الاحتلال لا يضر بالفلسطينيين فقط، بل يضر بالكوكب أيضاً

ترجمة الهدهد
هآرتس/ أميرة حاس
يُعتبر الملوث الأول في الأراضي الفلسطينية المُحتلة هو بسبب السيطرة التي تمارسها “إسرائيل” على الأرض والمشروع الاستيطاني، هذا ليس اقتباساً حرفياً ولكن هذه هي الروح التي تحدث بها رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في قمة COP26 البيئية في غلاسكو الأسبوع الماضي.
بالكاد حظي وجوده بالذكر في وسائل الإعلام العالمية، ناهيك عن “وسائل الإعلام الإسرائيلية”، مما يدل على مزيد من التهميش الذي أصبحت عليه القضية الفلسطينية في جدول الأعمال العالمي، لكن هذا لا يقلل من الضرر الذي يلحق بالبيئة.
إن أي عدد من الدراسات والمقالات حول الأوضاع البيئية في قطاع غزة والضفة الغربية يرتبط “بالسياسة الإسرائيلية”، وتشمل هذه ورقة أُمَمِية مفصلة من عام 2020، وتقارير منظمة الحقوق الفلسطينية “الحق” على مر السنين، ومقال نشرته مؤسسة الفكر الفلسطينية “الشبكة” في عام 2019 عن (“تغير المناخ، والاحتلال وفلسطين المعرضة للخطر”).
ومع ذلك من الصعب تحديد المساهمة الإجمالية في الاحتباس الحراري من خلال تصرفات “الحكومة الإسرائيلية” والمدنيين في تلك الأراضي التي تم احتلالها عام 1967.
تقرير مراقِب الدولة حول فشل “إسرائيل” في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لم يذكر حتى المناطق، كما أنها لا تناقش الإسقاط المخيف للأمم المتحدة الذي تم تقديمه في عام 2012، بأن قطاع غزة سيصبح غير صالح للسكن بحلول عام 2020، إذا لم تغير “إسرائيل” سياستها بشكل أساسي تجاه هذا الخصوص، ولقد مر ما يقرب من عامين منذ “الموعد النهائي” الذي حددته الأمم المتحدة، ولم يتغير شيء جوهري، يجب أن تكون الأمم المتحدة قد قللت من قدرة سكان غزة الهائلة على الصمود.
ومع ذلك هناك جملة رئيسية في تقرير المراقب المالي تلقي الضوء على “النسيان الإسرائيلي” لمساهمة الاحتلال في التلوث المحلي والعالمي، تُقرأ: “في حالة وجود تضارب محتمل بين الأهداف الرئيسية للوزارات الحكومية وهدف الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فتقوم الوزارات بإعطاء الأولوية لتعزيز الأهداف في صميم اختصاصها الوزاري على خفض الانبعاثات – باستثناء وزارة حماية البيئة”.
كما ينعكس في السياسة المعلنة والمطبقة، فإن أهداف “الحكومات الإسرائيلية” – بما في ذلك الحكومة الحالية – هي توسيع المستوطنات، لإغراء المزيد من “الإسرائيليين” ويهود الشتات للاستيطان في الضفة الغربية، لضمان الحفاظ على السيطرة الكاملة على حوالي 60٪ من أراضيها، في الضفة الغربية (“المنطقة المصنفة ج”)، لإدامة الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية، وللإبقاء على الفصل بين السكان الفلسطينيين واليهود، وتعويد العالم على واقع التجزئة الفلسطينية المنفصلة كحل”.
إن الهدف المشتق غير المعلن هو الإضعاف المنهجي للاقتصاد الفلسطيني، كل هذه الأهداف لها ثمن على شكل ضرر بيئي فريد من نوعه، وهنا بعض الأمثلة.
– يتلخص جزء من الضرر الذي يلحقه الاحتلال بالنظام البيئي في البناء غير الضروري والمدفوع أيديولوجياً وشق الطرق على حساب المساحات الفلسطينية المفتوحة والخضراء.
– البناء لليهود في المستوطنات واسع للغاية، وذلك لتعزيز الجاذبية والاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية.
من منطلق الحفاظ على فصل المجتمعين الفلسطينيين والمستوطنين، وتعزيز الضم بحكم الأمر الواقع، تقوم “إسرائيل” بإنشاء نظام طرق مزدوج، فالمعيار المهيمن لتخطيط طرق جديدة يلبي مطالب المستوطنين الحاليين والمستقبليين، مما يعني زيادة عددهم وتقصير مدة أوقات السفر بين المستوطنات و”إسرائيل”، حيث يتم إجبار المركبات الفلسطينية على القيادة عبر طرق ثانوية وموازية والتفافية، ويُمنع الفلسطينيون من معظم الطرق التي تربط المستوطنات ببعضها البعض و”بإسرائيل”، فالطرق الفلسطينية أصبحت تقود الفلسطينيين إلى أماكن بعيدة.
إضافة إلى ذلك فإن آلاف الأمتار المربعة في الضفة الغربية مغطاة بإسفلت لا تخدم أي غرض مدني: “طرق أمنية” حول المستوطنات على حساب أراضي الرعي والزراعة الفلسطينية، والطرق الممهدة على طول الجدار الفاصل الملتوي، حصرياً لاستخدام المركبات العسكرية.
علاوة على ذلك يتم اقتلاع الأشجار وإتلاف الأراضي الزراعية ومنع الوصول إلى الأراضي الزراعية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة لأسباب أمنية ظاهرية، بسبب عنف المستوطنين ومن أجل توسيع المستوطنات وبنيتها التحتية.
رفع الانبعاثات
إن القيود المفروضة على الحركة والعديد من المحظورات المتعلقة بالتنمية تضيف إلى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مما يزيد من المسافات وأوقات القيادة بين الجيوب الفلسطينية وبين الجيوب الفرعية – أي من القرى المجاورة إلى مدنهم – لفترة أطول، بسبب نقاط التفتيش الدائمة والعابرة والمناطق التي يُحظر على الفلسطينيين دخولها، مثل المستوطنات والكتل الاستيطانية، فالوقت أطول خلف عجلة القيادة يعني استهلاكاً أكبر للوقود وانبعاثات أكثر.
لم تكن هناك زيادة عامة في عدد السيارات على الطريق فحسب، بل حدثت اختناقات مرورية عند نقاط التفتيش على طول الطريق وعند مداخل المدينة، فالمركبات التي تزحف في حالة ازدحام ينبعث خلالها تلوث أكثر من القيادة المستمرة بسرعة الانطلاق، ووجدت دراسة أجراها معهد الأبحاث التطبيقية الفلسطيني “أريج” عام 2018 أن 80 مليون لتر (21 مليون جالون) من الوقود تُهدر في الضفة الغربية كل عام بسبب الاشتباكات عند نقاط التفتيش، وإغلاق المناطق أمام السيارات الفلسطينية والحاجة إلى اتخاذ الطرق الالتفافية، وقدرت الدراسة أن هذا ينتج 196 ألف طن إضافي من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً.
كما تقدر الدراسة ضياع 60 مليون ساعة عمل سنوياً، بتكلفة 270 مليون دولار.
تسيطر “إسرائيل” على جميع الموارد المائية في جميع أنحاء البلاد، لكنها لا تَعتبر قطاع غزة جزءاً جغرافياً طبيعياً منه، مما يعني أنه يجب أن يكون لها نصيب في الموارد المائية، كما تفعل المجتمعات اليهودية في الصحراء على سبيل المثال، لذلك يجب على قطاع غزة الاكتفاء بجزء من طبقة المياه الجوفية الساحلية داخل حدوده الاصطناعية، والتي لا تنتج مياهاً كافيةً لسكان يبلغ عددهم مليوني نسمة، بعد الإفراط في الضخ لمدة 30 عاماً، أصبح الخزان الجوفي مُلوثاً بسبب تسرب الملوحة ومياه الصرف الصحي، فحوالي 96% من مياهها تعتبر غير صالحة للشرب ويجب تنقيتها في مرافق خاصة، حيث تستهلك هذا التنقية كمية هائلة من الوقود كل يوم، ثم يتم نقل المياه النقية إلى المنازل – مما ينتُج عنه المزيد من الانبعاثات.
كان من الممكن أن يكون ربط غزة “بنظام المياه الوطني الإسرائيلي” (الذي يَستخدم كميات هائلة من موارد الضفة الغربية) الأكثر إنصافاً لكل من الفلسطينيين والمناخ العالمي.
في الضفة الغربية تحدد “إسرائيل” كميات المياه التي قد يسحبها الفلسطينيون ويستخدمونها، وبسبب ضآلة الكميات فإن التدفق في الأنابيب يكون ضعيف، ولا تصل المياه إلى العديد من الأحياء والقرى الفلسطينية الواقعة على ارتفاعات عالية نسبياً، مرة أخرى فإن الحل يستهلك الكثير من الوقود: نقل المياه في صهاريج، التي تكون على الأسطح وفي فتحات المياه.
كما ترفض “إسرائيل” تمكين عشرات القرى ومجتمعات الرعاة، ومعظمها في وادي الأردن وجنوب تلال الخليل من الاتصال بشبكة المياه، يتعين على هذه المجتمعات الفلسطينية المنكوبة بالفقر الاعتماد على المياه التي تنقلها الشاحنات والجرارات، والتي يدفعون مقابلها خمسة أضعاف إن لم يكن أكثر، وذلك قبل حساب الأضرار التي لحقت بالبيئة.
الاتجاهات النيوليبرالية
تُحدَد سيطرة “إسرائيل” من خلال سلطات الفلسطينيين وخيارات التنمية لديهم في جيوب معزولة بلا تواصل جغرافي.
لقد شجعت السلطة الفلسطينية ولا تزال تشجع الاتجاهات النيوليبرالية التي تضر بالبيئة، مثل الاستهلاك المتزايد بما في ذلك السيارات، لكن وضعها الخاضع والدنيء يجعل التفكير والتخطيط على المدى الطويل صعباً، بما في ذلك من قبل العناصر التي تتبنى مواقف اقتصادية مسؤولة بيئياً.
ويتطلب الحد من الانبعاثات تطوير وسائل النقل العام غير المرتبطة باعتبارات الربح، لكن حتى لو لم تنكسر السلطة الفلسطينية، فإن مشروع مثل شبكة القطارات بين المدن الفلسطينية أصبح مستحيلاً بسبب تقسيم المنطقة إلى جيوب معزولة، مع عدم وجود سلطة على الأرض خارجها، ويتطلب تحسين خيارات النقل العام الحالية مثل الباصات والحافلات الصغيرة لدعم الشركات الخاصة والبلدية ورفع أجور السائقين، مع مراعاة التكلفة الإضافية للانتظار عند نقاط التفتيش واتخاذ طرق التفافية أطول؛ كما أن هناك حاجة إلى المزيد من خطوط الحافلات التي تعمل لساعات أطول.
تتراوح الحلول للحد من الاختناقات المرورية الدائمة عن طريق إضافة مخارج من المدن (وبناء ممرات النقل العام في كل منطقة) من محدودة إلى غير صالحة للعمل، ويرجع ذلك إلى المستوطنات وخطط التوسع فيها، وقواعد التخطيط التمييزية للإدارة المدنية، ومطالبة الأجهزة الأمنية بتقليص عدد مداخل ومخارج المدن الفلسطينية قدر الإمكان.
إن سيطرة “إسرائيل” على الأرض وموارد المياه والتخطيط في أكثر من 60٪ من الضفة الغربية لا تسمح للسلطة الفلسطينية بترشيد توزيع المياه: أي تحويل المياه بالأنابيب من المناطق الخصبة (على سبيل المثال – أريحا) إلى مناطق أخرى مثل بيت لحم.
كما أن الحظر الذي تفرضه السيطرة و”التخطيط الإسرائيلي” يجعل من الصعب على السلطة الفلسطينية نقل المناطق الصناعية “القذرة” من المناطق السكنية، وتوسيع حدود المدينة على أساس الاعتبارات البيئية.
بالإضافة إلى أن السلطة الفلسطينية محدودة في قدرتها على تطوير الوعي العام بقضايا حماية البيئة الفورية وطويلة الأجل، وهي مقيدة جغرافياً في قدرتها على تنفيذ القوانين واللوائح القائمة – على سبيل المثال في منع دفن النفايات الإسرائيلية e- وأنواع أخرى من القمامة مقابل المال في أراضي القرى الفلسطينية.
الضعف المالي المزمن للسلطة وفشلها في الوفاء بوعودها بأن عملية أوسلو ستؤدي إلى إنهاء الاحتلال، وسمعتها بالفساد قللت من ثقة الجمهور بها إلى الحد الأدنى، وتعتبر ثقة الجمهور ضرورية عندما تريد الحكومة زيادة الوعي وصياغة السياسة في أي مجال، عندما تكون القضية الحساسة ولكنها ضرورية لتقليل معدل المواليد، من خلال الحد من استخدام المبيدات الكيماوية وتعزيز استخدام وسائل النقل العام، الانقسام الفلسطيني الداخلي بين غزة والضفة الغربية، وحماس وفتح الذي طورته وعمقه “سياسة إسرائيل” في عزل وفصل غزة، يحد من تطوير وتنفيذ التخطيط والتفكير البيئي الفلسطيني على المدى الطويل.
Facebook Comments