طوفان الأقصى … الموقف اليوم الثلاثاء

شبكة الهدهد
عبد الله أمين – الخبير الأمني والاستراتيجي
أولاً الموقف:
في اليوم ” السابع عشر ” لمعركة ” طوفان الأقصى ” بدت المواقف أكثر وضوحاً ؛ ففي الوقت الذي بدأ مجتمع العدو الإسرائيلي يسأل مسؤوليه عما جره عليهم تطرفهم من ويلات ، وكيف ـ التطرف ـ جلب لهم هذه الهزيمة النكراء ، التي حطمت صورتهم ، وهشمت أسطورتهم ، وفي الوقت الذي بدأت تخرج فيه مظاهرات داخل هذا الكيان المؤقت تطالب “نتن ياهو ” بتحمل المسؤولة عما جرى وتقديم استقالته ، ووقف هذه الحرب العبثية التي لن تُرجع أسرى ، ولن تعيد ترميم صورتهم المتآكلة ، في هذا الوقت ؛ خرجت الإدارة الأمريكية ، وعبر رأس هرما ـ بايدن ـ لتقول وبمليء الفيه ، ما بات معروفاً للجميع ، من أنها هي من تقود هذه المعركة ، وهي من فرضت تشكيل حكومة الطوارئ ، وهي من يتحكم في مجرياتها ، ولكنها ـ أمريكا ـ أبت إلّا أن توضح الواضحات ؛ فقال رأس هرمها ” لا يمكن الحديث عن وقف إطلاق للنار قبل إطلاق سراح الرهائن ” ، كما قالت الخارجية الأمريكية على لسان أحد مسؤوليها أن ” أي وقف لإطلاق النار سيعطي حماس قدرة على التعافي ” ، ثم جاءت ثالثة الأثافي عبر الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية ” جون كيربي ” فصرح قائلاً : ” أن أولويتنا هي أولية ( الكيان ) وهي تدمير حماس ” وأن ” المساعدات ستبقى تتدفق على (الكيان ) لمساعدتها على مطاردة حماس” . إذا هذه هو المشهد في آخر صوره؛ فقد تقدم (الأصيل) وبدأ ينطق بما قد لا يناسب (الوكيل) الذي بدأت معالم الخلاف تدب في صفوف قادته والمسؤولين عن إدارة هذه الحرب وأخذ قراراتها، ومن يرى ” نتن ياهو ” و ” هاليفي” و ذو الرأس الحامي ” غالانت ” في التصريح المتلفز الذي خرجوا فيه ليعبروا لـ (مجتمعهم)عن تضامنهم، وأنهم يديرون هذه الحرب بالتوافق وإجماع في الرأي، من رأي مشهدهم هذا يعرف أن الأمور على عكس ما يراد لها أن تظهر والـ (على راسه بطحة بحسس عليها) والـ ( تحت باطة مسلة بتنخزه) . وفي هذا اليوم قيل أن رئيس وزراء العدو يدير مشاورات خارج نطاق مجلس حربه المصغر، فهو التقى ويلتقي بالجنرال ” بريك “، أول من نادى وصرخ، وما زال يصرخ أن الجيش ليس جاهزاً للحرب، وأن دخول غزة بحاجة لاستعدادات قد تستمر لعدة أشهر، لأن ما حُشد من قوات في غلاف غزة غير مؤهل لمثل هذا العمل، وقيل أيضاً أن “نتن ياهو” التقى رئيس هيئة الأركان السابق ” غابي اشكنازي ” وعرض عليه الانضمام إلى فريق عمل هذه الحكومة التي تدير الحرب .
أما على صفحة الحرب الخشنة ؛ فقد بقي العدو يمارس مهنته التي يتقنها ؛ القتل و الدمار وسفك الدم ، فاستمر في قصف مدن القطاع ومخيماته ، مسوياً عمارات وأبراج ومساجد في في الأرض ؛ فقصف ـ س : 1100 ـ مسجد ” النور المحمدي ” في حي الشيخ رضوان ، وشن أعنف غارات القصف على القطاع ؛ من ظهر أمس وحتى مساءه ، الأمر الذي ارتقى بسببه عشرات الشهداء ـ 120 شهيد فقط في الليل ـ فضلاً عن الجرحى والمصابين . هذا في الجنوب ، أما في الشمال ؛ فقد بدأ بإجراءات التمشيط العشوائي بنار رشاشاته الثقيلة في محيط مواقعه لتأمينها ومنع الاقتراب ؛ منها فمشط محيط ” رويسات العلم ” و ” المالكية ” و ” موقع الرادار ” في ” مزارع شبعا ” وقصفت طائراته المسيرة مجموعات للمقاومة قيل أنها كان تهم بقصف مواقعه بمضادات الدروع ، أو أنها كانت تريد إطلاق صليات صواريخ باتجاه أراضينا المحتلة . ولكن اللافت في المشهد أن رئيس الكيان ” هرتسوغ ” قال أول من أمس أنهم ـ الإسرائيليون ـ يشكون أن حركة ” حماس ” قد استخدمت نوعاً بدائياً صغير الحجم من الأسلحة الكيميائية ! ثم اختفى التصريح ولم يبق في التداول!! أما فيما يخص قتلى العدو وجرحاه؛ فقد أكد الناطق باسم جيش العدو أن عددهم المؤكد حتى كتابة هذا الموقف قد بلغ 308 قتيل و 1210 في عداد المعاقين ، و222 جندي من الأسرى والمفقودين .
وفي اليوم “السابع عشر” للحرب، بقيت المقاومة في قطاع غزة تصلي العدو نار صواريخها، ورشقات مدفعيتها ، فقصفت ـ س : 1130 ـ ” عسقلان ” و ” مفكاعيم ” و”بئر السبع ” ومقرات العدو في قاعدة ” تسليم ” و ” حتسوريم ” بالطائرات المسيرة من نوع “زواري ” محققة فيها إصابات . وقصفت حشود العدو في “إيرز” وفي ” صوفا ” و “حوليت”. كما استُهدفت مواقعه في ” كريات شمونا ” س : 2030 ـ على الحدود اللبنانية ، كما طال القصف موقع ” المرج ” . هذا ولم توقف فصائل المقاومة في العراق قصفها لمواقع قائد هذه المعركة ومركز قرارها ـ الأمريكي ـ ، فَقصفت قواعده في ” المالكية ” و ” حقل العمر ” في ريف دير الزور ، وفي ” الشدادي ” و ” التنف ” . وفي اليوم السابع عشر لمعركة ” طوفان الأقصى ” استشهد القائد ” إبراهيم السحار ” قائد سلاح “ضد الدروع” في كتائب عز الدين القسام ، بناء على معلومات قدمها الشاباك بالتعاون مع جهاز مخابرات دولة عربية ، وفق ما صرح ـ الشاباك ـ في بيان له . وقد بلغ عدد شهدائنا في غزة حتى كتابة هذا الموقف 5087 شهيد و 15273 جريح ومصاب ؛ جلهم من النساء والأطفال . وفي ومساء اليوم السابع عشر للمعركة؛ أطلقت ” كتائب القسام” سراح أسيرتين من أسرى هذه الحرب لدواعي إنسانية وصحية.
وفي الضفة الغربية في يوم الحرب ” السابع عشر” ، اشتبك ـ س : 1010 ـ مقاوموها مع المحتل في “طول كرم” وفي ” نابلس ” ـ س : 1415 ـ ،كما استشهد القائد الحمساوي ” عمر ضراغمة ” الذي كان اعتقل مع بداية حرب ” طوفان الأقصى ” ، كما بقي العدو يمارس على أهلنا في ” الضفة الغربية ” حصاراً مشدداً لمنعهم من المشاركة في نصرة غزة وأهلها ، هذا وقد وبقيت قطعان مستوطنيه تجوب بعض القرى والمدن وتضيق على سكانها وأهلها . وفي مناطق الثمانية والأربعين؛ بقي الموقف على حاله حتى هذا الحين.
كما بقي التأييد الشعبي ـ العربي والعالمي ـ يعبر عن نفسه، في المظاهرات، والوقفات التضامنية، التي جالت معظم عواصم العالم العربي والغربي، من أمريكا شمالاً حتى ماليزيا جنوباً، وما بينهما من دول وعواصم، خرجت مستنكرة للعدو وفعله، ومؤيدة لشعبنا ومقاومته.
وفي السمات ذات الدلالة للموقف في يومه “السابع عشر” :
- بقاء قصف العدو لمدننا ومخيماتنا في قطاع غزة ، واستهداف المباني والأبراج السكنية.
- بقاء المقاومة في غزة وفي لبنان مشتبكة بالنار مع العدو على الحدين الجنوبي والشمالي.
- قصف مقرات حشد العدو في ” صوفا ” و ” إيرز ” و ” حوليت “.
- الساعة 1130 قصف ” عسقلان ” بصلية صواريخ.
- الساعة 1400 اعتراض العدو لطائرة بدون طيار دخل الأجواء الفلسطينية من شمال حيفا.
- الساعة 1400 استهداف قاعدة للعدو الأمريكي في ” المالكية ” في الأراضي السورية بطائرات انتحارية مسيرة.
- الساعة 1515 قصف المقاومة الفلسطينية بطائرات ” الزواري ” الانتحارية السرب 107 لسلاح الجو المعادي في قاعدة ” حتسوريم ” و مقر قيادة فرقة سيناء في “تسيلم”.
- الساعة 2230 قصف قواعد العدو الأمريكي في ” حقل العمر ” النفطي في ريف دير الزور ، وقاعدتي ” الشدادي ” و ” التنف ” .
ثانياً : التحليل والتقدير :
لا يزال العدو في حالة تردد ، بين الإقدام أو الاحجام فيما يخص المناورة البرية التي طال انتظارها ، والتي يكاد يجمع الجميع على أنها الإجراء الوحيد الذي يمكن حال نجاحه وبدون خسائر فادحة تلحق بالعدو ، يمكن أن يقدم صورة (نصر) للعدو تمكنه من النزول عن الـ (نخلة) التي تسلق عليها ، إلّا إن عدم اطمئنان العدو لتحقيق هذا الإجراء ـ مناورة برية ناجحة ـ خرقاً في الموقف الميداني ، وما بدى يطفوا على السطح من خلاف بين المستويات السياسية والعسكرية للكيان المؤقت فيما يخص إدارة الحرب ، وتعريف النصر ، والأهداف المطلوب تحقيقها ، وما ينتظر الطاقم السياسي والعسكري الإسرائيلي من لجان تحقيق ، وجلسات مسائلة ومحاكمة ، ودخول الأمريكي على مشهد إدارة الفعل اليومي للحرب ، ووقوفه ـ الأمريكي ـ حجر عثرة في وجه أي مبادرة لوقف إطلاق النار مع العدو ؛ كل هذه الملاحظات ، زادت الموقف تعقيداً ، وستزيد من فترة الاشتباك مع هذا العدو ، وما سينتج عنها من ضحايا في الأرواح ، وتدمير في الممتلكات . كما أن الدخول الفاعل والمتصاعد للمقاومة العراقية على خط الاشتباك مع العدو الأمريكي ، عبر استهداف مقراته وقواعده ، وبقاء الجبهة الشمالية نشطة ومشتبكة مع العدو ، كلها أمور ستدفع العدو إلى النزول ـ عاجلاً أم آجلا ـ عن الـ (نخلة) التي تسلقها . أما فيما يخص تصريح ” هرتسوغ ” رئيس الكيان المؤقت ، والذي تحدث فيه عن الأسلحة الكيميائية ، فإنه يدفعنا لتخيل سيناريو سيء لابد من أخذه في الحسبان ، والتحوط له ، حيث من الممكن أن يعمد العدو ومن خلال عمليات التسلل الصامت أو الصاخب للوصول إلى عيون بعض الأنفاق التي تمتد في منطقة العمليات بالتجاه أرضنا المحتلة ، ثم يبث فيها نوعاً معيناً من الغازات القاتلة أو الشالة ، فيلحق بالمقاومين المتحصنين فيها خسائراً ، أو يجبرهم على الخروج من هذه الأنفاق لتتصيدهم طائراته ومدفعيته ، الأمر الذي يجب التحوط ـ هذا إن لم يكن قد أخذ بالحسبان من قبل أصلا ـ لهذا الأمر لما له وفيه من مخاطر على قوات المقاومة وأصولها البشرية .
وعليه وأمام هذه المعطيات في هذا الموقف الذي بدأ يكرر نفسه بشكل روتيني ، فإننا نعتقد أن الـ 24 ساعة القدمة ستكون على النحو الآتي :
- استدامة العدو لقصفه لمدن ومخيمات قطاع غزة واستهداف بشرها وحجرها .
- بقاء المقاومة بمختلف فصائلها الفلسطينية واللبنانية والعراقية مشتبكة بالنار مع العدوين؛ الأمريكي في ساحة تواجه في العراق وسوريا ، والإسرائيلي في جنوب فلسطين وشمالها.
- لا نعتقد أن العدو سيقدم في الـ 24 ساعة القدمة على مناورة برية شاملة أو جزئية، مع بقاء إمكانية قيامه بعمليات الاستطلاع القتالي لخطوط دفاع المقاومة ، جلباً لمعلومات ، أو للتحقق من معطيات ، أو كشف لانتشار المقاومة واستعدادها.
- نعتقد أن مساحة الخلاف الداخلي بين قادة ـ سياسيين وعسكريين، وقادة الرأي ـ هذه الكيان المؤقت ستزيد تبلوراً وظهوراً في الأيام القادمة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
عبد الله أمين
24 10 2023
Facebook Comments