السياسة جمر تحت الرماد

بقلم: محمود مرداوي

أحداث المنطقة تتسارع باتجاه نقاط الانفجار بعد اعلان ايران استئناف أنشطة نووية ردا على قرارات “ترمب ” تصفير النفط الإيراني ..


لا تدري وأنت تطالع الصحف وتسمع الأخبار العبرية أهم يحتفون أم يغطون الأحداث؟


لا نريد أن نبالغ ولا نُضخم أدوار الأشخاص في صنع التاريخ، لكن لا نستطيع أن نخفي حقائق حتى نتبرأ من تهمة التآمر أو الانبهار في قدرة أشخاص على التأثير على مسار التاريخ وصيرورة الأحداث.

“نتنياهو ” وهو يُشكل معارضة للسياسة المحددة على مستوى الإقليم والمنظومة الدولية اتجاه ايران ومشروعها نادى بطريقة مختلفة لمواجهة إيران ومشروعها النووي، ومن ثم التصدي لحلفائها في المنطقة الذين يُثبت التاريخ سياسياً بعيداً عن التكييف للنصوص وتوظيفها من دول انبرت مدارس فكرية وفقهية واندفع أشخاص كانوا يعدون ركائز وأعلام لتبيضها والوقوف معها والى جانبها في التضليل والدفاع عن رؤيتها وروايتها، لقد ثبت عمليا في الواقع انهم كانوا هم أعداء المشروع الصهيوأمريكي الحقيقيون وأصبحوا يمثلون مشكلة في المنطقة مشتركة للعدو وبني تعوس ، ويتعرضون لمشروع تصفية وحرب صفرية.


“أوباما” رئيس الولايات المتحدة السابق ذهب إلى درجة اتهم فيها “نتنياهو” انه يبحث عن مصلحة الليكود ولا يدافع عن الدولة والمشروع الصهيوني،ولقي تأييداً من كُتاب ومحللين وقادة عسكريين صهاينة نظرياً وعملياً في ذلك الوقت، حيث صرح “إيزنكوت” رئيس الاركان السابق وهو قائد لعمليات هيئة الأركان أنه ضد قصف إيران، بإشارة واضحة لرفض رؤية “نتنياهو “وكذلك “يئير جولان” نائب رئيس الأركان السابق، وهو كذلك في الخدمة، و”يوڤال ديسكنت” رئيس الشاباك و”مئير دجان” رئيس الموساد، و”أبي أشكنازي” رئيس هيئة الأركان رفضوا عملياً تنفيذ أوامر “نتنياهو” بقصف المفاعلات النووية الإيرانية كما تسرب في نصوص المحضر، مستندين على عدم شرعية قرارات (الكابينيت) قانونياً في ذلك الوقت، إلى جانب معارضة الكثيرين، ولم يؤيد “نتنياهو “في الإقليم إلا بني تعوس وحلفائهم، وتحقيقات “مولر “كما نُشر في الإعلام أظهرت أنهم دعموا بطريق غير مباشرة الانقلاب على الديمقراطيين لحساب الجمهوريين في الانتخابات الأخيرة في الولايات المتحدة حتى نجح “ترمب “في الوصول لرئاسة البيت الأبيض في الولايات المتحدة.

إن خطاب “ترمب “تجاه الخليج وسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط كما نبّشت عليها وسائل الإعلام العبرية ونشرتها من خلال مشاركاته في الندوات والتصريحات التي صدرت عنه على مدار عقود أثبتت أنه يؤمن بامتطاء دول الخليج وبيع خدمات حمايتهم بمبالغ طائلة واستبدال النفوذ الكامن وهيبة الحضور بمفهوم العربدة والتلويح بإخراج القوة لحيز التنفيذ .

لقد نجح “نتنياهو” باستغلال اللحظة الفارقة بوجود “ترمب، “وثقة بني تعوس به وبدور (اسرائيل) الثابت في المنطقة ومفهومها الراسخ للأمن المعادي لإيران ونفوذها وهيمنتها في المنطقة والتي تصب في مصلحة أعداء المشروع الصهيوني من زوايا محددة، فتصبح عدواً مشتركاً بطموحها للهيمنة في منطقة الفراغ على حساب نفوذ بني تعوس في ظل غياب دول عربية عن المشهد وتراجع طموح ودور تقليدي لدول عربية أخرى تتحمل السياسة العمياء والاستشراف القاصر للسياسة والأمن الاستراتيجي الذي قاده بني تعوس على مدار عقود وأسفرت عن هذا المشهد الكئيب.


“نتنياهو” لم ييأس ولم يُسلم بالاتفاق النووي ويوافق عليه، وبقي يحاول منع توقيعه، ثم إلغائه وقد نجح في تحقيق ذلك الهدف وتوليف بيئة مناسبة لتنفيذ كل ما أقنع به ترمب الذي يملك كل أدوات الإكراه والتنفيذ لسياسة “نتنياهو” وطموحاته في المنطقة وساهم في الانقلاب على البيئة في الوطن العربي التي نتجت عن الربيع العربي .


ربما في المراحل القادمة والمشاهد التالية يغيب “نتنياهو “عن المشهد الإعلامي، ولربما يضرب مقص الرقابة على وسائل الإعلام في تعليقها وتناولها للاخبار المتعلقة بايران في المنطقة حتى لا يتحول مصدر إثارة بينما اقتربت ساعة الصفر ولحظة الاحتكاك الخشن حتى لا تصبح دولة الاحتلال أولوية حسب اعتقاده.


مجريات الأحداث في السنوات الأخيرة تُظهر أن الرؤية والإدارة السياسية السليمة كانت سيدة الموقف،و هي التي نجحت وتغلبت على الذين يملكون القدرة المادية والإمكانات والتأييد الشعبي، ودليل صعود قوى واستثمار البيئة وترجمتها لنفوذ يدلل على ذلك فخسر من خسر وربح من ربح وحضر، والآن تشتد المواجهة بين مشروعين رابحين في المنطقة.

لكن السؤال هل يتعظ الخاسرون الذين هبت رياحهم فلم يغتنموها أن يقفوا موقفاً نقدياً لتجربتهم الماضية ويعيدوا النظر بأولوياتهم ويدركوا أن الرؤية والفهم السياسي إلى جانب سمات أخرى مدخل أساسي للنجاح والفلاح ؟؟

Facebook Comments

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى