أخبار

طوفان الأقصى … الموقف اليوم الخميس

 شبكة الهدهد
✍️⁩ عبد الله أمين – الخبير الأمني والاستراتيجي 

أولاً: الموقف :

أنه اليوم الخميس ، وقد انقضى اليوم الثاني عشر لمعركة ” طوفان الأقصى ” بما فيه من مبشرات وما حاوه من مكدرات ، انقضى اليوم الثاني عشر للمعركة وانقضت مع زيارة الرئيس الأمريكي ” جون بايدن ” الذي جاء مؤيداً ، مشرفاً ، مطمئنا على حال وكيلة في المنطقة ، جاء وعاد تاركاً خلفه مستشارين وخبراء ، وكثير من التكهنات عما ستتركه زيارته هذه من آثار على الحرب ، غادر ” الأصيل ” لتحط اليوم في المنطقة ( الرحم ) التي ولد منها هذا الكيان ، ممثلة برئيس الوزراء البريطاني ” سوناك ” ليطمئن هو الآخر على وليده في المنطقة ، وهل لديه ما يبقه على قيد الحياة من أسبابها ؟ حركة سياسية في المنطقة والعالم، من ” جدة ” في الجزيرة العربية ، إلى أروبا في أقصى الغرب المتوحش ، حراك لم يترك أثراً على سلوك العدو الإسرائيلي ؛ فما زالت آلة قتله تجوب سماء قطاع غزة ، ناشرة الموت والدمار في كل مكان وفي كل زمان ، فما كنتَ معهم من أهل أو أصدقاء في المساء ؛ قد لا يسعفك الحظ لتلقاهم في الصباح ، والعكس صحيح ، فآلة القتل لا توفر ولم توفر كبير ولا صغير ، ذكراً كان  أو أنثى ، عاجز البدن أو صحيحه . كل هذا القتل والعدو ما زال في حالة من تخبط في تنفذ ما أخذ من قرارات ، فلا هو أقدم فاجتاح براً لينهي ـ على حد زعمه ـ خطراً ، ولا هو ناور فاقتطع جغرافيا فيقدم صورة لـ ( نصر ) يسعفه في السياسية ، لذلك فقد بقي المشهد لليوم الثاني عشر يراوح في مكانه ، مع أن العدو قد أنهى منذ قرابة الأسبوع حشد قدرات نارية وبشرية ما يسعفه معها العمل البري لو تجرأ على ذلك ؛ لكنه وقف حائراً ، هائباً من التقدم ، مكتفياً بالقصف والقتل عن بعد ، أو ما يسميه قادته العسكريين : القتال بالملاقط ، وهو نوعٌ من القتال ؛ قد يقتل ويدمر بل ويمسح عوائل بكاملها من السجلات المدنية ، ويحيل أحياء ومدناً إلى مسطحات أرضية ، وملاعب كرة قدم ، لكنه أثبت عجزه مع غزة وما فيها ومن فيها من بشر وحجر ، فلم يستسلم أهلها في السابق ولم يهاجروا ، ولن يستسلم أهلها في المستقبل أو يهجروا ، إذا فنحن ما زلنا في المشهد المعادي أمام تخبط وتردد وعدم حسم وتهيب  ، من الأرض وما خبأته لهم في باطنها من مفاجئات وضربات . فدعونا نراقب ونشاهد لنرى أين سترسو سفن هذا العدو في الأيام المقبلة ، مشيرين إلى أن العدو قد أعلن في اليوم الثاني عشر للمعركة أن خسائره العسكرية قد بلغت حتى كتابة هذا الموقف 306 جنود ، بين ضابط وعسكري ورتيب .

أما على الصفحة المقابلة حيث المقاومة وأهلها وناسها ، فما زالت محاصرة ، صامدة ، صابرة ، تودع كل يوم شهداء ، ولم يخرج لها صراخ ، عدى صراخ صغارها الذين تطحنهم آلة الموت المعادية ، ولم ترفع راية بيضاء ـ مع أن رايتهم بيضة  ـ وبقيت تلوح براية الثأر الحمراء ، متوعدة عدوها ومن خلفه بأنها في انتظاره عند كل زاوية وزاروب ، وعند كل باب وخلف كل محراب ، ستُخرج له من تحت الأنقاض ما يعيد له الصواب ، أو يُطيّر ما بقي في رأسه من عقل ، فهاهي ـ المقاومة ـ  تشتبك معه بالنار في غلاف غزة ، فتصليه بصليات الصواريخ وقذائف المدفعية حيث يحشد قواته ، وينشر آلاته ، وتطال قذائفها عمق فلسطين المحتلة ، فما أن غادر ولّي أمر هذا الشقي ، حتى حطت الصواريخ رحالها في ” تل الربيع ” و منطقة ” غوش دان” ، و” وعسقلان ” و ” حتسوريم ” ، وبقيت المقاومة الإسلامية في لبنان ” حزب الله ” مشتبكة معه في جنوبه ـ لبنان ـ وعلى طول خط الحدود ؛ من ” رأس الناقورة ” على البحر وحتى أعالي مرتفعات “العرقوب ” على كتف جبل الشيخ ، فضربته في ” جل العلام ” و “المطلة ” و ” المنارة ” و ” المالكية ” وفي ” العمق الفلسطيني عبر مجموعة مقاتلة من الجماعية الإسلامية اللبنانية ” قوات الفجر ” التي صلت العدو بنار صواريخها ، معلنة أنها جزء من هذه المعركة ، وأن لها فيها نصيب ، لقد بقي الجنوب اللبناني مشتبكاً مع هذا العدو إلى الدرجة التي قال فيها العدو أن اليوم الثاني عشر للمعركة كان أشد أيام القتال عليه في هذه المنطقة ، والتي زف فيها ” حز الله ” حتى كتابة هذه الموقف 11 شهيداً فضلا عن 3 شهداء قدمتهم ” حماس ” . في اليوم الثاني عشر للمعركة دخلت العراق على خطها ، فقد استهدفت قوىً من المقاومة العراقية قواعد الجيش الأمريكي في ” عين الأسد ” و ” الحرير ” في الأنبار وأربيل ،  بثلاث مسيرات انتحارية ، معلنة أنها جزءٌ من معركة الشعب الفلسطيني ، تسهم بها بما تقدر عليه ، ومستعدة لتطوير الإجراء إذا تطور الموقف .

أما في الضفة الغربية ، فما زال العدو يحكم قبضته عليها ، بالتضييق والاعتقال الذي طاول أفراداً ومسؤولين ، حزبيين وشعبين ، كما بقيت قطعان المستوطنين تجوب قرانا ، وتعتدي على مدننا ، ومع هذا كله ، فقد أعلنت القدس النفير ، وجابت المدن والقرى المظاهرات المؤيدة ، واستشهد في عورتا شهيد ـ نائل دويكات ـ وهو يحاول زع عبوة ناسفة بالقرب معبرها ، وفي دورا القرع استشهد محمد عبد الرحمن ، كما قدمت شقبا شهيدين ـ قيس تيم شلش (17 عامًا)، وخليل محمد خليل (15 عاًما) ـ ليرتفع عدد شهداء الضفة الغربية منذ بدء حرب ” طوفان الأقصى ” إلى 64 شهيداً ، فضلا عن المعتقلين أو المصابين ، وفي هذا الصباح ـ س : 0650 ـ أعلن عن استشهاد أحد الفدائيين وهو يحاول زرع عبوة ناسفة في طريق قوة صهيونية تقتحم مخيم ”  نور شمس ” في  ” طول كرم ” ، مشيرة هذه الأفعال وتلك التضحيات إلى أن الضفة الغربية ما زالت تحاول أن تضع بصمتها في هذه المعركة ، مع كل ما يمارس عليها من تضييق من العدو و ( الصديق ) . أما عن مدننا وأهلنا في مناطق الثامنة والأربعين ، فما زال المشهد على ما هو عليه ؛ فالتضييق والتهديد منع ويمنع أي حرك حقيقي يمكن أن يؤثر على المشهد في قطاع غزة ، وقد تنبه العدو لخطر أهلنا هناك إبان معركة ” سيف القدس ” فهدد في هذا المعركة قائلاً : أن من يريد أن يخرج لتأييد أهل غزة ؛ فسنضعه في باصات وننقله إلى غزة ليؤيدها من هناك وبشكل مباشر .

وفي فعل التأييد العربي والإسلامي والعالمي لأهلنا في غزة؛ فقد بقيت مدناً وعواصم عربية وإسلامية تمور بالمتظاهرين المؤيدين، من طنجة إلى جاكرتا ، محاولين اقتحام السفارات ـ الأردن ـ ومزعجين القنصليات ـ إسطنبول ـ مما دفع العدو لسحب دبلوماسييه من بعضها ، ورعاياه من البعض الآخر ، وقد بلغ التأييد لغزة وأهلها في العاصمة الأمريكية مبلغ دفع فيه المتظاهرين إلى الدخول إلى مبنى الكونغرس الأمريكي مطالبين بوقف آلة قتل العدو في غزة.

أما عن الجهود السياسية ، فجعجعة بلا طحين ، وصراخ في واد ، من ” الجامعة العربية ” إلى ” منظمة التعاون الإسلامية ” مروراً بـ ” مجلس الأمن الدولي ” ، وليس انتهاء بمن نادي بترحيل أهل  غزة إلى النقب إلى حين انتهاء العدو من حل مشكلته مع المقاومة فيها ، ثم يعدهم إلى مساكنهم !! فلا المعابر فتحت إنسانياً ، ولا الجرحى نقلوا ليطببوا ، وقيل أن وعد أخذه ( أصيل ) من  ( وكيل ) بفتح لمعبر رفح ، ننتظر تحوله إلى واقع وحقيقة ، و ( لا تقول فول ليصير في المكيول ) ، أما اللافت في سياسية اليوم الثاني عشر للحرب هو ما أعلن عنه ( الأصيل ) أثناء مغادرته للمنطقة بعد أن اطمئن على أوضاع ( الوكيل ) عندما صرح من على متن طائرته أنهم لن يرسلوا جنوداً للتدخل في حال تدخل ” حزب الله ” في الحرب ، وأنه قد اتفق مع وكيله على عمليات إجلاء ـ جهلها عمداً ـ ، وما صدر عن بعض المسؤولين الأمريكيين من أنهم لن يكونوا قادرين على العمل على أكثر من جبهة في حال وضعوا أمام خيار المشاركة الفعلية في الحرب الدائرة حالياً ومناوشاتها .

أما عن أهم الصفحات ذات الدلالة في الموقف في الـ 24 ساعة فيمكن التطرق إلى التالي:

  1. بقاء قصف العدو منصباً على قطاع غزة بشره وحجره.
  2. بقاء قصف المقاومة في غزة وفي لبنان اشتباكها مع العدو بالنار المباشرة والقوسية.
  3. الساعة 1130 قصف غلاف غزة بالمدفعية والصواريخ المناسبة .
  4. الساعة 1505 قصف قاعدة ” حتسوريم ” الجوية .
  5. الساعة 1611 استهداف موقع ” جل العلام ” قبالة ” علما الشعب ” بصاروخ مضاد للدبابات .
  6. الساعة 1655 قصف موقع عسكري في تلة الطحيات الجنوبية بصاروخ مضاد للدروع.
  7. تكرر الاشتباك مع العدو بنار مضادات الدروع من قبل ” حزب الله ” في أكثر من مكان وزمان. الأمر الذي استدعى رد العدو على مصادر النار مما تسبب في ارتقاء شهدين لـ “حزب الله ” في منطقة الجنوب.
  8. الساعة 1900 قصف منطقة ” غوش دان ” بصلية من صواريخ المقاومة الفلسطينية.
  9. الساعة 2000 قصف ” تل الربيع “، الذي تكرر في الساعة 2100 .
  10.  الساعة 2340 الإعلان عن استهداف بعض القواعد الجوية الأمريكية في العراق بالطائرات المسيرة الانتحارية .

ثانياً: التحليل والتقدير :

لن نطيل التحليل ، فالمشهد يصف نفسه ، ( الأصيل ) و ( وكيله ) في مأزق ، والمقاومة في غزة وناسها تحت الضغط والحصار ، والداعمون للمقاومة والمؤيدون لها في تململ واشتباك مع العدو ، فلا الأول أطلق صافرة الانطلاق ، ولا الثاني كسر حاجز الخوف والتهيب ، فبقي متهيباً منتظراً ظرفاً مناسبا ً علّه ينهي مراوحته والانتظار ، أما الثالث ـ المقاومة ـ فلا رفعت راية بيضاء ولا صدر عنها ما يشي أنها في مأزق ـ وإن كانت مضغوطة ـ فصواريخا تنطلق وفق برامجها هي ، وبعض جنودها ما زالوا ـ وبشهادة عدوهم ـ في مناطق غلاف غزة ، منتظرين غير مشتبكين ، وما تقوم به المقاومة في جنوب لبنان يفعل فعله ، فالعدو ما زال غير قادر على نقل قوات نظامية من الشمال هو في أشد الحاجة لها في الجنوب ، ودخول الجبهة العراقية على خط الاشتباك أربك الأصيل ، فبدى ظهره مكشوفاً ، وقرأ الرسالة وفهم مضمونها . ولكن هناك للعدو أهدافٌ ـ تأمين الكيان وخفض حدة التهديد جنوباً  ـ يريد تحقيها دون أن يفتح على نفسه باباً جديداً ، وتهديداً لا يملك للتعامل معه فائضاً من الموارد ، فهل يبقى يراوح في المكان ؟ فتتحلل معنويات جنوده ـ المتحللة أصلاً بعد مفاجأة السابع من أيار ـ مع طول مكوثهم ، وبداية تملل جبهتهم الداخلية .

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

عبد الله أمين

19 10 2023

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي