أخبار

معركة طوفان الأقصى بين مراحل ” غالانت ” واستعدادات المقاومة

شبكة الهدهد
✍️⁩ عبد الله أمين – الخبير الأمني والاستراتيجي

أولاً: مقدمة:

أعلن وزير دفاع العدو الإسرائيلي الجنرال ” يواف غالانت ” أمس عن مراحل الحرب التي يشنها كيانه المؤقت تحت اسم ” السيوف الحديدية ” ضد المقاومة الفلسطينية في غزة ،والتي ـ المقاومة ـ وعلى رأسها كتائب الشهيد ” عز الدين القسام ” فاجأت العدو في السابع من أكتوبر الحالي بعملية عسكرية واسعة تحت اسم ” طوفان الأقصى ” شنتها فصائل المقاومة ضد مواقع العدو العسكرية ، ومغتصباته الواقعة في غلاف غزة ، حيث قتلت فيها المقاومة من العدو ما يزيد عن 2000 قتيل بين عسكري ومستوطن ، وأسرت ما لا يقل عن 500 أسير ؛ اعترف العدو أن منهم ما لا يقل عن 200 عسكري من مختلف الرتب والمرتبات . وما زالت الحرب إلى الآن دائرة رحاها بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والتي هبت لنجدتها قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية المنتشرة هناك، وفي مقدمتها المقاومة الإسلامية “حزب الله ” ، والذي ارتقى له إلى الآن ما يقارب 15 شهيداً ، فضلا عن شهداء الفصائل الأخرى التي شاركت في الاشتباك مع هذا العدو انطلاقاً من جنوب لبنان ، حيث ارتقى لحركة المقاومة الإسلامية “حماس ” في لبنان 3 شهداء حتى كتابة هذه الورقة . لقد تحدث “غالانت”  عن مراحل الحرب، والغاية الكلية من كل مرحلة من مراحلها، الأمر ـ مراحل الحرب ـ الذي تأتي هذه الورقة لمناقشته، وتحليل كنهه، وما يمكن أن ينبني عليه، ليبنى على الشيء مقتضاه.

ثانياً: مراحل الحرب:

لقد تحدث “غالانت” عن مراحله للحرب؛ عدّها ثلاثاً وهي على النحو الآتي:

المرحلة الأولى: حيث تجري حملة عسكرية بالنار، وبعد ذلك مناورة (حرب برية) بهدف تدمير النشطاء والإضرار بالبنية التحتية من أجل هزيمة حماس وتدميرها.

المرحلة الثانية: استمرار القتال، ولكن بكثافة أقل حيث، تعمل القوات على القضاء على جيوب المقاومة

المرحلة الثالثة: إنشاء نظام أمني جديد في قطاع غزة، وإزالة مسؤولية الكيان عن الحياة اليومية فيه ، وخلق واقع أمني جديد لمواطني الكيان والمنطقة المحيطة بقطاع غزة.

ثالثاً: تحليل الموقف:

لا شك أن المراحل التي تحدث عنها “غالانت” ، لا يختلف فيها أو عليها أصحاب الاختصاص، ولا أهل الفن عندما يتحدثون عن الحروب النظامية ، وكيفية مواجهة القوات العاملة فيها أو التشكيلات العسكرية التي تخوض غمارها لمواجهة التهديدات المتصورة التي يمكن أن تتعامل معها أثناء التقدم أو المناورة ؛ بصرف النظر أكان التقدم  والمناورة في المناطق السكنية والمأهولة ، أو في المناطق المفتوحة ، وجبهات القتال الكلاسيكية التي تحوي دشماً ومتاريس وخنادق .

فأول ما تقوم به القوات المهاجمة هو العمل وفق أحد أنواع القتال الهجومي ـ التقدم لأخذ التماس ، الاستطلاع القتالي ، الهجوم المنسق ، المطاردة ، استثمار النصر ـ ، فإن تحقق للمهاجم النجاح والتفوق في المرحلة الأولى ؛ وحتى يستقر له المقام ، ويقضي على التهديد ؛ يقوم بعمليات التطهير والتنظيف بالنار القريبة والقتال الفردي ، لكل جيوب المقاومة المتبقية في منطقة العمليات بعد هزيمة عدوه ، أو أسره أو قتله أو فراره وانسحابه من الأماكن التي كان يحتلها المهزوم ، وهي المرحلة الثانية للقتال  ، ثم تأتي المرحلة الثالثة ، وهي مرحلة يتطلبها العمل في المناطق السكنية ، والتي لم يخرج أهلها منها ، حيث يتطلب الموقف بعد هزيمة العدو وتطهير المدينة أو القرية أو الحاضرة السُكّانية من جيوب المقاومة ، يتطلب الأمر تثبيت (نظام)  سياسي أو منظومة إدارة محلية ، تشكل حلقة الوصل بين المحتل والمحتلة أرضه أو مدينته أو قريته ؛ حتى تستمر الحياة ، ويتفرغ المُحتل لشؤونه العسكرية ، ولا ينشغل بشؤون المواطنين الإنسانية والاجتماعية .

وعليه فإن ما قاله “غالانت” من حيث المنطق والعقل؛ أمرٌ منطقي عقلي، لا يختلف عليه اثنان ولا تنتطح فيه عنزان. ولكن ما قد يكون غاب عن ذهن هذا الوزير ذو الرأس (الحامي) أن الحروب لا تجري بالضبط كما خُطط لها على الورق ، أو كما رُسمت على الخرائط ؛ فالحرب نشاط تفاعلي بين طرفين ، وهي فعل ورد فعل ، ولا تمارس في الفراغ ، إنه صراع بين إرادتين ، وكباش بين متخاصمين ، وليس بالضرورة أن ينتصر أو يفوز فيها من يملك قدرات أكثر ، وإنما الذي يفوز فيها حتماً ؛ من يملك قوة أكبر ، وشتان بين القدرة والقوة ، فالأولى محض أدوات تحصي وتُعد ، أما الثانية ـ القوة ـ فمزيج من قدرات وإرادات ، فلا قيمة لقدرات لا تسندها إرادات ومعنويات . لذلك سنتحدث في العنوان التالي عن متطلبات تنفيذ مراحل حرب هذا الوزير، التي لا يمكن أن يُتصور نجاحه فيها ـ الحرب ـ ما لم يتم توفير هذه المتطلبات.

رابعاً: متطلبات الإجراء:

أما عن متطلبات تحقيق الهدف من مراحل حرب العدو التي جاء ” غالانت ” على ذكرها، فإنها تنقسم إلى نوعين من المتطلبات:

  1. متطلبات معنوية:
  • تحقيق عنصر المفاجأة: وهنا باختصار شديد، لا يمكن للعدو أن يفاجئ المقاومة في غزة، وهي التي بدأت الحرب واستعدت لها، وجهزت لها من الخطط ما تَحسبت له لمواجهة رد فعل العدو، حتى وإن جاء ـ رد فعل العدو ـ هذه المرة خارج المتوقع فيما يتعلق بحجم القتل والدمار للمدنيين وبئتهم.
  • تحقيق عنصر الصدمة: كما لا يمكن أن يحقق العدو صدمة لقوى المقاومة التي تحصنت في غزة، فما ألقاه هذه العدو من حمم النار والدمار لم يحقق صدمة إلّا لدى المدنيين والمراقبين؛ أما من استعد للحرب ـ المقاومة ـ فالصدمة لا يمكن أن تكون ما لم تسبقها مفاجأة، والمفاجأة منتفية في موقفنا القتالي هذا .
  • قدرات قتالية بشرية متعافية: الأمر الآخر المطلوب ليحقق العدو مراحل حربه بنجاح؛ امتلاكه لقدرات قتالية بشرية متعافية، وهو أمرٌ لا نظنه يحوزه، ولشاكّين نقول: اسألوا فرقة غزة قبل أن تنهار ، كيف كانت معنويات جنودها ؟ فما بالكم بعد ما رأى جنوده ما رأوا ، وذاقوا من بأس المقاومة على جلودهم ما ذاقوا ، ثم اسألوا جنود العدو الذين دخلوا “طول كرم ” قبل يومين ، ينبئوك بالمزيد .
  • إرادة سياسية متماسكة: وهنا بالذات فإن العدو يعيش أسوء أيام حياته على مستوى تماسك القرار السياسي، وتعاضد الساسة والأحزاب، والكل ينتظر انتهاء الحرب، لتبدأ حرب السكاكين بين (الإخوة) المتشاكسين، ومحاسبة المقصرين، وسيغدو كثيراً منهم إما مستقيلاً أو سجين.
  • قيادة عسكري جريئة: لا نريد أن نقلل من شأن أعدائنا، فالعاقل لا يَنم لعدوه ولو كان نملة، ولكن المراقب المنصف، والمتفحص في وجوه قادة العدو وهم يتجولون بين جنودهم، ويحدقون في شاشات أجهزتهم، ويرى سلوكهم بعد ما حشدوا ما حشدوا، وأعدوا ما أعدوا؛ يرى أن أقل صفة يمكن أن تطلق عليهم أنهم فاقدون للجرأة غير مستعدين لتحمل المخاطر.
  • جبهة داخلية داعمة: وجبهة العدو الداخلية أيضاً على شاكلة قادتها السياسيين، فهي غير متماسكة، وغير مستعدة لتحمل الخسائر، واسألوا إن شئتم المظاهرات التي كانت تطالب باستقالة ” نتن ياهو ” قبل الحرب، وكيف تقسم هذا ( المجتمع ) المصطنع إلى قبائل وفرق ، هذا قبل الحرب ، فما بالكم الآن وشريحة واسعة من هذا التركيب غير المتجانس ترى أنها تدفع أخطاء مجموعة متطرفة من المسؤولين ، تريد مغانم الحكم دون أن تشارك في مغارمه .
  • عدو (اقرأ المقاومة) خائف مصدوم: وهنا يمكن تسطير الكثير، وكتابة المؤلفات، فمن يملك جرأت أخذ قرار فتح النار على العدو الإسرائيلي، مالك (أقوى) جيش في المنطقة، والذي يحاصره ـ يحاصر آخذ القرار ـ منذ ما يقارب 17 سنة، وقيل أنه يحصي أنفاس الناس في المنطقة، فما بالكم بقطاع غزة الذي زنره بالنار، وسيطر عليه بالأنظار، واخترق أرضه وسماءه، من ملك جرأة أخذ هذا القرار ، ليس بخائف ولا مرعوب ، بل مصدوم !! هل قلتَ مصدوم؟ نعم مصدوم جداً من هشاشة هذا العدو، ومن سرعة انهياره أماه ، وتحطم قدراته وأسر جنوده وضباطه .
  • جبهة معادية متحللة أو غير متضامنة: وجبهة المقاومة الداخلية تنبؤك بالكثير، فمنذ الأسبوعين وهي تتلقى النار والدمار من هذا العدو الغاشم، فما سمعنا غير صوت الأطفال يئنون من الألم، والنساء وهي تنتحب على أعزائها، ولكن لم نسمع من يصوب سهام غضبه على المقاومة والمقاومين، كيف يفعلون ـ الناس ـ وهم ـ المقاومون ـ أبناؤهم، من بينهم خرجوا، وعلى بسطهم وحصائر بيوتهم شبوا، ومن صحون أكلهم أكلوا وتغذوا، ومن أجلهم يستشهدون ويضحوا.
  • معلومات صلبة عن الجبهة المعادية: إننا نكاد نجزم أن المعلومة الصلبة الوحيدة التي يملكها هذا العدو عن المقاومة المتحصنة في حواري غزة وشوارعها، المعلومة الصلبة الوحيدة التي يملكها العدو هي: أننا لا نعرف ماذا أعدوا لنا هناك ، وإلا فما هو تفسير هذا التباطؤ والتردد في اتخاذ قرار المناورة البرية التي اكتمل حشد قدراتها منذ أكثر من الأسبوع ؟
  • قدرة على تحمل طول زمن المعارك والحرب: وعدونا هنا ليس من أصحاب النَفس الطويل في تحمل الحروب ومرارتها، وضنك العيش ورطوبة الملاجئ، واسألوا من هبوا مسرعين إلى مطارات وموانئ فلسطين المحتلة، لا يلوون على شيء، فما لهذا جاؤوا، ولا لهذا استوطنوا، إنما جاؤوا ينشدون عسلاً لا لسع فيه ولا معه ، فإن لسعوا (فلسعوا).
  1. متطلبات مادية:

أما عن المتطلبات المادية لنجاح مراحل حرب “غالانت” التدميرية، فلن نطيل الحديث في ذكر التفاصيل، ونكتفي بثلاثة منها، تعد الأم فيها، ومركز ثقلها وهي:

  • قدرات قتالية مثبتة الفاعلية : وهنا أيضاً لن نطيل ، فعدونا يملك قدرات قتل غاشمة ، وأدوات بطش مدمرة ، قرأنا عنها ، وشهدنا فعلها في بعض المواقع ، ولكنها عندما تواجه من يملكون إرادة القتال ؛ تغدوا منزوعة (الأسنان) ، عديمة الفائدة ، لا تحقق نصراً ، ولمن عنده أدنى شكل فليسأل عن آلة القتل هذه كل رجال المقاومة الذي احتكوا بها ، منذ اجتياح لبنان 1982 ، مروراً بفصول المقاومة في لبنان حتى تحريري 2000 ، فحرب 2006 ، وكل حروب غزة ، انتهاءً بحرب ” طوفان الأقصى ” ، يا كرام ، إنهم يقاتلوننا بأدوات يستخدمها رجال ، ونحن نقاتلهم برجال يستعينون بأدوات ، وشتان شتان بين هاتين المعادلتين .
  • قدرة لوجستية ذات كفاءة عالية : اسألوا الجنرال ” بريك ” مفوض شؤون شكاوى جنود العدو المتقاعد ، يقص عليك قصصاً ، ويروي لكم روايات ، ثبت صدقه فيها ، عندما هبت أمريكا بقضها وقضيضها لتسد ما في هذه القدرات من ثغرات ، من تأمين معدات إلى شراء ستر وخوذات ، ثم إن إدامة الكفاءة اللوجستية يتطلب تضامناً وتأييداً من الجبهة الداخلية ، حيث يتقدم تأمين ما يتطلبه المجهود الحربي على ما سواه من متطلبات واحتياجات ، وهنا لا نشك أن مجتمع العدو إن تحمل شهراً ، فلن يتحمل شهرين ، وإن تحمل شهرين ؛ فسيصرخ في الثالث لا محالة ، والحرب سجال وعض على الأصابع .
  • قدرات قتال معادية (اقرأ المقاومة) غير ذات كفاءة مثبتة الفاعلية: وهنا أثبتت المقاومة فعالية قدرتها ، وما تملكه من أدوات ، وليس بالضرورة أن تكون أكثر مما يملك عدوها أو يُعِدُ خصومها ؛ المهم في كيفية استثمار وتشغيل ما تملك من قدرات في ضرب نقاط ضعف عدوك ، وهذا ما برعت فيه المقاومة ، والدليل ما نرى لا ما نسمع ونقرأ ، فقد انهارت قدرات فرقة غزة النظامية والتي تضم قوات نظامية نخبوية ، انهارت في 3 ساعات ، يوم كان المقاومون يظنون أنها ستنهار في 3 أيام .

خامساً : سبل المواجهة :

نختم هذا الورقة بما نعتقد أن له دوراً مهماً ومركزياً في إفشال مراحل حملة الجنرال (حامي) الرأس ” غالانت “، وهي أدوارٌ لكل منا فيها سهم ، ولو بالكلمة ، ومن هذه الأمور ما يأتي :

  1. ضرب الجبهة الداخلية للعدو حتى تصرخ ويعلو صراخها: فإن ضربت بتركيز ، وفاعلية من كل الجهات المشتركة ـ في الخارج وفي الداخل ـ في هذه المعركة المفصلية ، فإنها ستنهار ، وستجبر ساستها وقادتها على مراجعة حساباتهم ، ولكتفاء بما تجرعوا من مرارة الهزيمة ، ( فيضبوا الطابق ) ويطووا بساط حربهم ، ويلملموا جراحهم ، ويحضروا قوائم أسراهم ، لنستعيد نحن أسرانا .
  2. منع العدو من إعادة تنظيمه القتالي في منطقة الحشد عبر ضربها باستمرار : ومن الأمور المهمة في هذا الصدد ، عدم ترك العدو يهنأ ويرتاح في مناطق حشده وتعبئة قواته ، يجب أن تبقى هذه القوات تحت النار ، حتى لا تستعيد تنظيم نفسها ، وتعبئ طاقتها ، وتبدأ بإجراء مناورتها .
  3. الضغط على العدو في كل الجبهات وكل الساحات : ومما يساعد بشكل فاعل على منع العدو من إجراء حملته العسكري وفقاً لمراحلها المشار لها ؛ الضغط عليه وعلى شركائه في الفعل القتالي الحالي ـ الأمريكان ـ من كل الجبهات ، وفي كل الساحات ، لتثبيتهم ، ومنعهم من القيام بتحريك قوات ، أو تعبئة قدرات هم بأمس الحاجة لها ، فما تفعله المقاومة في جنوب لبنان يؤتي أكله ، وما قامت به فصائل المقاومة في العراق أو اليمن يعيد لولي أمر هذا العدو رشده ، ويجبره على الضغط عليه ـ على العدو ـ ليعد حساباته ولا يتمادى في غيه ، وكلها ـ جهود مؤيدي المقاومة ـ  جهود تصب بشكل أو بأخر في مجهود المقاومة الحربي ، وتساعد على صمودها ، وكسر عدوها .
  4. الضغوط الشعبية ومظاهرات الدعم والتأييد: وهي جهود تساعد في تكوين رأي عام داعم للمقاومة وشاجب لما يقوم به العدو من قتل ودمار، يُضغط بها على الحكومات والدول حتى لا تبقى متفجرة ناظرة من بعيد على ما يقوم به هذا العدو من عدوان .

نختم بالقول، إن الموقف القتالي الحالي للعدو، وما أعدته المقاومة له من مفاجآت، وما راكمته على مدى السنين من قدرات، ستحول دون العدو وتحقيق أهدافه ـ القضاء على المقاومة، وصنع بديل لها في غزة أكثر أمناً له  ـ ولن ينجح الجنرال “غالانت ” ذو الرأس الـ ( حامي ) في تنفيذ مراحل حربه ، وسينفق ماله وقدراته ، ثم تكون عليه حسرة . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

عبد الله أمين

21 10 2023

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي