أخبارأخبار رئيسيةالشرق الأوسطترجمات

“الصفقة الجديدة” للسيسي: “ساعة الرغبة” لتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل”

ترجمة الهدهد
بقلم  الدكتور موشيه ألبو، باحث أول في معهد السياسات والاستراتيجيات في هرتسيليا

ملاحظة: الورقة تعبر فقط عن موقف كاتبها

قاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في السنوات الأخيرة تحديثًا شاملاً للدولة المصرية، بهدف استقرار الاقتصاد وتعزيز مكانته الإقليمية والدولية وتقديم رؤية لحياة أفضل للمواطن المصري العادي، بالإضافة إلى ذلك، يعمل النظام المصري على تعزيز الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي من أجل تحفيز الاقتصاد المصري، وترسيخ مصر كقوة ذات مكانة رائدة في النظام الإقليمي.

تزيد هذه الاستراتيجية من إمكانية التعاون النشط والاقتصادي – المدني مع “إسرائيل” بالإضافة إلى التعاون الأمني ​​العسكري القائم حول المعركة ضد داعش والتعامل مع القضية الفلسطينية.

“نجاح من أجل المُستقبل”

نشر المتحدث العسكري للجيش المصري خلال شهر أكتوبر، سلسلة مقالات عن حرب أكتوبر 1973، وعن المعاني الملموسة للحرب على تحديات مصر الحالية، كان العنوان الرئيسي الذي أُغلقت المنشورات حوله طوال الشهر هو “نجاح من أجل المستقبل”، وتضمن مقالات تتعلق بالتحديات الوطنية الرئيسية في التعليم والصحة والاقتصاد وليس فقط من السياق الأمني ​​العسكري.

مصطلح “نجاح” (العبور) يرمز للمواطن المصري إلى حدث بطولي وفريد ​​تمكن فيه الجيش المصري من الانتصار رغم كل الصعاب واستعادة شرف الأمة التي فقدها في حرب 1967، وتجسد شعارات مثل “النجاح في الصحة” أو “النجاح في التعليم” المبدأ الوطني الذي سعى النظام لغرسه، وهو أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع التحديات الصعبة التي تواجه الدولة هي من خلال التضحية والعمل الإيجابي من أجل الصالح العام.

يقود النظام بقيادة السيسي خطاً من “النجاح الاقتصادي” بينما ينقل رسالة مفادها أن مصر قد مرت بأزمة سياسية واقتصادية عميقة في أعقاب ثورة يناير 2011 وحكم الاخوان المسلمين، وأنها بحاجة الآن لقيادة إصلاح اقتصادي واجتماعي أساسي لإعادة تأهيل الاقتصاد وتطوير البلاد.

ووصف وزير الاستثمار في حكومة السيسي الأولى التحركات التي قادها الرئيس منذ لحظة انتخابه بـ “خطة مارشال” لإنقاذ الاقتصاد من الأزمة العميقة التي يمر بها، وشدد السيسي في تصريحات صباحية على محنة مصر وضرورة قيادة إصلاحات بعيدة المدى للحيلولة دون إفلاس البلاد، تضمنت الخطة التي قدمها رفع الضرائب، وخفض دعم الطاقة، إلى جانب تشجيع المشاريع الضخمة لتحديث البلاد، والحد من البطالة، وضمان دخل ثابت.

سعى السيسي إلى استقرار الاقتصاد المصري، وتشجيع القطاع الخاص والمستثمرين من الساحة الدولية على الاستثمار مجددًا في الاقتصاد المصري على حساب خفض الحواجز البيروقراطية وتقديم المنح، وتقليل عجز الموازنة والدين الحكومي.

حتى اندلاع وباء كورونا في مارس 2020، يمكن القول إن سياسة السيسي الاقتصادية كانت ناجحة في جميع الأهداف المحددة تقريبًا، مع تقلص عجز الميزانية السنوية بعد ولاية الرئيس الأولى، وأظهر نمو الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعًا ثابتًا، وانخفضت البطالة، واحتياطيات النقد الأجنبي تضاعف ثلاث مرات، شكلت الإصلاحات الاقتصادية والاستقرار السياسي البنية التحتية لعودة الاستثمار والأعمال في مصر، وتعبيراً عن ثقة صندوق النقد الدولي والمؤسسات الاقتصادية الدولية في استقرار البلاد.

ومع ذلك أدى خفض الدعم وزيادة الضرائب وتبسيط العمليات في القطاع العام إلى تفاقم الوضع الاقتصادي للطبقة الوسطى والدنيا واتساع الفجوات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع المصري، لم يتم حل المشكلات الأساسية الصعبة (التركيبة السكانية، والجهل، والفساد، والبيروقراطية، وما إلى ذلك)، وعلى المستوى الكلي – لا يزال حجم الدين الحكومي عند مستويات عالية، مما يجعل الاقتصاد المصري عرضة للتقلبات في الاقتصاد الدولي والإقليمي.

 صفقة سيسي الجديدة

عند افتتاح قناة السويس الجديدة في أغسطس 2015، حضر كبار القادة والممثلون من جميع أنحاء العالم وكان حدثًا رددت فيه الذاكرة الجماعية المصرية الحفل الأصلي من نوفمبر 1869، تمثل القناة الجديدة أكثر من مجرد إمكانات اقتصادية بحتة، بل إعلان من رئيس الجمهورية عن نيته إعادة مصر إلى مركز المسرح الإقليمي والدولي من خلال تحديث شامل للبنية التحتية للدولة.

السيسي لم يتوقف عند بناء قناة السويس، فمن بين المشاريع الأخرى التي قادها ونفذها في السنوات الأخيرة: إنشاء عاصمة إدارية جديدة إلى جانب إنشاء مدن إضافية: الإسماعيلية الجديدة، مدينة العلمين الجديدة وغيرها، إنشاء مناطق صناعية دولية ومناطق تجارة حرة على طول القناة، إنشاء مفاعلات طاقة نووية مدنية بالتعاون مع روسيا، بناء أكبر حديقة للطاقة الشمسية في العالم بأسوان، تطوير حقل الغاز “زوهار”، إنشاء مفاعلات طاقة كهربائية تعتمد على 600 توربينة رياح تم بناؤها بالتعاون مع شركة سيمنز الألمانية، والتي ستزود العاصمة الجديدة بالكهرباء، استثمار مكثف في مشاريع الإسكان الكبيرة في المدن المصرية (هدم وتشييد على نطاق واسع من المباني دون تصاريح بناء قانونية)، والاستثمار في مشاريع التنمية الصينية (أنفاق تحت الأرض لعبور القناة، وبناء مدينة جديدة، وإنشاء وإعادة تأهيل الطرق. وإنشاء أحواض أسماك للتصدير وأكثر)، وتحديث نظام النقل (3200 كم من الطرق والتقاطعات الجديدة) وإنشاء مشروع طموح لخط سكة حديد فائق السرعة من البحر الأبيض المتوسط ​​إلى البحر الأحمر بمساعدة صينية وأكثر وأكثر.

إن نشاط السيسي وتصميمه، مع اعتماده على الجيش لتحقيق سريع لبعض المشاريع مثير للإعجاب، إن وتيرة العمل ونطاقه غير مسبوق، ويرتبط ارتباط مباشر بقيادة الرئيس ودفعه مع وضع خطة طموحة لتحديث شامل للدولة المصرية. ومع ذلك، تم انتقاد بعض المشاريع على نطاق واسع بسبب انخفاض نسبة التكلفة إلى الفائدة، والأولوية في اختيار الاستثمارات الناتجة عن الاحتياجات السياسية بدلاً من الاحتياجات الوطنية.

كما أن وتيرة التنمية والاستثمار في البنية التحتية، تفشل في اللحاق بالنمو الديموغرافي غير المنضبط، ولا تتوافق بالضرورة مع المشكلات الأساسية الخطيرة في مصر، لإعادة صياغة عالم النقل: القاطرة الرئاسية تدفع القطار المصري إلى الأمام، لكن كمية العربات والأعطال الأساسية في البنية التحتية للمواصلات تعمل على إبطاء وصول القطار إلى وجهته.

 التعاون الاقتصادي المُستمر مع “إسرائيل”

غيرت “اتفاقيات أفراهام” قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، وخلقت نموذجًا للعلاقات الدافئة والمفتوحة، جنبًا إلى جنب مع التعاون الاقتصادي المربح الذي يشمل المشاريع الاقتصادية المشتركة، واتفاقيات الأساس، والسياحة الجماعية، والمؤتمرات المشتركة وغيرها، مما يوضح إمكانية تعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر و”إسرائيل”.

يلعب مجال الطاقة دور رئيسي في التعاون الاقتصادي التجاري بين “إسرائيل” ومصر، وقع وزيرا الطاقة في “إسرائيل” ومصر مخططًا لربط حقل ليفياثان للغاز بخط أنابيب تحت الماء بمنشآت الإسالة في مصر (مارس 2021)، بالإضافة إلى خط الأنابيب البري الممتد من “إسرائيل” إلى سيناء، كما يدور الحديث عن مد خط أنابيب غاز بري آخر بقيمة 200 مليون دولار إلى مصر بهدف زيادة صادرات الغاز الطبيعي في ظل نقص الإمدادات العالمية.

بالنسبة للقاهرة هذه خطوة إستراتيجية تجعل من مصر مركز إقليمي للطاقة، ومستهلك ومصدر رئيسي استنادًا إلى مرافق التسييل الحالية، كما أن لربط البنية التحتية للغاز أهمية جيوسياسية، في حين أن دول السلام (مصر والأردن) مرتبطة في الواقع ببنية تحتية مشتركة للغاز مع “إسرائيل”.

بالإضافة إلى ذلك، التقى “وزير الاقتصاد الإسرائيلي” مؤخرًا بوزير المخابرات المصري عباس كامل وناقش الاثنان الخطوات اللازمة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين “إسرائيل” ومصر، وتقوية العلاقات بين رجال الأعمال، وتطوير المشاريع المشتركة، وخلق “طريق أخضر”، لرجال الأعمال “الإسرائيليين” لتسهيل إصدار التأشيرات الدخول.

وطالب وزير المخابرات خلال الزيارة بتوسيع النشاط على معبر نيتسانا الحدودي من أجل زيادة حجم الصادرات والواردات من البضائع الإضافية، وأثناء زيارة وزيرة الاقتصاد لنيتسانا، أعلنت أن هناك “وقت رغبة” وأن المصالح الاقتصادية لمصر و”إسرائيل” مرتبطة ببعضها البعض، وأنها ستعمل على توسيع البنى التحتية في نيتسانا حتى يتمكنوا بشكل كبير زيادة حجم التجارة.

ملخص

إن الرغبة المصرية العلنية في تعزيز التعاون الاقتصادي المدني غير مسبوقة، وتتأثر باستيعاب الإمكانات الاقتصادية المهدرة، والحاجة الماسة إلى ضخ رأس المال والاستثمار في مصر، والنموذج الناجح “لاتفاقيات إبراهيمية”، تقف التجارة حاليًا حول ما يقرب من 248 مليون دولار (باستثناء صادرات الغاز)، وتوضح إمكاناتها الحالية وغير المستغلة.

تأتي “ساعة الرغبة” من قرار استراتيجي للنظام المصري يقضي بتقوية الروابط الاقتصادية بين الدول، والتي تتكامل في النسيج العام للعلاقات القائمة على المصالح الأمنية والسياسية الإقليمية، تحتاج “إسرائيل” إلى الاستفادة من هذه الفرصة، وتعزيز التحركات السريعة لزيادة التجارة مع تشجيع رواد الأعمال والشركات ورجال الأعمال، والحد من البيروقراطية وبناء البنية التحتية اللازمة في معبر نيتسانا، بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول.

هل ستؤدي زيادة التعاون الاقتصادي – المدني إلى نهاية التطبيع؟ تحدث الرئيس السيسي مؤخرًا مؤيدًا مبادرة الرئيس السادات للسلام التي تجاوزت عصرها وخرقت الأعراف الثقافية التي كانت سائدة حتى ذلك الحين، لا شك أن التزام السيسي بإرث السادات حقيقي، وكما ورد في هذه الورقة يتجسد في العلاقات الاستراتيجية القائمة بين الدول.

ومع ذلك، فإن سياسة النظام لا تتغلغل في الجمهور، وفي هذه المرحلة لن يتضاءل عداء المؤسسة العامة والمؤسسة الدينية والنقابات والإعلام المصري لـ”إسرائيل”.    

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي