“إسرائيل” والُمفارقة العكسية للقوة

الهدهد/ عبد الله أمين
على مر التاريخ ومنذ أن خلق الله الخليقة وجعل من سننه النافذة فيها سنة التدافع، والبحث جار عما يؤمن الذات ويحمي المقدرات؛ حيث كانت معادلة القوة تقول: أن من يملك أكثر يؤمن ومحمي بشكل أفعل، فهي معالة طردية بامتياز. إلا أنها فيما يخص الكيان الغاصب نجدها لا تعمل، أو بالأحرى تعمل بطريقة معكوسة، فهي لم توفر أمناً (لمواطني) الكيان ولم تردع عدواً ــ بمقايسهم ووفق تسمياتهم ــ يرى في هذا الكيان التناقض الأصلي والأصيل الذي يجب أن توظف كل التناقضات الأخرى في سبيل القضاء عليه.

فالعدو الإسرائيلي منذ أعلن عن انشاء (دولته) في أيار 1948 وضع مجموعة من المبادئ والنظريات الأمنية؛ تغيرت مركباتها مع تغير التهديد وتطوره ؛ ولكنه أبقى على مجموعة مبادئ ما زالت تحكم نظريته الأمنية والعسكرية التي تتحكم في مسار بناء قواته وتطويرها ورفع كفاءتها ؛ فالردع كان وسيبقى جزء أصيل من مرتكزات نظريته الأمنية ، وكذا الإنذار ، يتبعهما الحسم من خلال القضاء على التهديد بشن حرب تخاض معاركها في أرض العدو وعليها ، هرباً من أن يتكبد ــ العدو ـــ خسائر في أصوله وبناه التحتية .

إلا أنه وبعد ظهور حركات المقاومة مع منتصف الثمانيات وتعاظم قدراتها وامتلاكها ــ حركات المقاومة ــ من القدرات المادية والبشرية المقرونة بإرادة الاستخدام والتفعيل ؛ أضطر هذا العدو الإضافة ركيزة رابعة أصبحت أصلاً ثابتاً في نظريته الأمنية ألا وهي الدفاع ؛ فمع مثل هؤلاء الأعداء ؛ لم يستقم الردع ولا الإنذار فضلا ًعن الحسم ، فهم ــ المقاومات ـــ أجسام لا تملك مراكز ثقل واضحة ولا مفاصل يضغط عليها من خلالها ، الأمر الذي جعلها متحررة إلى حد بعيد من قدرة العدو على ممارسة ضغط عليها يمنعها من تفعيل ما تملك من قدرات ، تهدد الأصل الثابت في مشروعه الاحتلالي ، عنينا به العنصر البشري .

ولذلك فقد راكم ويراكم هذا العدو قدراته المادية والبشرية وطاقته النارية الهائلة من أجل تأمين القاعدة الأساسية لبقاء مشروعه بشرياً ومادياً، فهو يملك فيما يملك كأصول ثابتة في معادلة القدرات:

1. قدرات نارية برية وبحرية وجوية غير متوفرة لأحد في منطقة غرب آسيا؛ فهو يملك ما لا يقل عن 652 طائرة ما بين مقاتلة ومروحية، ويملك ما لا يقل عن 2620 دبابة من مختلف الأنواع ، وأكثر من 10000 مدرعة وقرابة 650 مدفع ذاتي الحركة و 300 مدفع ميدان . كل هذه المعدات يشغلها جهاز بشري عامل يصل عديده العامل إلى 155 ألفاً مضافاً إلى 445 ألفاً في الاحتياط يستدعون للخدمة والتدرب بشكل دوري، ويعبأون عند الحاجة لهم.

2. قدرات قيادة وسيطرة على ساحة الحرب، أيضاً لا يماثلها أحد في المنطقة؛ فهو يملك منظومة أقمار صناعية والكثير من الطائرات بدون طيار على مستوى الفصيل ، فضلاً عن الكتائب والألوية ، تمكنه من تسطيح ساحة المعركة بشكل يجعل قادته يتابعون تحرك تشكيلاتهم الميدانية المناورة في ساحة المعركة لحظة بلحظة ، وقفزة إثر قفزة .

3. قدرات معلوماتية؛ بشرية والكترونية توفر له إشراف معلوماتي على ساحات العمل بشكل لا مثيل له في دول الجوار بل وحتى العالم ، فلديه من المصادر البشرية فضلاً عن القدرات الالكترونية ما يجعل محلليه يغوصون في بحر ، بل محيط من الأخبار والمعلومات ؛ من المصادر المفتوحة والخاصة إلى حد التخمة وليس الشبع فقط .

كل تلك المقدرات المادية والبشرية، وجميع تلك النظريات وقواعد العمل حشدها ونضجها العدو من أجل تحقيق أهداف محددة في بقعة جغرافية لا تتجاوز 27 ألف كلم مربع، وهي من حيث الأصل لا تتطلب كل  تلك القدرات ولا كل تلك الحشود ، فغيره يمتلك أقل مما يملك بكثير وهو ــ الغير ــ قام بتحقيق الأهداف الثابتة لبناء القدرات ومراكمتها والسهر على سلامتها ، فبأقل منها ؛ أمن غيره أمنه القومي ، وقاعدته الصناعية ، وحاضنته البشرية ، وجعل منه صديقاً يخطب وده وحليفاً يرجى حلفه وعدو يخشى بطشه .

وهنا تكمن المفارقة التي جعلت العدو الإسرائيلي ــ حكاماً ومحكومين ـــ يعيش في حالة من الصراع النفسي ، فهو مع كل تلك القدرات ، لم يحقق ردعاً ، ولم يحسم حرباً ، بل أكثر من ذلك فهو يشك في أن تلك القدرات توفر دفاعاً مأموناً أو هجوماً مضموناً ، وهو ــ العدو الإسرائيلي ــ  الذي وفق الكتاب السنوي ” للتسلح ونزع السلاح والأمني الدولي ” لعام 2017 والصادر عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي يأتي في المرتبة 15 وفق ترتيب الدول الأكثر انفاقاً على التسليح في العالم لعام 2016 ، وهو الذي صادقت قيادته على خطة تسليح تبلغ كلفتها 8 مليار دولار تنفق في الفترة بين 2019 وحتى 2028 ، فضلاً عن الميزانية العسكرية السنوية التي تقارب  15.5 مليار دولار .

كل هذه القدرات وكل هذا الإنفاق جعل هذا الكيان يقف حائراً أمام طائرات ورقية وبالونات حرارية تنطلق من حدود غلاف غزة ناشرة ًللرعب وعدم الاستقرار بين سكان مغتصبات غلاف غزة، محولة بعض جنوده وقادته إلى عمال إطفاء حرائق. هي مجموعة وسائل بسيطة سهلة التوفير والتشغيل مكنت المقاومة الفلسطينية؛ عسكرييها ومدنييها من التغلب على نقاط قوة هذا ( العملاق ) في حرب غير متكافئة ، جعلت الـــ F35 تقف عاجزة عن أي فعل ، فأي شيء ستقارع إن هي أقلعت أو قصفت ، وما الذي ستفعله قبة  حديدية أو فولاذية مع بالون طائر ، وما هو مدى الأمن المتصور لمنظومة معطف الريح الذي يدثر الميركافا من الجيل الرابع إن هي واجهت طائرة ورقية تلقي عليها حمم النار لتشعل مرابضها وتحول طواقمها إلى أسرى كراسيهم .

إنها (البعوضة ) التي أدمت مقلة ( الأسد ) .

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى