تقدير موقف

حماس والحرب غير المُتكافئة.. النظرية والتطبيق

الهدهد/ عبد الله أمين
مع مستهل القرن الحادي والعشرين ظهر مصطلح الحرب غير المتكافئة Asymmetric Warfare وشاع استخدامه بشكل كبير بين أهل الاختصاص، بحيث ظن الكثيرون أننا أمام نوع خاص وغير متعارف عليه من الحروب، بحيث أننا قد لا نرى في المستقبل القريب جيوشاً يلاقي بعضها بعضاً في عمليات عسكرية كلاسيكية معروفة المقدمات والبدايات، من طلعات جوية وقصف مدفعي وتقدم للمشاة، يليه احتلال أرض، ففرض إرادة ثم انسحاب.

فما رأيناه من حروب بدءاً من احتلال العراق 2003 ومن ثم حرب تموز 2006 بين حزب الله والعدو الإسرائيلي ، وما تلا ذلك من حروب ثلاثة على غزة حرب الفرقان 2008 / 2009، حجارة السجيل 2012  فالعصف المأكول 2014 كلها حروب خرجت عن سياقات الحروب الكلاسيكية وتقاليدها ، فقد احتل الأمريكان العراق في 2003 وأسقطوا النظام ولكن بعد أقل من أسبوع بدأت حرب عصابات أرغمت الأمريكيين على الانسحاب من العراق مع نهايات عام  2011؛ مع بقاء قوات لهم تحت مسمى مستشارين مدنيين ومدربين عسكريين ، كما أن العدو الإسرائيلي تقدم في مناطق لبنانية حدودية في تموز 2006 ظاناً أنها قد خلت من المقاومة، ولكنه ما أن يدخل؛ حتى يواجه بوابل من صواريخ الكتف وزخات نار الأسلحة الفردية والمتوسطة التي كانت تحيل هدوءه إلى عويل ، وكذا في حروب العدو الثلاثة على غزة ، فما أن تقدم برياً بعد أي تمهيد جوي أو مدفعي إلا ووجه بنار القناصة والعبوات المتفجرة التي كانت تجبره على وقف التقدم عند الحواف الأمامية للمناطق السكنية؛ غير قادر على التوغل أكثر في مصائد الموت بين الأبنية والطرقات الداخلية لغزة .

إن هذا النوع من الحروب أو ما يعرف بالحرب غير المتكافئة، إنما هو نمط من أنماط العمل أجبرت عليه الدول والجيوش الكلاسيكية؛ صاغرة غير راغبة فيه؛ فما يرغبه قادة الجيوش الكلاسيكية ، هو مواجهة عدو معروف المعالم ، لديه عنوان واضح وتشكيل وتنظيم قتالي معلوم، يلعب بنفس قواعد لعبه، فيواجهونه ضمن قواعد وأصول عمل مرعية التطبيق ، فيقرأ كل منهما الآخر ويتوقع كل منها الحركة المستقبلية للآخر.

لكن المفاجأة كانت عندما دخل إلى ساحة العمل العسكري والفعل القتالي ، أناس لم يتخرجوا من كليات عسكرية نظامية ، ولا يحكم فعلهم الميداني قرار سياسي مرتبط بالدوائر الدولية أو الأقليمية أو المحلية ، وهم من باتوا يعرفون باللاعبين غير الدولتين(Non State Actors N S A )، فأفعالهم غير متوقعة ، وحركاتهم المستقبلية غير مستشرفة، ولا لباس يوحدهم ولا شارات تدل عليهم، سلاح مجموعتهم الواحدة في أغلب الأحيان غير متناظر ولا متشابه، فهو خليط بين شرقي وغربي ومحلي ، فهم في التدريب قد يكونوا غير محترفين، وفي الفعل غير منضبطين، فخلطوا بفعلهم هذا أوراق نظرائهم العسكرين النظاميين ، فما لديهم ــ النظاميين ــ من أدوات قياس واستشعار لا تصلح مع هؤلاء اللاعبين (الصغار ) .

إن قاعدة العمل في الحرب غير المتكافئة التي شغلت بال الكثيرين وأعيت بلا ( منطقيتها ) والقدرة على توقع طرق عملها الضباط المحترفين، قائمة على أن يحشد اللاعب الصغير نقاط قوته المادية والبشرية في المكان والزمان غير المتوقعين لخصمه الكبير ، مركزاً على  نقطة ضعفه الرئيسية، فيسدد له من الضربات ما يخل توازنه وتنظيمه ، فيدفعه ــ العدو ـ للتصرف بدون تفكير وإنما بعصبية وانفعال كاسراً ــ المقاوم ــ بفعله هذا حلقة التفكير المنطقي لتقدير الموقف المعروفة بـــ OODA ـــ شاهد ، توجه ، قرر ، تحرك ـــ ، فتزيد من تخبطه وكشف ضعفه، فتتوالى عليه الضربات تلو الضربات والنكسات بعد النكسات .

وحيث أن العمل العسكري في خلاصته هو عبارة عن أهداف ووسائل وطرق عمل، فلا بد لحركات المقاومة في فلسطين، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس، أن تنتبه وهي تبني نفسها وتنظم صفوفها وتضع مساراً لبناء قوتها، أن تراعي أصول ومتطلبات الحرب غير المتكافئة في ثلاثية العمل العسكري سابقة الذكر، وهنا نأتي على أهم هذه الأصول في كل عنوان من تلك العناوين ففي:

1. الأهداف:

على الحركة عندما تريد أن تعّرف لنفسها الهدف أو الأهداف من أي اشتباك أو احتكاك مع العدو أن تراعي الملاحظات الآتية:

1. أن حرب العصابات والحرب غير المتكافئة هي في أًصلها حرب على الديمغرافيا وليس على الجغرافيا، فمن يكسب الأولى يربح الثانية حكماً ومن يخسر الأولى يفقد الثانية تبعاً.

2. يجب أن يتم تعريف الأهداف بشكل مناسب للقدرات وليس للتمنيات، فالكلام في مثل هذا المقام ( عليه جمرك) فلا تعد بما لا تقدر على إنجازه فعلاً أو سبباً؛ ميدانياً أو سياسياً.

2. الوسائل:

1. إن أفضل هدية يمكن أن يقدمها رجل العصابات لعدوه النظامي هي: أن يصبح جسماً مقروءً، له عناوين ومراكز ثقل، وهيكليات تساعد على فهم عقليته وكيفية تفكيره، وعليه يجب تجنب إهداء هذا العدو مثل هذه الهدايا.

2. ليس من متطلبات الحرب غير المتكافئة مع هذا العدو أن نخوض معه سباق تسلح، أو مسار يفضي إلى توازن قوى، فهذا من المستحيلات المفضية إلى استنزاف للقدرات والإمكانات، والتي تجعلك تراكم قدرات غير قابلة للتفعيل عند الملمات والضرورات.

3. إن هذا العدو ذو حجم كبير وكتلة ثقيلة، أثقلت حركته ومناورته، فإن ووجه بمثيله في الثقل، سهلت حركته وأضرت ضربته، ولكن إن ووجه بما هو أخف منه وزناً وأرشق حركةً؛ حار واحتار، وعليه يجب أن يعتمد في مواجهة هذا العدو ( الخفة ) والرشاقة وسرعة المناورة ، ويمتلك المقاومون ما خف وزنه وثقل أثره ، فليس صحيح أن المعركة مع هذا العدو يحكمها المثل الشعبي القائل: ( ما بجيب الرطل إلا الرطل ونص ) .

4. يعجب الانسان بالتطور العلمي ويرى أن فيه الخلاص من كثير المشاكل والعقبات، ولكن في الحرب مع عدو هو في مصاف الدول الأولى في التقنيات والبرمجيات، فإن المقاومة كلما ذهبت باتجاه ( أتمتة ) معركتها مع العدو، كانت هي الخاسرة، فالبساطة والبدائية أصل من أصول الحرب غير المتكافئة مع عدو نظامي مجهز ومتطور؛ هذا لا يعني أن لا تمتلك المقاومة من القدرات والكفاءات ما يساعدها على كشف وتعطيل خطط عدوها وطرق عمله.

5. لا تقدم على كشف كامل ما لديك من قدرات من خلال إجراءات عمل تجعل العدو يتوقع ما أخفيته عن ناظريه كمفاجأة تستخدم عند الضرورة.

6. إن الحرب مع العدو الغاصب هي حرب على الوعي، حرب على الرموز، قد تفعل فيها الصورة فعلاً أكبر بكثير من فعل المدفع والطائرة، والحرب غير المتكافئة تعدل فيها صورة المقاوم يركض بعبوة صغيرة ليدمر بها دبابة أو ناقلة جنود ألف قذيفة وصلية، إنها تحفر بأثرها في وعي الجندي المعادي ليس في خطه المتقدم فقط، وإنما حيث أهله وبيته، فإن أقدم في هذه المعركة قبل نشوبها، فلن يقدم في القادمة عند التحضير لها، إنها حرب يعمل فيها عامل الـــ CNN ( الصورة ) عمل مئة مدفع وبندقية وطائرة.

3. طرق العمل:

1. أن أهم ما يميز طرق العمل ضد العدو في الحرب غير المتكافئة، هو استخدام أساليب وطرق عمل تجعل العدو يسأل: من العدو ، وليس أين العدو ؟

2. إن العدو يملك قوة نارية كبيرة في حجمها، دقيقة في استهدافها، ومن أجل تحييدها وتقليل فاعليتها، فإن أهم ما يمكن أن يستخدم هو الجرأة والإقدام والاشتباك مع العدو من مسافات الصفر ومسافات الأمن للأسلحة المعادية، برية وجوية وبحرية، إنها المسافة التي يُجبر فيها العدو على رفع ناره عن مناطق العمليات خوفاً على سلامة جنوده وعامليه، ولن يملك مثل هذه الجرأة إلا من تمتع بالجاهزية القتالية العالية والتي ــ الجاهزية ــ هي قدرة ورغبة، قدرة تمتلك ورغبة تُستحث.

هذه بعض أصول العمل وقواعده في الحرب غير المتكافئة؛ التي نعتقد أن فهم كنهها وسبر غورها والعمل وفق ضوابطها، هو جزء من فهم طبيعية المعركة الحديثة في الجيل الرابع للحروب 4GW التي توجه حركات المقاومة عامة وحركة حماس في فلسطين خاصة، أمور تجب رعايتها والتنبه لها وبسط الحديث فيها في مقالات قادمة.

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى