدو ترتيبًا تقنيًا في صناعة تجارية معينة، وخشيت وزارة الاقتصاد والألماس من إلحاق الأذى بتجار “الماس الإسرائيليين”، حيث سيكون الوصول إلى البورصة ومنطقة التجارة الحرة القطرية في أحسن الأحوال مقيدًا إلى مستحيل بسبب عدم وجود علاقات رسمية بين البلدين، وبحسب مصدر مشارك في المشاورات، تم اتخاذ القرار النهائي في محادثة بين وزير الخارجية ووزير الاقتصاد.
الإمارات التي كانت في تنسيق كامل مع “إسرائيل” في صناعة الألماس منذ سنوات، رفعت أخيرًا معارضتها، ويرجع الفضل جزئيًا في ذوبان الجليد بين الكتلة السعودية التي هم جزء منها وبين قطر، كانت قطر في صراع مع المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر لأسباب مختلفة، بما في ذلك تم اتهام الدولة بامتلاك شبكة الجزيرة لإثارة الصراعات الداخلية، لا سيما في مصر، لكن بعد ثلاث سنوات من المواجهة والعداء تحققت المصالحة، وفي يناير زار حاكم قطر تميم بن حمد السعودية واكتملت المصالحة.
وزير الخارجية: المنافسة جيدة للأعمال
أوضح وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، الدكتور ثاني الزيادي، في محادثة مع جلوبس، أن الاعتبارات الخاصة بموقف الاماراتي من هذه القضية كانت تجارية-اقتصادية بحتة، ويقول الزيادي إن وجود لاعب آخر في هذا السوق يعني المزيد من المنافسة المفيدة للأعمال التجارية.
بعد اتفاقية الإمارات أصبحت الاتصالات بين “إسرائيل” وقطر مباشرة، وقدم القطريون في البداية التزامًا عامًا بأن أي تاجر من أي دولة عضو في اتحاد البورصة يمكنه الوصول، وتعهد الممثلون الروس في المنظمة الدولية لقطر لكن في “إسرائيل” أصروا على إجراء منظم وسريع ينفرد به “الإسرائيليون”، بسبب الخلاف الدبلوماسي الرسمي بين البلدين، وفي النهاية وافق القطريون، تم إجراء التقاضي مع قطر في حوار مباشر، يعرف الطرفان أرقام جهات الاتصال على الجانب الآخر، من بين أمور أخرى لمعالجة مثل هذه القضايا، تساعد هذه العلاقة في معالجة القضايا الحالية والقضايا مثل هذه.
وفقًا للترتيب السري الذي تم وضعه والاتفاق عليه بين وزارة الخارجية ووزارة الاقتصاد وحكومة قطر، تم تحديد مسؤولين للاتصالات في “إسرائيل” (رئيس بورصة الماس) وفي الدوحة، لتقديم طلبات الحصول على تأشيرات الدخول والتجارة، وعد القطريون بالرد على طلبات الحصول على التأشيرة في غضون خمسة أيام، وأيضًا على أي” تاجر إسرائيلي” يرغب في القيام بذلك سيتمكن من فتح مكتب لتجارة الماس في منطقة التجارة الحرة للماس والمجوهرات المخطط لها في البورصة المستقبلية.
فيما بين ذلك كانت هناك حوادث وانقطاع اتصالات، على سبيل المثال عندما كان من المقرر أن يسافر أوفير غور من وزارة الاقتصاد إلى قطر للمشاركة في فحص ومراقبة عملية كيمبرلي على القطريين قبل مناقشة طلبهم، أعلنت قطر في اللحظة الأخيرة أنها تطالبه بالوصول على متن رحلة تابعة لشركة طيرانها الوطنية، رفضت “إسرائيل” وغور لم يغادر، واعتذر القطريون عن ذلك في رسالة بعثوها، لكن في النهاية تم التوصل إلى الاتفاق كما ورد، وأضيفت قطر إلى قائمة الدول المشاركة في تجارة الماس العالمية.
قطر لا تريد البقاء في الخارج
وتشير المحادثات مع شخصيات دبلوماسية وتجارية في مجال التجارة مع دول الخليج إلى أن الخطوة تشير إلى مزيج من حاجة قطر واهتمامها ورغبتها في عدم إهمالها، في الميزان الدبلوماسي الجديد في الشرق الأوسط بعد الاتفاقيات الإبراهيمية، كانت قطر في السابق رائدة في الانعطاف نحو الغرب والتقدم، حيث كانت أول من أدخل القوات الأمريكية إلى أراضيها وافتتحت شبكة الأخبار الدولية باللغتين العربية والإنجليزية قناة الجزيرة، كانت أيضًا رائدة في العلاقات مع “إسرائيل”، خلال فترة اتفاقيات أوسلو المتأخرة، التقى وزير الخارجية آنذاك، شيمون بيريز، عدة مرات بقادتها، وفي عام 1996 افتتحت ممثليات متبادلة في “تل أبيب” والدوحة، في عام 2007، قام الشيخ سعود بن عبد الرحمن، رئيس الاتحاد الأولمبي القطري، بزيارة “إسرائيل” ووضع حجر الأساس لاستاد الدوحة الممول من بلاده لفريق بني سخنين.
وقطعت العلاقات الرسمية عام 2009 مع عملية الرصاص المصبوب التي شنتها حكومة أولمرت، في السنوات الأخيرة، كجزء من محاولاتها للعودة إلى النفوذ، بدأت قطر في تمويل مشاريع مختلفة في قطاع غزة، حتى أن أمير قطر الشيخ بن حمد آل ثاني قال في عام 2017 إن العلاقات بين قطر و”إسرائيل” جيدة، على مدى العامين الماضيين، تمول قطر كلاً من الديزل لمحطات الطاقة في القطاع والمال لـ 10،000 عائلة محتاجة في القطاع كل شهر، وكجزء من المحادثات حول الموضوع، قام يوسي كوهين، الرئيس السابق للموساد، بزيارة الدوحة.
لكن بعد توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية مع الإمارات والبحرين، أعلنت قطر أنها لن تنضم إليها حتى يتم إيجاد حل للصراع مع الفلسطينيين.
قد تكون الاتفاقية التي ننشر عنها الآن علامة على ذوبان الجليد من جانب الدوحة، وإمكانية إبرام اتفاقيات تجارية أو اتفاقيات اقتصادية أخرى، حتى لو لم تكن اتفاقيات دبلوماسية وتطبيع كامل، ووفقًا لأولئك المنخرطين في هذا المجال في قطر، فإنهم يرون النجاح الاقتصادي التجاري للاتفاقيات الإبراهيمية والإمكانيات الكبيرة الكامنة فيها ويبحثون عن طريقة أنيقة للانضمام إلى هذه الخطوة، ولو جزئيًا. نقطة أخرى يجب التفكير فيها: يوجد مقر قيادة حماس في الدوحة، مع كرم الضيافة من قبل السلطات.
بالنسبة “لإسرائيل” قد تؤتي هذه التسوية ثمارها، بالتأكيد على المستوى الاقتصادي والتجاري، ولكن ربما في الجوانب السياسية، وفي استبعاد قطر من الدول والمنظمات المتصارعة مع “إسرائيل” وقربها من التحالف السني الخليجي المعتدل.
Facebook Comments