أخبار

حـــرب متآكلـــة فــي طــريـق ذي اتجــاه واحــد

 
 يديعوت أحرونوت /ميخائيل ميلشتاين
 
الحادثة القاسية التي قتل فيها جنديان من جيش العدو الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، في محور نتساريم، في أعقاب نار قذائف هاون أطلقتها حماس تجسد نموذج الحرب الذي يتثبت في غزة، يوجد فيه وجه شبه مع المواجهة التي جرت في الحزام الأمني في لبنان حتى العام 2000، أي خوض حرب متآكلة في طريق ذي اتجاه واحد في منطقة إقليمية محدودة.
يتمسك الكيان بتقويض «حماس» ويعلن أنه يتقدم نحو هذا الهدف، لكنها عمليا تغرق في حرب استنزاف، هذه معركة بلا عامل تقدم واضح في الزمان وفي المكان: جيش العدو الإسرائيلي يعمل في ضوء استراتيجية المرحلة الثالثة، وبموجبها يمكن إلحاق الهزيمة بـحماس من خلال أعمال مركزة متواصلة، دون بقاء دائم في الأرض المحتلة.

عمليا، يحوز جيش العدو الإسرائيلي قاطعين إقليميين ضيقين (نتساريم وفيلادلفيا)، بينما تواصل حماس لتكون عنصر القوة المسيطرة في باقي القطاع، الجنرال تشارلز براون، رئيس أركان الجيش الأميركي انتقد فكرة العمل الإسرائيلية، وأدعى بأنك «لا ينبغي لك فقط أن تدخل وتصفي الخصم بل عليك أن تحوز المنطقة وتثبتها بعد ذلك».
وتنبع الورطة المتزايدة من فوارق أساسية لفهم الواقع لدى أصحاب القرار، في المستوى السياسي يبرز غياب استراتيجية مرتبة وواقعية، عشية 7 أكتوبر لم يجرِ تفكير وتخطيط عميقان في الموضوع الفلسطيني، والحرب نشبت دون أن تكون للكيان خطط مرتبة بالنسبة لاحتلال غزة، سيطرة عليها وإقامة نظام بديل، الفراغ تملؤه إما الشعارات أو خيالات، وبخاصة بالنسبة لتحقيق «نصر مطلق» وإقامة نظام جديد يقوم على أساس قوى محلية ذات نهج إيجابي تجاه الكيان ونزع تطرف الجمهور الفلسطيني (الذي لا يبدي حتى الآن ميلا لأي حساب للنفس).

بغياب استراتيجية مرتبة، فإن المفاهيم والاصطلاحات العسكرية تصبح سياسة، «تفكيك كتائب (حماس) وإلحاق الهزيمة بالمنظمة مستمدان من قاموس المفاهيم العسكرية، لكنها غير مناسبة للتصدي لجسم أيديولوجي مسلح صهر نفسه في داخل المجتمع المدني ويواصل القتال والتحكم حتى بعد أن تلقى ضربات قاسية، آخرها كانت (على ما يبدو) تصفية رائد سعد، رقم 4 في الذراع العسكري للمنظمة ورئيس قسم العمليات فيها، حسابات أعداد الوحدات التي أصيبت تجعل من الصعب علينا أن نفهم الطبيعة الخاصة للعدو والمواجهة في غزة وتذكر بحرب فيتنام التي حقق فيها الأميركيون نجاحات تكتيكية كثيرة لكنهم لم ينجحوا في جمعها إلى إنجاز استراتيجي عام.
إن الوعود التي تقول، «إلحاق الهزيمة بـ(حماس) قريب» تذكر بإعلان الإدارة الأميركية بعد احتلال بغداد في 2003 أن «المهمة انتهت» (Mission accomplished) أي تلك العسكرية لكن ليست تلك الاستراتيجية، التي أصبحت «مغامرة» طويلة وفاشلة لإقامة ديمقراطية مستقرة في العراق.

الاحتكاك بالذات، الأسبوع الماضي، بين المستويين السياسي والعسكري، وخاصة بين رئيس الوزراء والناطق العسكري، كفيل بأن يشهد على مؤشرات الصحوة: من جهة شعار النصر المطلق، دون الشرح كيف ومتى سيتحقق، ومن الجهة الأخرى إشارة شديدة الوضوح بموجبها الحسم الكامل ليس قابلا للتحقق، على الأقل طالما يجري نموذج المواجهة الحالية.
وفي هذه الأثناء في الميدان – بدلا من الصراع ضد أطر عسكرية شبه منظمة، نحو نصف قادتها صفوا، تنتقل «حماس» إلى حرب عصابات في منطقة تعرفها جيدا، في ظل الاستناد إلى عطف قسم مهم من السكان، تعبئة متجددة لصفوفها واستغلال غياب التواصل في التواجد والأعمال العسكرية الإسرائيلية في معظم مناطق القطاع، الأمر يسمح لـحماس بأن تتعلم بجذرية أعمال جيش العدو الإسرائيلي وأساسا أن تضرب قواته مثلما حصل في محور نتساريم.
نمط المعركة الناشئ في غزة يتناسب والمفاهيم الأساس لـحماس ويتعارض مع تلك الإسرائيلية.

حماس تعمل في ضوء نظرية المقاومة، التي أساسها الصبر، الصمود وقدرة احتمال وامتصاص الخسائر دون حاجة لمراعاة وضع الجمهور. أما الكيان بالمقابل، فيصعب عليها تحقيق الحسم العسكري الكلاسيكي والمجتمع الصهيوني غير مهيأ لـمعركة مفتوحة ويبدي انتقادا متزايدا على المواجهة.
في الشرق الأوسط من الأفضل للمرء أن يكون واقعيا أكثر من أن يكون متفائلا: على الإسرائيليين أن يعترفوا بأنهم يقفون أمام مفترق طرق مشوه منذ بدأت استراتيجية المرحلة الثالثة قبل نحو نصف سنة، يمكن تقويض حكم حماس لكن الأمر يستوجب احتلال كل قطاع غزة من خلال قوة عسكرية كبيرة – سواء لحاجة السيطرة أم للبقاء الطويل في المنطقة والذي بدونه لن تكون معالجة جذرية لـحماس ولن ينشأ هناك بديل.
ولما كان لا يبدو أن للكيان في هذه اللحظة قدرة أو رغبة في احتلال كامل، فإننا نوصي باختيار الصفقة رغم ثمنها الأليم: وقف الحرب (في هذه المرحلة)، وانسحاب من معظم القطاع، النقد الحاد على أن هذه هي «انهزامية» ينطوي على تنكر لانعدام جدوى السياسة الحالية التي لا تقرب تحقيق الأهداف الاستراتيجية للحرب، وتخلق فقط إحباطا متزايدا لدى الجمهور الصهيوني.

عمليا، لا يوجد تناقض بين وقف نار في هذه اللحظة ومواصلة التمسك بهزيمة ساحقة لـحماس: إنهاء الحرب سيسمح بإشفاء داخلي متعدد الأبعاد، بالتوازي مع بلورة خطط معمقة للقضاء على المنظمة وإعادة تصميم القطاع.

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي