طوفان الأقصى … الموقف اليوم الجمعة

شبكة الهدهد
عبد الله أمين – الخبير الأمني والاستراتيجي
أولاً: الموقف:
إنه اليوم الثالث عشر للعدوان على قطاع غزة، وتعرض المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها “كتائب عز الدين القسام ” على العدو ومهاجمة مواقعه ومقرات جيشه في غلاف القطاع، في اليوم الثالث عشر للمعركة؛ خرجت فيه الرسائل غير المشفرة من أكثر من مكان، رسائل عُرف مرسلها، وعُرف المُرسلة له، والمضمون الذي تحمله. فقد انضم شرق فلسطين التاريخية إلى جنوبها ؛ فمن اليمن خرجت الصواريخ باتجاه فلسطين حاملة رسائل إلى من يهمه الأمر تقول : أننا جزء من هذا المعركة ، نشارك في مجهودها ، بما نملك وما نملك ؛ وما نملك كثير ، ومن العراق خرجت المسيّرات والصواريخ باتجاه ” التنف ” وما أدراك ما ” التنف ” و ” عين الأسد ” أكبر قاعدة للعدو الأمريكي في الأنبار ، خرجت لتقول (للأصيل) أننا نعرف دورك في هذه المعركة ، ولن ينطلي علينا كذبك ، فأنت ـ الأمريكي ، مالك خيوط هذه المعركة ، وحبل الناس الذي يستمد منه العدو قوته ، وسينالك في قادم الأيام ما ترى ، لا ما تسمع ، وفي سوريا ضُربت قواعد في ” حقل العمر ” النفطي ، وفُجّرت أنابيب غاز في حقل ” كونكو ” ، تشارك بصورة ما في ضرب شبعنا واستهداف قدراتنا ، وتدعم المجهود العسكري لعدونا ، أما في الجنوب اللبناني ، فقد بقيت الجبهة مشتعلة ، والصواريخ تطلق على العدو ؛ فمن مضادات الدروع التي صلت بها المقاومة الإسلامية في لبنان ” حزب الله ” العدو في ” المنارة ” ـ س : 1155 ـ ؛ فدمرت وقتلت وجرحت ، إلى رشقات صواريخ ” القسام ” التي خرجت منه ـ الجنوب ـ بالتجاه مغتصبات الجليل ، إلى ” الضفة الغربية ” التي تحركت فحملت أهم الرسائل ، وأكثرها بلاغة ، عندما اشتبك المقاومون مع العدو في مخيم ” نور شمس ” في ” طول كرم ” من صباح اليوم الثالث عشر للمعركة وحتى مسائه ، فأوقعت في العدو قتلى ، وجبت منه جرحى ، وخرج عويل جنوده وعلى صراخهم ، في أبلغ رسالة أرسلها مشاركٌ في هذا المعركة مضمونها : أن هذا المخيم الذي يصول في العدو ويجول ، وما يملك ـ المخيم ـ من قدرات لا تساوي مثقال نقير مما تخبئه لكم ” غزة ” وحاواريها وزقاقها ، إن كان هذا المخيم فعل بكم ما فعل ؛ فماذا ينتظركم في القطاع ومدنه ومخيماته ؟ وقد وصلت هذه الرسائل إلى (الأصيل ) القابع في مجلس الحرب ، كما وصلت إلى ( الوكيل ) المتخندق على غلاف غزة . ومع هذا فقد بقي العدو يقصف ويهجر، ويهدم، ويسوي بالأرض بيوتاً وأبراجاً يظن أنها تساعد في إشراف المقاومين على ساحة المعركة، وتمكنهم من السيطرة على محاور عبور العدو وتحركاته فيها، حال قرر التقدم البري. وبقي مشهد العدو هو هو ، تردد ، وتهيب ، ولا حسم ، وقصف متنقل ، من شمال القطاع إلى جنوبه ، ومن شرقه إلى غربه ، من ” خان يونس ” شمالاً و ” دير البلح ” و ” وخان يونس ” وسطاً ، إلى ” رفح ” جنوباً ، كما طال القصف المناطق الشرقية في ” التفاح ” و ” الشجاعية ” ووسط ” قطاع غزة ” حيث الكثافة السكانية العالية ، في ” الرمال ” و ” والزيتون ” وغيرها من أحياء ” غزة ” وضواحيها ” . وبقي العدو يصدر البيانات والتصريحات من أنه ما زال يعتبر منطقة غلاف غزة منطقة قتال لم (تُطهر) بعد، وأنه يعتقد أن فيها من المقاومين ما لم يصل له إلى الآن، فيتهيب من الدور المسنود لهؤلاء المقامون في حال قرر التوغل في مناطق القطاع؛ فهل سيخرجون له من الخلف فيقطعون خطوط إمداده ويضربون أجنحة قواته؟ أم أنهم سيواجهون تقدم قواته فـ (يكسرون) رأس حملته، ويعيقون اندافاعته؟ كلها وغيرها أسئلة بقيت بلا إجابة، مما أخر تقدم العدو الذي ظن الجميع أنها ستكون في الساعة التالية لخروج الـ (الأصيل) من ساحة المعركة وعودته إلى مقر قيادتها في واشنطن.
أما عن المقاومة التي تمثل قطب الرحى في هذه المعركة، وصاحبة الأثر الأكبر في مجرياتها السابقة واللاحقة؛ فقد بقيت تدك مغتصبات غلاف ” غزة ” وعمق فلسطين المحتلة حتى صباح هذا اليوم، فمن ” مفتاحيم ” و ” عسقلان ” شمالاً حيث صهاريج وقود “كاتسا “، إلى ” تل الربيع ” في عمق فلسطين التاريخية، إلى ” رعيم ” وموقع إسناد ” صوفا ” و ” خان يونس ” التي استهدفت المقاومة دبابة في شرقها، و” ونتفوت ” كلها مواقع بقيت تحت نار المقاومة وصواريخها.
وفي ” الضفة الغربية ” اشتبك المقاومون مع قوات خاصة توغلت في مخيم ” نور شمس ” في طول كرم، توغلاً ظنت أنه من أعمال ” الأمن الجاري ” والروتين اليومي، وإذ به يتحول إلى اشتباك يمتد حتى المساء، اشتبك فيه المقاومون مع عدوهم من مسافات الصفر تقريباً، وفجروا فيه عبوات قتلت منه رائداً وجرحت عشرة جنود، وارتقى إلى العلى 16 شهيداً، هذا عدى عن الجرحى. ولم تزل جموع المؤيدين والمتظاهرين تخرج يومياً في الضفة مؤيدة، مساندة، تبحث عن سبيل للمشاركة في هذه المعركة، مع كل ما يمارس عليها من تنكيل وتضييق، ومصادرة حريات، واعتقال، حيث بلغ عدد من اعتقلهم العدو من أهلنا في الضفة الغربية قرابة 750 معتقلاً منذ 07 10 يوم بداية معركة ” طوفان الأقصى “. أما عن أهلنا في مناطق الثمانية والأربعين؛ فما زال العدو يحصي عليهم أنفاسهم، ويقيد حركتهم، الأمر الذي منعهم من تقديم الدعم المأمول في المجهود العسكري لهذه المعركة.
وقد بقيت جموع المؤيدين في الشرق والغرب، تخرج مؤيدة لفلسطين وحقها، والمقاومة وأهلها، الأمر الذي يمكننا أن نقول معه أن رأيا ً عاماً غربياً بدأ يتشكل رافضاً لإجراءات العدو وعدوانه، فقد غصت قاعة البرلمان الأوربي بالخطباء والمتحدثين من أعضائه الداعمين لنا ولمقاومتنا، وحقنا في الدفاع عن نفسنا، وشاجبه ومستنكرة عدوان العدو على أهلنا وناسنا في ” قطاع غزة ”
ومن أهم سمات الموقف ذات الدلالة والتي يبنى عليها، وتترك أثراً على حسابات العدو وحلفائه، والمقاومة وحلفاؤها، ما يأتي :
- بقاء العدو يقصف ويهجر، ويسوي مبان وأبراج سكنية في طول القطاع وعرضه، ولكن التركيز هذه المرة قد انصب على المباني المرتفعة ومتعددة الطوابق.
- استمرار المقاومة في دك مغتصبات غلاف غزة ومدن الداخل الفلسطيني بوابل من صواريخها وقذائف مدفعيتها.
- بقاء المقاومة في شمال فلسطين مشتبكة مع العدو بالنار المباشرة والقوسية حيث ضُرب موقع لمنارة ـ س: 1155 ـ ، وقُصف ـ س : 1711 ـ الجليل الغربي بـ 30 صاروخ .
- الساعة 1200 قصف قاعدة ” التنف ” الأمريكية على مثلث الحدود العراقية السورية الأردنية بـالمسيرات الانتحارية .
- الساعة 1430 قصف ” تل الربيع ” برشقة صاروخيه، حيث تكرر القصف أكثر من مرة.
- الساعة 1720 قصف حقل صهاريج ” كاتسا ” في جنوب عسقلان بصلية من الصواريخ.
- استهداف دبابة للعدو في شرق خان يونس.
- الساعة 2150 اعتراض السفينة الحربية الأمريكية ” يو أس أس كارني ” ثلاثة صواريخ يمنية متوجهة إلى أهداف في الأرضي الفلسطينية.
- الساعة 2150 قصف قاعدة ” عين الأسد ” الأمريكية في منطقة ” الأنبار ” بالصواريخ والمسيرات الانتحارية.
- الساعة 2310 استهداف خط غاز ” كونكو ” وهو خط يُستخدم في إمداد قواعد الجيش الأمريكي المنشرة في المنطقة بالطاقة.
- الساعة 2320 سماع دوي انفجار في حقل ” العمر” النفطي في البادية السورية.
- الساعة 2320 قصف ” تل الربيع ” مجدداً.
- الساعة 23 25 قصف هدف في جنوب لبنان بمضاد للدروع.
ثانياً: التحليل والتقدير:
إن أهم ما يمكن أن يُستشف من معطيات ومجريات اليوم الثالث عشر للمعركة ، أن العدو ما زال في حالة من اللا حسم ، والتردد ، والتهيب من القيام بأي إجراء يمكن أن يقدم له صورة نصر ، الأمر ـ صور النصر ـ الذي لا يمكن أن يُتصور بدون عمل بري ـ ولو محدود ـ يقوم به العدو ، وقد ذكرنا سابقاً عدة أسباب ـ عدم الثقة بالقدرات ، عدم التيقن من النتائج والمخرجات ، والخوف مما يخبئه القطاع له من مفاجآت ـ لهذا التردد ؛ نضيف عليها سبباً آخر هو : عدم قدرة القيادة العسكرية على تعريف النصر الذي تريد أن تقدمه للمستوى السياسي ، وكيف ومتى تحققه ، وما لم يتم تعرف النصر وتحديد مؤشرات له ؛ فإن العدو سيبقى في حالة من التردد والتهيب ، فضلاً عن ما تقوم به المقاومة في داخل غزة بعد كل ما انهال عليها وعلى حاضنتها الشعبية من نار ، وما خلفه العدو من دمار ؛ بقيت المقاومة ممسكة بزمام المبادرة ؛ فهي تقصف متى شاءت ، وما شاءت ، وبالنوع والكم الذي تحدده هي ، إن إجراءات المقاومة هذه ، أجبرت وتجبر العدو على التفكير في كل إجراء سيقدم عليه ، وما يمكن أن ينتج عنه من أكلاف ، هو في أمس الحاجة لتجنبها ، أو الحد منها . كما أن دخول فواعل آخرين على المشهد ، يملكون من القدرات ، وجرأت أخذ القرار ما يمكنهم من تغير المشهد بكليته ، فرض على العدو (الأصيل / الأمريكي ) فضلاً عن العدو ( الوكيل / الإسرائيلي ) وسيفرض عليهم معاودة النظر في خططهم وإجراءاتهم المستقبلية ، خاصة إذا ما نظرنا إلى أن التقارب الزمني لتشغيل قدرات قتالية في كل من العراق واليمن وسوريا ، يشي بأن خلف هذه القدرات جهة ـ غرفة عمليات ـ واحدة هي من أصدر أمر التشغيل ، وأن هذا التشغيل لن يكون يتيماً ، وأنه سيتتابع ، وأن هذا التتابع سيحمل في طياته تطوراً في الأداء واستخلاصاً للعبر ، ليترك هذا الفعل أثره على المشهد ، وبصمته على الموقف .
عبد الله أمين
20 10 2023
Facebook Comments