كيف يمكن “لإسرائيل” الفصل بين إيران وحلفائها ?
ترجمة الهدهد
هآرتس/آلون بنكاس
عندما أطلقت حماس والجهاد الإسلامي صواريخ على تل أبيب قصفت “إسرائيل” أهدافاً في غزة، وعندما يهاجم المتمردون الحوثيون السعودية فإن ذلك يؤدي إلى الانتقام في اليمن، ولكن ماذا لو كان الرد بدلاً من ذلك موجهاً بشكل مباشر إلى طهران؟
هذا ليس منظوراً آخر بشأن برنامج إيران النووي العسكري أو جهود الولايات المتحدة لإعادة الدخول إلى الاتفاقية النووية، حيث يتعلق الأمر بشكل أساسي بشيء آخر: البعد “غير النووي” لسياسات إيران الإقليمية وسلوكها وكيفية إيقاف تآكل ردع “إسرائيل” على الجبهة الداخلية من قبل الجمهورية الإسلامية.
بطبيعة الحال فإن البعدين “النووي” و “غير النووي” مرتبطان ارتباطاً وثيقاً ولكن من حيث التفكير في السياسة وصياغتها يجب التعامل معها بشكل مُنفصل.
يؤمن الجنرال الراحل “إسرائيل تال” أحد المفكرين الاستراتيجيين الرئيسيين في “إسرائيل” “بالقول -الإسرائيلي المأثور” (أنه من الضروري نقل جبهة القتال إلى أراضي العدو) ومع ذلك فقد جادل أيضاً بأنه نظراً لحجم العدو والاعتماد على الولايات المتحدة والمشهد الجيوسياسي فإن أي “انتصار إسرائيلي” هو بحكم التعريف التكتيكي، بينما الهزيمة المُحتملة بحُكم التعريف ستكون استراتيجية في عواقبها، لذلك دعا “إسرائيل” أن تُحافظ على مُستوى من الردع الذي لا يُمكن تحقيقه إلا من خلال رد غير مُتوقع.
تم تنقيح هذا المفهوم وتكييفه مع “النموذج الإيراني الإسرائيلي” من قبل شخص أمريكي له جذور عميقة عبر المشهد في الشرق الأوسط وهو توماس كابلان.
رجل الأعمال والملياردير وطبيب التاريخ كابلان يستخدم التاريخ كأداة تنبؤية أساسية له، ولقد صنع اسمه من خلال شرح سبب غزو صدام حسين للكويت قبل أكثر من عام من حدوث ذلك، رفض الموساد تحليل ذلك وكذلك فعل السعوديون.
ولتصحيح عدم قدرة وكالات الاستخبارات على استخدام التاريخ بشكل استباقي أنشأ كابلان برنامج مشهور عالمياً في هارفارد لمنح الوكالات الصديقة الأدوات التحليلية اللازمة لتكون تنبؤية.
بشكل لا يصدق توافق وقته في يوم هجوم الطائرة بدون طيار الإيرانية في سبتمبر 2019 على أرامكو – وهكذا حذر أصدقاءه في الخليج، ليس من المستغرب أن يعتبره الكثيرون في المنطقة من بين أفضل المحللين الإستراتيجيين في إيران، فرئيس الوزراء السابق ايهود باراك قال علناً بأنه الأفضل.
يعتقد كابلان أن هناك عدم تفاهم بين الإيرانيين و”الإسرائيليين” فيما يتعلق بالاستراتيجية والتكتيكات، وتفكر “إسرائيل” من حيث الأهداف وكيفية التعامل مع ما هو “رد متناسب” وما هو غير ذلك، بعبارة أخرى أنها تحصر نفسها في التكتيكات.
لكن الإيرانيين يلعبون لعُبة مُختلفة، تعتبر فيها قواعد اللعب الخاصة بهم استراتيجية طويلة المدى ويعتقدون أنهم يرون طريقاً إلى النصر.
إنه تباين في المفهوم الألماني لـ “einkreisung” (التطويق): إذا طوقت العدو فإنك تحد من حُريته في المُناورة وذ1لك تحد من نطاق ردعه، هذه هي المرحلة الأولى.
وتتمثل المرحلة الثانية في إقناع العدو بقبول التعديات على أمنه المادي وإحباط معنوياته مع التقدم بأجندة أكبر على جبهات مُختلفة، في هذه الحالة تُعيد إيران إنشاء إمبراطورية تمتد الآن من طهران إلى البحرين “المتوسط والأحمر”.
اللعبة الطويلة
على الرغم من براعة “الإسرائيليين” في اللعبة التكتيكية التي يلعبونها -حيث كانت العديد من “العمليات السرية الإسرائيلية” على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية بلا شك مبتكرة وخلاقة وجريئة- فقد أثبت الإيرانيون بوضوح قدرتهم على التحمل في اللعبة الطويلة، فلقد تطور برنامجهم النووي والجميع منتبه على ذلك وكذلك على نفوذ إيران.
إيران قوة توسعية مدفوعة بمزيج من طموحات الهيمنة الجيوسياسية والعداء القديم مع العرب السُنة وأيديولوجية دينية، كانت بعض هذه المبادئ واضحة عندما كانت إيران نظاماً ملكياً ولكن الآن في ظل “نظام آيات الله” هناك عنصر إضافي من الحماسة والقضية الدينية.
من بيان المهمة هذا تستمد إيران كلاعب مُتماسك ورشيق وقابل للتكيف يتكون من ثلاث طبقات، الأول هو الطموح العلني: القومية الإيرانية وحماية المجتمعات والأقليات الشيعية في جميع أنحاء الشرق الأوسط والاستخدام الموسع والمبتكر للوكلاء.
والثاني هو الفهم الذكي واستغلال نقاط ضعف خصومه من خلال معرفتها، تخلق نقاط الضعف هذه فراغات وتوفر فرصاً تستخدم إيران الطبقة الأولى للاستفادة منها، ثالثاً البرنامج النووي العسكري شبه السري.
يدعو نموذج الأعمال الإيراني إلى إبقاء أعدائها على حين غرة أثناء زحفها إلى البحار من خلال استخدام شبكة من الوكلاء، وهي مصممة لتقويض خصوم إيران حيث يتحمل الوكلاء أنفسهم وطأة الانتقام، لذا صواريخ حماس والجهاد الإسلامي التي أطلقت على المدنيين في عسقلان أو تل أبيب قوبلت بضربات “إسرائيلية” على غزة، وقوبلت هجمات الحوثيين على السعودية بالانتقام السعودي في اليمن.
إنها سياسة ذكية بقدر ما هي ساخرة وهي تعمل لأن “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية والعالم بأسره يقبلون الوهم المناسب بنظرهم بأن “الشركة الأم” مختلفة قانوناً عن “الشركات التابعة المملوكة بالكامل لها”.
والنتيجة هي من الناحية الاستراتيجية أن إيران و”إسرائيل” -وكذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة- تتجسد كرسومات الرسام الهولندي الشهير موريس إيشر، الذي كان يعتمد في رسوماته على التناقضات، وهذا التباين يخدم إيران فقط.
تحذيرات وجهاً لوجه
لنقتبس من “فلاديمير لينين” ما العمل؟ وكيف يمكن أن يبدو ذلك؟
يجب إعادة التوازن إلى “الديناميكية الإسرائيلية الإيرانية”، ويقول إن “ترويج إيران للصراع المستمر والمصنف بطريقة سمحت لأراضيها بأن تكون محصنة ضد قوة مضادة مزعزعة للاستقرار بشكل متناسب يجب أن ينتهي”.
ابتكر تال وكابلان دراستين مُختلفتين ومُتميزتين لكنهما مُتوافقان في القضية الأكثر أهمية: استراتيجية “إسرائيل” الحالية تعتمد على التهديدات الصاخبة ولكن غير المحددة والخطابات شديدة اللهجة، والسياسة الثانية هي الضربات الجراحية التي ولّدها الموساد تجاه إيران وهذه الإستراتيجية لن تكون كافية إذا ما أريدَ منها حماية الجبهة الداخلية.
كما نعلم جميعاً كيف تبدأ الحروب ولكن نادراً ما نعرف كيف ستنتهي، ويقترح كابلان أنه في هذه الحالة يكون الصراع المثالي هو الصراع الذي لا يتم فيه ضرب المزيد من الطلقات، وهو من أشد المؤمنين بإعطاء التحذيرات وجهاً لوجه، ومع ذلك ليس لديه شك في أنه حتى الأحداث الكبرى مثل غزو صدام حسين للكويت أو الهجوم على مصفاة بقيق شرق السعودية كان من المُمكن إحباطها بمكالمات هاتفية مُقتضبة تحمل رسالة بسيطة: “نحن نعرف ما يدور في أذهانكم: لا تُفكروا في الأمر”.
نظراً لأن الحرب تدور بالفعل على مرأى من الجميع حيث يمكن أن يحدث التصعيد في أي لحظة فإن كابلان يعتقد أنه لتجنب اشتباكات أكبر يجب على “إسرائيل” أن تبدأ بإجراء تلك المُكالمة الهاتفية، خلاف ذلك فإن الثقة الإيرانية المُفرطة فيما يتعلق بنقاط الضعف المتصورة لدى “إسرائيل” وبذلك ستشجع على المزيد من المُغامرات.
قبل أن نفقد برجاً أو برجين يجب أن يتمحور مفهوم التناسب من “نظام إلى نظام” إلى “استراتيجية إلى استراتيجية” كما يجادَل، وعلينا أن نجعل الإيرانيين يعرفون أن قواعد اللعبة تتغير بطريقة يفهمونها: من الآن فصاعداً، وستُعتبر الهجمات على “الوطن الإسرائيلي” من قبل وكلاء إيران -سواء كانوا فلسطينيين أو عراقيين أو لبنانيين أو يمنيين- بمثابة هجوم من قبل إيران نفسها، بمعنى آخر إعادة عقارب الساعة إلى عام 2006 لن تقبل “إسرائيل” بضرب مدنها وبلداتها، إذا كان الأمر كذلك فإن إيران نفسها هي الآن عنوان للانتقام.
في هذا الصدد يتمثل الهدف الأول لكابلان في تكتيك محدود: أن يتم القضاء على سوء التقدير في مهده من خلال استعادة الرصانة، لكن إذا اعتقدت طهران أن “إسرائيل” تخادع فإنه يقترح أن تتم إعادة هندسة تحالفات إيران في “استراتيجية إسرائيلية” تتناسب مع استراتيجية إيران.
يجب أن يكون الأمر بسيطاً: نناقش كيف يمكن أن يبدو الأمر ونتفق على أنه من الأفضل ترك بعض الأشياء دون إبلاغ، يكفي أن نقول أنهم سيعرفونها عندما يرون أثرنا لأنه في حين أن الإستراتيجية الجديدة ستكون متناسبة سيتم تنفيذ التكتيكات المستخدمة بشكل غير متناسب.
قاتم ولكن دقيق
نظرة كابلان الكبيرة لنوايا إيران قاتمة لكنها دقيقة، في حين أن الحكمة التقليدية تقول إن إيران هي في الأساس لاعب عقلاني يتخذ قراراته بعقلانية مهما كان سلوكها سيئاُ ومثيراُ للاشمئزاز يرى كابلان أنها مسألة نهج، سيبقى النظام عقلانياً طالما أن النظام آمن، إذا شعر الإيرانيون بالقوة حتى لو كان لديهم أسلحة نووية فلن يستخدموها في الضربة الأولى.
هذه أخبار جيدة ولكن إذا حدثت ثورة كانت ناجحة وأدى النظام إلى ضياع كل شيء على الرغم من قدرة “إسرائيل” على القيام بالضربة الثانية فهو واثق من أن الحرس الثوري سيطلق العنان لكل ما لديه ضد “إسرائيل” قبل السقوط، ويمكن ردع السوفييت لأنه بعد نقطة معينة ستتلاشى حماستهم الأيديولوجية، لسنا هناك مع إيران وكما قال المُفكر برنارد لويس ذات مرة عن الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد فإن “التدمير المتبادل المؤكد ليس رادعاً بل إنه إغراء”.
لهذا السبب لا يمكن لإيران امتلاك القنبلة، فلا يستطيع أي “رئيس وزراء إسرائيلي” ولا ينبغي له أن يسمح بأن يصبح بقاء “إسرائيل القومي” رهينة للهدوء الداخلي الإيراني.
على الرغم من أن إيران و”إسرائيل” في مسار تصادمي بسبب معاداة إيران المرضية للصهيونية ويعتقد كابلان أن الحرب الشاملة ليست حتمية، بعد كل شيء لولا الموقف غير التاريخي للنظام الحالي تجاه “إسرائيل” من الناحية الحضارية كان مصير إيران و”إسرائيل” أن يكونا حلفاء، من سايرس نفسه -الذي يمكن القول بأنه أول “محبوب صهيوني” في العالم- إلى عام 1979 كانت الصداقة القومية أمراً طبيعياً لكل من “دول الأطراف”.
يلاحظ كابلان: “ليس من المنطقي افتراض أن سياسات الماضي ستحقق النتيجة المرجوة، مع العلم أنهم لا يستطيعون الفوز من خلال ما يسميه الاستراتيجيون الكبار”القوة على القوة” واتبعت إيران اختلال توازن أكثر دقة وفعالية من خلال” القوة على الإرادة” ويجب عكس ذلك، طالما أن طهران تعتقد أن بإمكانها قصف وتخريب منافسيها دون عقاب … فمن المرجح أن تكون النتيجة في أحسن الأحوال حالة من الجمود وفي أسوأ الأحوال حدوث تصعيد بدون هدف استراتيجي محدد.
ويخلص كابلان إلى أنه ” كما تقترح الطبيعة البشرية التي لا تتمثل في -سحب الأنف للأعلى ولكن دفعه إلى الأسفل- في إشارة إلى الاستحالة، فمن المحتمل أن تكون الطريقة الوحيدة لخلق زخم حقيقي في المنطقة هو استخدام “فن التناسب الاستراتيجي” للكشف عن نواة سيناريو يمكن أن يخلق في نهاية المطاف جواً لتحقيق الاستقرار الشامل حقاً في الشرق الأوسط”.
Facebook Comments