أخبار

الكيان يتطلع ليس فقط لاحتلال القطاع بل وللاحتفاظ به دون قيد زمني – لكن غزة 2024 ليست غزة 1967

 تسفي برئيل   

“الكيان فقد السيادة على الجزء الشمالي في الدولة”، قال في هذا الأسبوع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في مقابلة معهفي معهد بروكينغز في واشنطن. “الناس لا يشعرون بالأمان من أجل العودة إلى بيوتهم، بدون عملية إزاء عدم الأمان الذي يشعرون به فإنهملن يشعروا بأنه يمكنهم العودة بأمان”. سكان الشمال وكل مستوطني الكيان ليسوا بحاجة إلى التشخيص الدقيق لبلينكن، هم يعيشونه علىجلودهم، ولكن إذا كان معيار السيادة الفعلية هي قدرة المواطنين على العيش في بيوتهم بشكل آمن، الذي يستند إلى الإيمان بأن الدولةستهتم بذلك، فعندها أيضا في الجنوب السيادة بعيدة عن أن تكون كاملة.

  

         حتى 7 أكتوبر تبنى الكيان الاستراتيجية التي تقول بأن الاستيطان على طول الحدود وردع العدو، سيوفر الشرط الأساسي لتحقيقالسيادة، ولكن في حرب يوم الغفران، بتعليمات من جيش العدو الإسرائيلي، تم إخلاء سكان هضبة الجولان، وفي الضفة الغربية تم إخلاءالكثير من المستوطنين بمبادرة منهم، بالضبط مثلما أنه في الهجمات على المستوطنات في قطاع غزة قبل الانفصال في 2005، رغم التواجدالكثيف لجيش العدو الإسرائيلي في القطاع من أجل حماية 8 آلاف مستوطن، تبين أن المستوطنات بحد ذاتها لا يمكن أن تشكل حزامأمني، في 7 أكتوبر تحطمت بالكامل نظرية المستوطنات كحزام أمني، مع تبخر الردع.

  

         من خلال إحتلال غزة من جديد فإن الكيان يطمح إلى إحياء هذه النظرية، لكن بالاتجاه المعاكس. أولا، تحييد العدو، فقط بهذهالطريقة يمكن إعادة الشعور بالأمان وثقة السكان الذين تم اخلاءهم من بيوتهم بقدرة الدولة على الدفاع عنهم؛ من أجل أستعادة السيادةالتي انهارت، بالمقارنة مع حروب سابقة فأنه في هذه المرة تسعى الحكومة والجيش إلى التنازل حتى عن الحاجة إلى عامل الردع كشرطللأمن عن طريق تدمير العامل الذي يجب عليه الردع، أي أنه بدون حماس لا يوجد تهديد، وبدون تهديد فأن الردع سيكون زائد.

  

         هذه الاستراتيجية يمكن أن تنشيء وضع جديد سيحتاج فيه جيش العدو الاسرائيلي فقط إلى “تعزيز غزة” لمنع تطور تهديد جديد،هذا “العزيز” يوجد له الآن تفسير عملياتي على الأرض، السيطرة على حوالي 26 في المئة من القطاع، كما أظهر تقرير “هآرتس” الذيأجراه يردين ميخائيلي وآفي شراف، قسم القطاع بممر عرضي على طولة اقيمت مواقع، ووجود تواجد عسكري في محور فيلادلفيا علىالحدود مع مصر من أجل تجفيف تدفق السلاح لحماس، وإقامة منطقة عازلة على الحدود بين غزة والكيان، والمس الشديد بالقدرة العسكريةوالبنية التنظيمية العسكرية لحماس.

  

         لا توجد استراتيجية تنقل الحرب إلى أرض العدو وتجبر الكيان على التواجد في القطاع، بدون تقييد زمني، لأنه حتى لو لم يبقوا علىالأرض فإن شخص واحد في حماس ومسدس واحد في غزة، سيواصل العيش أكثر من 2 مليون وربع شخص، الذين بدون قيادة بديلة أوبنية تحتية اقتصادية مستقلة، سيكونون معتمدين بشكل كامل على الكيان، وهو الاعتماد المهدد وله ثمن باهظ.

  

         في العام 1967، عندما احتل الكيان الضفة الغربية والقطاع، كان يوجد فيهما بنية تحتية اقتصادية ووسائل إنتاج وعلاقات تجاريةمع الأردن ومصر، ومؤسسات تعليم ومستشفيات وطواقم طبية، وبالأساس قيادة محلية، حضرية وقروية، حتى لو لم تكن وطنية، كان مستعدةللتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي من أجل تحريك وتقدم مجالات الحياة. الإدارة العسكرية الإسرائيلية، عديمة التجربة وبدون برامج عملمنظمة، ربما باستثناء البنية التحتية القانونية التي تم إعدادها في سنوات سابقة لذلك على يد المدعي العسكري العام في حينه مئيرشمغار، اضطرت إلى “تعلم” الاحتلال من خلال الاحتلال وبتمويل شبه كامل من الحكومة.

  

         بدون جسور مفتوحة

  

         لكن التجربة الطويلة التي راكمها جيش العدو الإسرائيلي من احتلال مناطق مأهولة لن تساعده الآن، فغزة 1967 ليست غزة 2024،سوية مع تدمير البنية العسكرية لحماس فأن الجيش دمر أيضا معظم البنى التحتية المدنية في القطاع.

حسب تقرير البنك الدولي الذي نشر في أيار الماضي فأنه من بين 470 ألف وحدة سكنية التي كانت في القطاع قبل 7 أكتوبر بقي حوالي179 ألف، وأكثر من مليون شخص بقوا بدون مأوى، كمية مياه الشرب للفرد (التي هي أيضًا ليست دائما صالحة للشرب) انخفضت الى 3 – 7 لتر في اليوم، 14 في المئة من الحد الأدنى الموصى به في الأمم المتحدة من بين 36 مستشفى كانت تعمل في القطاع قبل الحرب بقيفقط 12 مستشفى يعمل.

  

         من تقارير الأمم المتحدة يتبين أيضا أنه قبل الحرب عملت في القطاع 813 مدرسة، أساسية وثانوية، تعلم فيها نحو 625 ألف طالب،منذ تشرين الأول حوالي 80 في المئة من المدارس تعرضت لأضرار شديدة أو تم تدميرها تماما، هذه فقط بعض الأمثلة على الاحتياجاتالضرورية التي يجب على الحكم العسكري الإسرائيلي الانشغال فيها. حسب تقرير للبنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأممالمتحدة في شهر نيسان فأن حجم الأضرار الاقتصادية التي لحقت بالقطاع حتى ذلك التاريخ، قدر بنحو 18.5 مليار دولار، وهو مبلغيساوي الناتج الاقتصادي السنوي في القطاع وفي الضفة معا. مصانع، مشاغل وحقول تم تدميرها بالكامل، وإعادة ترميمها ستحتاج إلىتبرعات بمليارات الدولارات.

  

         لكن حتى قبل أن يكون بالامكان التقدم نحو هذه المهمة، ستكون حاجة إلى إخلاء حوالي 26 مليون طن من الانقاض التي بقيت بعدعمليات قصف جيش العدو الاسرائيلي. اذا بقى الكيان قوة محتلة في القطاع فهو لن يستطيع توقع أن توافق الدول المانحة، عربية وغربية،على الإسهام ماليا في أعمار قطاع غزة إذا كان يجب تحويلها عن طريقها. هذه الدول ستواصل، على الأغلب، تحويل المساعدات الإنسانية،الباقي سيتعين على الكيان استثماره من ميزانيتها.

  

         في العام 1967 طبق وزير الجيش في حينه موشيه ديان سياسة “الجسور المفتوحة” التي بدأت بنقل المنتجات الزراعية من الضفةوالقطاع إلى الأردن، وتطورت لتصبح استراتيجية اقتصادية عززت الهدوء الأمني. في غزة لا يوجد الآن أي “جسر مفتوح”، بحيث يمكنالمواطنين، من بينهم الكثير من المرضى، من الخروج إلى الخارج، وبالتأكيد لا يمكن إخراج البضائع أيضا، سيطر الكيان على معبر رفح،على الحدود مع مصر، ورفضها السماح لممثلي السلطة الفلسطينية بتشغيله، أدى إلى إغلاقه بشكل كامل في الطرف المصري أيضًا. وطالماأن هذا الوضع سيستمر فان القطاع سيستمر في أن يكون جيب مغلق بدون أي احتمالية للأعمار واستئناف أي نشاطات اقتصادية، يمكنهافيما بعد إعفاء الكيان من ضرورة تمويل صيانة القطاع.

  

         لا يوجد لدى الكيان أيضا قيادة بديلة في القطاع، ليس فقط لسلطة حماس أو السلطة الفلسطينية، فهي لا تنجح في تجنيد قيادةمحلية توافق على التعاون معها، مفوض اتحاد رؤساء العشائر الكبيرة في غزة، عاكف المصري، أوضح في هذا الأسبوع بأن “العائلاتالكبيرة ستفشل خطط نتنياهو في الفترة القريبة القادمة كما أفشلت خطط الاحتلال في الأشهر التسعة الأخيرة”. المصري قصد الجهودالتي بذلتها جهات اسرائيلية للعثور على قادة محليين يوافقون على لعب دور الإدارة في القطاع تحت رقابة وسيطرة الكيان. بدون قيادةوسيطة بين السكان والحكم العسكري، وبدون جهات أمنية محلية توافق على تحمل المسؤولية عن المهمات الشرطية والحماية المدنية، ضباطوجنود جيش العدو الإسرائيلي سيتعين عليهم أن يكونوا الشرطة في القطاع وإدارة بشكل مباشر الخدمات المدنية.

  

         يصعب التوفيق بين هذا السيناريو وبين اتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، كما تنص الخطوط الأساسية لإتفاق تحرير الأسرى ،الذي بحسبه الكيان يمكن في نهاية العملية، إذا تم استكمالها، أن يقوم بسحب كل قواته من القطاع. ولكن حتى لو استمر الكيان فيالسيطرة على القطاع وإدارة المنظومة المدنية هناك، وبالتالي، التحول مرة أخرى إلى جسم سيادي مع كل التداعيات الدولية والسياسيةوالقانونية، فلن يكون في ذلك أي ضمانة لأمن سكان القطاع، كمية السلاح والذخيرة التي ما زالت توجد في القطاع والقدرة على تصنيعالعبوات الناسفة، ودافع السكان المدنيين للعمل ضد قوات الاحتلال، حتى لو كانوا غير منتمين لأطر مثل حماس أو الجهاد الإسلامي، كلذلك يضمن المواجهة الدموية والثابتة بين الجيش والسكان، التي ستغذي المواجهة العنيفة التي تحدث في الضفة الغربية.

  

         بدلا من حماس ستنشأ تنظيمات جديدة، التي حتى لو لم تكن لديها القدرة العسكرية التي توجد لحماس، فانها يمكن أن تعمل ضدجيش العدو الاسرائيلي بوسائل متطورة أكثر والحفاظ على جبهة عنيفة ثابتة، التي ستشغل جيش العدو الإسرائيلي وتخلق بؤرة مواجهةمهددة تكون بعيدة عن الشعور بالأمان الذي يحتاجه سكان بلدات الغلاف، في هذا الوضع لن يكون أيضا أي معنى لعامل الردع الذيتستند اليه الاستراتيجية الامنية أمام حماس أو حزب الله، السكان المدمرون، الذين لا يوجد لديهم ما يخسرونه، لا يمكن ردعهم.

Facebook Comments

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي