طوفان الأقصى … الموقف اليوم الأربعاء

شبكة الهدهد
عبد الله أمين – الخبير الأمني والاستراتيجي
أولاً : الموقف :
وفي اليوم ” الثامن عشر ” للمعركة ؛ بقي العدو على حالة ارتباكه ، وعدم حسمه للعمل البري في غزة ، مع ما أراد أن يرسله ظهور رئيس هيئة أركان العدو ” هاليفي ” من رسائل وهو يخاطب جمهور الصحافيين ، حيث بدى خلفه جنود الاحتياط يتحلقون حول آلياتهم ، حيث قلص رئيس هيئة الأركان الصهيوني التوقعات من أي عمل بري يمكن أن يحقق لهم ما وضعوه من أهداف ، لقد خرج هذا الجنرال ليوصل للجميع رسالتين ؛ الأولى أن لا اجتياح بري لغزة ، وإنما ، مناورة برية ، وفي الرسالة الثانية أرد أن يقول أننا نحن ـ قادة الجيش ومسؤولي كيانه المؤقت ـ من يتحكم في المشهد ، ونحن من يدير هذه المعركة ، حتى لو كان معنا ضباط وقادة أمريكيين ، وحتى لو جاء ” ماكرون ” ليوحي أنه شريك في القرار ؛ هذا ما حمله المؤتمر الصحافي لرئيس هيئة أركان العدو من رسائل ، ولكن لغة جسده ، وشحوب وجهه كشفت ما يعتمل في صدورهم وفي مكاتبهم من تخوف وتردد وعدم ثقة في بشرهم وآلياتهم . وفي هذا اليوم أراد العدو أن يثبت للجميع أنه جاد ، وأنه يملك من الموارد ما يمكّنه من خوض حرب على أكثر جبهة ؛ فبدأ بتغيير إجراءات أمنه حول مواقعه في شمال فلسطين ، فأصبح يطلق نار أسلحته المتوسطة على أطراف هذه المواقع ، ليغلق الممرات الموصلة لها ، ويمنع المقاومين من الاقتراب منها ، ثم قصف بعض موقع الجيش السوري في الجولان ، ثم ختم استعراضه هذا بقصف أطراف مخيم جنين بالطائرات ، فأوقع 3 شهداء وعدداً من المصابين ، كل هذا في مناورة استعراضية الهدف منها القول : عندنا من الموارد ما يُمكن معه أن نعالج أكثر من تهديد وعلى أكثر من جبهة !! ولكن ومع هذه الاستعراض ، فقد بقيت جبهة غزة هي الجبهة الأم ، وهي الصخرة التي تحطم عليها كبرياء هذا العدو ، وهشمت صورته ، ومزقت أسطورته ؛ فبقي ينشر موته على مدنها ومخيماتها ، من ” بيت لاهيا ” التي نالها القسط الأوفر من قصف الأمس ، وحتى ” خان يونس ” التي بددت حلم مناورته عندما تصدى له فيها المقاومون ، فأوقعوا فيه خسائر بشرية ومادية ، وقصف ” الزنة ” و “والقرارة ” و “عبسان الصغرى والكبري ” و ” دير البلح ” و سوق ” النصيرات ” و ” الرمال ” مجدداً ، باختصار هذا مشهد صفحة العدو في اليوم ” السابع عشر ” لمعركة ” السيوف الحديدية ” التي تثلمت نصالها على الدروع الغزية . وفي اليوم ” السابع عشر ” للمعركة؛ خرجت الأسيرة ” يوخفد ليفشيتز ” التي أطلقت ” كتائب القسام ” سراحها في مؤتمر صحفي، ضربت به سرية العدو التي تقول أنهم ـ العدو ـ يقاتلون (وحوشاً) على هيئة بشر، فشرحت لمستمعيها كيف كانت تعامل ، وماذا كانت تأكل هي ورفيقتها ، وكيف تم علاجهما والعناية بصحتهما .
أما في صفحة المقاومة ، فقد بقيت ترسل للعدو من الرسائل من يقول له أنها بخير ، وأن عمدة قواتها ما زالت على جاهزيتها ، فأرسلت له إلى ” زكيم ” ما يؤكد له ذلك ؛ فخرجت له ” الضفادع البشرية ” من تحت الماء لتشتبك معه على الساحل ، وقصفت ” تل الربيع ” برشقة صاروخيه ثقيلة ، بلغ عدد ما طار فيها من أحمال نارية قرابة 60 صاروخاً ، كما قُصفت ” بئر السبع ” و قُصف مطار ” بن غوريون ” وحشود العدو في ” مفكاعيم ” و “كفار عزة ” ، هذا جنوباً ، أما في الشمال حيث جُمّد له ما لا يقل عن 3 فرق عاملة هو في أمس الحاجة لها جنوباً ، في الشمال ؛ قَصفت المقاومة الإسلامية ” حزب الله ” مواقع العدو في ” شتولا ” ـ س: 1430 ـ وفي ” المنارة ” 1530 ” و ” برانيت ” و ” العباد ” و ” جل العلام ” حيث زف ” حزب الله ” ثلاثةً من مجاهديه فداءً للأقصى ، ودفعاً عن غزة . أما في الجبهات البعيدة، حيث العراق وسوريا ؛ فقد قصفت ـ س : 2000 ـ فصائل المقاومة العراقة قوات العدو الأمريكي في قاعدة ” عين الأسد ” في الأنبار ، وهنا تجدر الإشارة إلى ما ذكره أحد المسؤولين الأمريكيين من أن مواقع قواتهم في سوريا والعراق قُصفت ما لا يقل عن 13 مرة منذ بدء حرب “طوفان الأقصى ” .
أما في الضفة الغربية ، فقد أثبتت بالأمس أنها قادرة على إشغال العدو بشكل حقيقي ، وأنها قادرة على فرض موقف ميداني يجبره على تخصيص قدرات للتعامل مع التهديد فيها ، قدراتٌ هو بحاجتها في غزة ، وأنها ـ الضفة الغربية ـ تشكل تهديداً يقلق العدو ، لذلك صرح قادته أنهم سوف يوسّعون من عمليات سلاح جوهم في جبهة الضفة الغربية ، وهذا ما كان ؛ فقد قصف العدو أطراف مخيم جنين ، فارتقى 3 شهداء فيها ، وأطلق النار على المقاومين في قلقيلية ، فأرتقى فيها شهيداً. وفي السياق؛ ولأن الضفة الغربية عامل مهم في التخذيل عن أهلنا في غزة ؛ وزع العدو على مستوطنيه آلاف قطع السلاح الفردي والمتوسط ، وأطلق يد قطعان مستوطنيه لتعيث فيها فساداً ، وشكل عصابات من المستوطنين وأطّر عملها في مجموعات ـ نحالا ، عصابات تدفيع الثمن ، لا فاميليا ، لاهافا ـ ومنحها من الصلاحيات ما يمكّنها من القتل بلا رقيب ولا حسيب ، ولكن نصيب التشديد الأكبر كان في ” الخليل ” حيث أحالها إلى ثكنة عسكرية بكل ما تحمله الكلمة من معناً . أما في بلادنا المحتلة في الثمانية والأربعين، هذا الاحتياط البشري الاستراتيجي ، فلم يرق فيها الفعل حتى الآن إلى ما هو مأمول ومنتظر .
وفي الدعم الشعبي والجماهيري؛ فقد تواصل في معظم البلدان والعواصم، وبقيت الجموع تحاصر أو تعتصم أمام بعثات العدو الدبلوماسية، مطالبة برحيل قاطنيها، وقطع العلاقات مع هذا الكيان الغاصب المؤقت .
أما في الجهود السياسية ، فعلى حالها ؛ فالكل مشغولٌ بمصير الأسرى والضيوف عند فصائل المقاومة في غزة ، فهذا شغلهم ، وهذا همهم ، ولم تفلح الجهود السياسية بفتح ممرات إنسانية لإدخال المعونات الطبية والإنسانية ، فتوقف عن العمل ما لا يقل عن 12 مستشفىً و 32 مركزاً صحياً . وبقيت وفود المؤيدين للعدو في عدوانه تتقاطر عليه؛ فوصل الكيان المؤقت بالأمس الرئيس الفرنسي ” ماكرون ” متبنياً ، ومكرراً رواية العدو ، عارضاً خدماته عليه ، مستعداً لبناء تحالف لمحاربة الإرهاب والإرهابين !! مغمضاً عيناه عما يدور على بعد كيلو مترات من مكان عقده لمؤتمره الصحفي، ثم عرج ـ ماكرون ـ على قاطن المقاطعة، فكرر ما قاله عند مضيفه الأول، على مسامع مضيفه الثاني، دون أن يحرك ـ المضيف الثاني ـ ساكناً. وفي السياق؛ فقد أعلن العدو الأمريكي عن قيامه بإجراء الترتيبات الأولية لإجلاء رعاياه من منطقة الشرق الأوسط في حال تطلب الموقف ذلك، كما صرح مسؤولوه بأن لهم مستشارين عسكريين يعملون مع نظرائهم الإسرائيليين، فيقدمون لهم النصح ، ويساعدونهم في إدارة هذه الحرب .
أما عن السمات ذات الدلالة في موقف ” اليوم السابع عشر” للحرب فكانت على النحو الآتي:
- بقاء قصف العدو مستمراً على مدن ومخيمات قطاع غزة، وبناه التحتية ؛ الإنسانية منها والصحية .
- بقاء المقاومة مشتبكة مع العدو بالنار من غزة جنوباً، حتى لبنان شمالاً ، فالعراق وسوريا ً شرقاً .
- قصف مقار حشد العدو في أكثر من موقع ـ ” مفكاعيم ” ، ” كفار عزة ” ، ” مفتاحيم ” على غلاف غزة .
- قصف المقاومة الإسلامية ” حزب الله ” لمواقع العدو في ” شتولا ” و ” برانيت ” و “جل العلام ” و المنارة “.
- عملية إبرار للضفادع البشرية التابعة لـ ” كتائب عز الدين القسام ” على سواحل ” زكيم ” والاشتباك مع العدو.
- الساعة 1520 قصف ” تل الربيع ” و ” بن غوريون ” بدفعة ثقيلة من الصواريخ، الأمر الذي عاد وتكرر مرة ثانية .
- الساعة 1535 قصف ” بئر السبع ” بصلية صواريخ .
- الساعة 1550 قصف ” موقع المنارة ” بصاروخ موجه ضد الدروع .
- الساعة 2000 قصف قاعدة ” عين الأسد ” في الأنبار .
- اليوم 25 10 2023 الساعة 0200 قصف محيط مخيم ” جنين ” وارتقاء 3 شهداء وإصابة آخرين .
ثانيا : التحليل والتقدير :
لا زال الموقف القتالي على كافة الجبهات ـ غزة، لبنان، سوريا، العراق ـ يراوح مكانة في ظل حالة الاستعصاء والتردد التي يشهدها الكيان المؤقت فيما يخص بدء مناور برية ، هُيئ لها كل متطلبات البدء ؛ من القرار السياسي إلى القدرات القتالية ، إلى الغطاء الدولي ، ومع هذا لم تخرج إلى حيز التنفيذ إلى الآن ؛ فلا العدو أقدم على عمل بري ، ولا المقاومة احتكت به بشكل عملي حقيقي ، حيث بقيت المناوشات النارية هي الطاغية على الموقف في كل الساحات . كما بقي العدو الأمريكي منخرطاً في الحرب على غزة ، مظهراً مزيداً من أدلة إمساكه بخيوط الموقف ، خاصة على الجبهة المعادية ، فيرسل له المستشارين والإمدادات ، ويقطع الطرق الدبلوماسية في المحافل الدولية ، الأمر الذي بات معه الجميع ينتظرون مبادرة توقف حمام الدم هذا ، حيث يكاد يجمع الجميع على أن هذه المبادة لا يمكن أن تخرج إلّا عن الطرف الأمريكي ، الذي يتريث إلى الآن في إصدار مثل هذه المبادرة . كما أن المقاومة في غزة أرسلت من رسائل الفعل الميداني ـ قصف غلاف غزة والعمق الفلسطيني ، وعملية إبرار زكيم ـ ما يقول أنها ما زالت على أهبة الاستعداد ، وأنها تملك من الجاهزية القتالية ، والسيطرة القيادة ، ما يمكّنها من التعامل مع مختلف المواقف القتالية ، ومقتضياتها الميدانية ، الأمر ـ صلابة المقاومة وعدم تضررها ـ يفرض على العدو ( الأمريصهيوني ) مزيداً من التعنت ، ومزيداً من مد أمد المعركة ، علّه يهيئ ظرفاً ميدانياً ـ توغل بري محدود ناجح ـ أو سياسية ـ ضمانة اطلاق سراح الأسرى ـ فيطلق صافرة إنهاء هذه المعركة ، التي بدأت صفحاتها تكرر نفسها بشكل روتيني .
وعليه فإننا نُقدّر أن الموقف في الـ 24 ساعة القادمة سوف يكون على النحو الآتي:
- إدامة العدو لقصفه وتدميره للمباني والبنى التحتية في قطاع غزة، والحاق خسائر بشرية ومادية بأهلنا وناسنا فيها.
- بقاء المقاومة على اختلاف أسماءها وجغرافياتها ، مشتبكة مع العدو بمختلف الوسائط النارية ؛ البرية منها والجوية .
- لا نتوقع أن يقدم العدو على مناورة برية في الـ 24 ساعة القادمة، مع بقاء إمكانية قيامه بعمليات استطلاع قتالي محدود في الشمال ولوسط، لما في هاتين المنطقتين من ثقل بشري ومادي للمقاومة، الإمر الذي يجب أن تتعامل معه المقاومة بكل حسم منعاً لنجاحه.
- سوف يبقى العدو ضاغطاً على أهلنا في الضفة الغربية، خاصة مدنية الخليل لإدراكه أن الدخول الفاعل لسكان تلك المناطق على خط الاشتباك معه ـ العدو ـ سوف يفرض عليه موقفاً تعبوياً مزعجاً وغير مريح، لذلك لابد من بحث سبل تفعيل قدرات المقاومة في الضفة الغربية بحيث تشكل تهديداً ذو مصداقية على العدو، لما لهذا الأمر من آثار تعبوية على قواته المنتشرة في جبهة غزة .
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
عبد الله أمين
25 10 2023
Facebook Comments