تقدير موقف

يُطمئنوننا تكتيكياً ويقتلوننا إستراتيجياً

الهدهد/ محمود مرداوي
على مدار السنوات الماضية والفلسطينيون يتابعون ما يصدر عن المراسلين والكُتاب الأمنيين والعسكريين وهم يحذرون المستوى السياسي الاسرائيلي من مغبة اتخاذ إجراءات معينة، أحياناً سياسية وأخرى عسكرية تتعلق ببناء مستوطنات، ضم أراضي، وتنفيذ عمليات عسكرية، أو تغيير في حرية الوصول إلى أماكن دينية.

هذا الحوار يتكرر في الآونة الأخيرة؛ حيث حذر الكتاب والمراسلون من تسارع عمليات التهويد في القدس والمساس في الأقصى والحرم الإبراهيمي وتقسيمهما زمانياً ومكانياً، والآن ضم الأغوار وهدم المنازل في مناطق (ج) وإعلان مناطق واسعة محميات طبيعية أو مناطق عسكرية مغلقة.

هذا الصباح “عاموس هرئيلي” حذر على لسان مسؤول أمني كبير أن ضم مناطق في الضفة الغربية سيعرض اتفاق السلام مع الأردن للخطر.

نعم الحوار في دولة الاحتلال مستمر وفي جوانب معينة شفاف، ومحاولات المستوى الأمني والعسكري من خلال المراسلين وكتاب ومحللين تأشير على توجهات سياسية مخالفة للمستوى السياسي، وتسريب معلومات تؤلب وتحرض الرأي العام الصهيوني، وهي عملية لمن يتابع لها صدى وارتدادات تؤثر في المشهد تدخل في إطار قواعد اللعبة الداخلية وتؤثر تكتيكياً في قضايا محددة إعلامياً، لكن لمن يراقب المتابعين والمحللين الذين ترجموا ما قيل ونقلوا ما حُلل واستُشرف لدى دولة الاحتلال لم يرصدوا أي تغيير حقيقي في البعد الاستراتيجي من خلال محاولات الضغط الذي مارسه الأمنيون والعسكريون عبر المراسلين أو التسريب أو التحليل.

خط الرسم البياني يشير إلى أن رؤيةالمستوى السياسي في البعد الاستراتيجي سياسياً والتي تحكم الأدوات العسكرية بحكم التأثير وردات الفعل على القرارات والتي أدت إلى حروب وعمليات تدلل أن  المستوى السياسي في دولة الاحتلال يحكم بالقانون ، وفي الواقع العملي على البعد الاستراتيجي، وما ننقله ونتابعه ونغرق في تفاصيله وتحليله على المستوى الزمني المحدود يبدو كبيرا، لكن على المدى الزمني الطويل استراتيجياً ليس له أي رصيد ، فالمستوى العسكري والأمني يشجع الحل مع الفلسطينيين، ويرى في حل الدولتين مخرجاً قد لا يكون قادراً على الصمود إلى الأبد، لكنه يضمن استقراراً لعقود، ويعتقدون أن مكانة الرئيس الفلسطيني وقدرته على تحقيق ذلك فرصة ذهبية لن تتكرر ، ويصفون التوسع في الاستيطان وإطلاق العنان للمستوطنين ليعيثوا فساداً من خلال الاعتداءات على الحقول والممتلكات وكل الإجراءات المُذلة والتدخلات السافرة في حرية الفلسطينيين بالوصول إلى أماكن العبادة في القدس والتنقل في الضفة من مدينة إلى أخرى إجراءات تحرج القيادة وتُضعف قدرتها على التعاطي مع أي مسار وخيار سلمي، وأن الحصار على غزة وحرمانها من أبسط مقومات الحياة يؤسس لحروب تتكرر نظراً لعدم وجود ظروف حياة يخشى الفلسطينيون خسارتها إن هم نفذوا عمليات أو أطلقوا صواريخ وبالونات .

كل هذه التحذيرات للمستوى السياسي سربها المستوى العسكري بعد أن كان قد وضعها على طاولة الكابينيت عشرات المرات ، ومن تابعها تترى أو استجمعها جملة اعتقد أنها ستغير ، ربما يبدو ذلك في اليوميات وعلى الشاشات والأعمدة والمقالات ، لكن الواقع يشي بعكس ذلك، غزة تحت الحصار ولا تغيير رؤية الجيش فيما يتعلق بالحل الممكن قبوله من قبل السلطة أصبح ضرباً من الخيال والإذلال والتعامل المهين والاستهانة بالفلسطينيين والتعامل مع مقدساتهم من خلال الاقتحام، ومحاولات التشويه في التاريخ والتغيير في المعالم، والتنكيل وتقييد الحركة والقدرة الى الوصول تكبل والإجراءات المعادية تتضاعف وتتكثف، فأين الواقع من التوصيات وأين التأثير من التغييرات الجيوسياسية على الأرض.!؟

إذن الحوار ربما حقيقي لكن في النتيجة النهائية ذر للرماد في العيون، لم ينجح هذا الضغط أو هذا التماهي الذي يخدم الاحتلال استراتيجياً إلا في تزييف صورة الاحتلال أمام  العالم بأن هذا الكيان لديه محكمة “عدل عليا “تحكم بإنصاف وأصوات تصغي للفلسطينيين وتشاهد معاناتهم، تدافع عنهم وتطالب بتخفيف الاجراءات عليهم، لكن القتل والاعتداء وسلب الأرض وانتهاك الحرمات وتشتيت وتهجير الفلسطينيين تم ونُفذ بموافقة القضاء وبوساطة الجيش والشاباك، فلا حك جلدك مثل ظفرك، ننتظر وفد الرئيس لنسمع، هل سنتولى أمرنا بأنفسنا ونحك جلودنا بأظافرنا ونتخلص من أهداف وجود سلطتنا الوظيفية.

إن غداً لناظره قريب
واعلموا يقيناً أنه لا يحدث في ملك الله إلا ما أراد الله.

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي