
شبكة الهدهد
✍️ عبد الله أمين الخبير الأمني والاستراتيجي
أولاً: الموقف
لليوم الثالث على التوالي، ما زالت صولات وصفحات معركة “طوفان الأقصى” التي أطلقتها كتائب عز الدين القسام السبت الماضي، ما زالت صولاتها تتوالى وصفحاتها تُطوى، فقد زاد العدو من شدة قصفه ومن مختلف صنوف الأسلحة على مدن ومخيمات غزة، موقعاً مزيداً من الخسائر في أرواح المدنيين وممتلكاتهم.
فقد أخرج العدو من صندوق إجراءاته ما يعرف بإجراء “عقدية الضاحية” والتي تهدف إلى تكبيد البيئة الحاضنة للمقاومة أكبر كم من الخسائر في الأرواح والممتلكات، في جهد الغاية منه إيجاد روافع ضغط يستخدمها للضغط على قيادة المقاومة، علّه يفقدها توازنها وسيطرتها على الموقف.
كما استمرت في 24 ساعة الماضية عمليات المقاومة في عمق الأرض المحتلة؛ فقد ذكرت وسائل الإعلام، والمتحدثون الرسميون باسم فصائل المقاومة، أن قواتهم ما زالت تقاتل في مغتصبات غلاف غزة، وأن المقاومة قد قامت بعمليات تبديل للقوات وإمدادها بالعتاد والسلاح في أكثر من موقع.
كما شوهدت آليات العدو ومدرعاته وهي تقوم بعمليات الحشد والتجمع في مناطق شمال بيت حانون، حيث اتخذت هذه القوات من تلك المناطق مناطق حشد وإدارة عمليات، كما واصل العدو اكتشاف المزيد من قتلاه في أكثر من موقع قتالي دخلته المقاومة، بحيث وصل عدد قتلاه إلى ما يناهز الـ 1000 قتيل، وما لا يقل عن 150 أسيراً ومفقوداً، فضلاً عن 2700 مصاب؛ إصابات بعضهم حرجة.
واصلت مجاميع المقاومة في الضفة الغربية محاولة الاحتكاك مع قوات العدو المنتشرة في قراها ومدنها، والمتموضعة على الحواجز، ونقاط التفتيش الدائمة والظرفية.
وقد برزت في الـ 24 ساعة الماضية أهم النقاط التالية والتي أضفت على الموقف مزيداً من التعقيد والسخونة:
- بدء عمليات حشد العدو في مناطق غلاف غزة، خاصة شمال بين حانون.
- إعلان العدو عن إخلاء معظم مغتصبات غلاف غزة.
- إعلان العدو عن إخلاء معظم مغتصبات شمال فلسطين.
- إعلان الناطق العسكري الصهيوني عن تجنيد 300 ألف من جنود الاحتياط تحت بند الاستدعاء رقم (8).
- تكثيف قصف العدو على مدن ومخيمات القطاع، وسواحله الغربي، ما أدى إلى مقتل 4 من أسرى العدو وآسريهم.
- تكثيف العدو قصفه على الحافة الأمامية لمنطقة القتال شرق قطاع غزة.
- في الساعة 14:07 أعلن عن خروج رشقة صواريخ من جنوب لبنان، ثم تبين أن العملية التي تمت في منطقة “الظهيرة” عبارة عن عملية تسلل قامت بها مجموعة من “سريا القدس” على موقع للعدو، قتل فيه 2 من جنود العدو، وبُلّغ عن استشهاد منفذين من المجموعة المقتحمة، وإصابة ثالث وفقدان أثر الرابع.
- بدء العدو بإجراء ما يعرف بـ “عقيدة الضاحية” والتي تهدف إلى تدمير أكبر كم من المباني وإلحاق الخسائر بالمدنيين والعزل، ولكن هذه المرة دون قيام العدو بتفعيل إجراء الإنذار الذي يسمح للمستوطنين بإخلاء منازلهم، ما دفع قيادة كتائب القسام بالإعلان الساعة 19:55 على لسان الناطق الرسمي باسمها “أبو عبيدة”، أنها ستقوم بعمليات إعدام مصورة لأسرى مدنيين مقابل كل تدمير وقتل بدون إنذار مسبق.
- أعلن البنتاغون وعلى لسان قائد المنطقة الوسطى أنه سيزيد من وتيرة التنسيق العملياتي والمعلوماتي مع “العدو الإسرائيلي”.
- ذكر العدو أن لواء المظليين النظامي هو من يقوم بعمليات التطهير والتمشيط في مغتصبات غلاف غزة.
- في الساعة 21:00 أعلنت المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله) عن استشهاد ثلاثة من عناصرها في عمليات الرد التي قام بها العدو على عملية “الظهيرة” ما دفع حزب الله إلى القيام الساعة 21:25 بقصف قاعدتي “برانيت” و “أفوفيم” وهي مركز قيادة لكتيبة في اللواء الغربي من المنطقة الشمالية، قصف تلك المواقع برشقات الهاون والصواريخ الموجهة.
- كما أعلنت كتائب عز الدين القسام في الساعة 22:20 أنها تمتلك عدداً كبيراً من الأسرى والمعتقلين، وأنها لن تفاوض عليهم تحت النار، كما قللت من خطورة تهديد العدو بعملية اجتياح بري لقطاع غزة، معيدة التذكير أنها قامت بعمليات تبديل للقوات وإمدادها بالعتاد في مختلف محاور القتال، كما ذكّر الناطق الرسمي باسم الكتائب بأهمية قيام أهل 48 بدورهم في هذا المعركة، بالشكل والقدر الذي يستطيعون القيام به.
- دعا رئيس حكومة العدو المكونات السياسية في كيانه المؤقت إلى تشكيل حكومة طوارئ وطنية.
- إعلان العدو قطع خطوط الماء والكهرباء عن قطاع غزة بالكامل.
ثانياً: التحليل
ما زال العدو غير مالك لزمام المبادرة في المعارك التي يخوضها ضد مجاميع المقاومة التي دخلت إلى فلسطين المحتلة، وتقاتل في أكثر من بقعة قتال، الأمر الذي جعله يقوم بتفعيل إجراء “عقيدة الضاحية” ضد مدن ومخيمات قطاع غزة، في إجراء ناري لا يخدم المناورة البرية، فكثافة النار في عمق القطاع لا تخدم ما يهدف له العدو من تشكل رؤوس جسور ونقاط ارتكاز عملياتية في مناطق القتال الحالية، بغية استخدامها كمنطلقات لعمليات (التطهير) لإعادة الموقف إلى ما كان عليه قبل معركة طوفان الأقصى.
كما أن حشد العدو في مناطق شمال القطاع، واستماتته في إعادة السيطرة على مغتصبة “سيدروت” ينذر بإمكانية قيام العدو بعمليات تطويق وحصار بعض قوات المقاومة العاملة على محور بيت حانون “سدروت” وفصل هذه الجغرافيا عن باقي منطقة العمليات، وأخذها بما فيها ومن فيها كرهائن يفاوض عليها مقابل ما لدى المقاومة من أسرى.
يرمي العدو من تكثيف قصفه على مدن القطاع ومخيماته إلى ممارسة ضغط على قيادة المقاومة ودفعها إلى التفاوض تحت النار، لما يحققه هذا الأمر من مكاسب للعدو.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن إعلان العدو لحالة الحرب، وتكثيف قصفه لمدن ومخيمات القطاع يشي بأنه لا يعير مسألة الأسرى الذين في يد المقاومة الاهتمام المتوقع أو المطلوب، انطلاقاً من مسألة أن من فقد 1000 قتيل ومرشحين للزيادة؛ لا يضيره أن يصبح هؤلاء 1200 قتيل، في سبيل سلب المقاومة أحد أهم الأوراق التي تملكها لاستثمار النصر بعد وقف القتال، ولترميم صورة الكيان ومؤسسته العسكرية التي تهشمت، الأمر الذي يجب الانتباه له، وإعارته الاهتمام المطلوب.
أما عن إعلان الدعم الأمريكي وزيادة التنسيق المعلوماتي والعملياتي، فالهدف منه إرسال رسائل إلى من يهمه الأمر -محور المقاومة- أننا قريبون من منطقة العمليات، وأننا على أهبة الاستعداد للتدخل إذا اقتضى الأمر، ما دفع رئيس وزراء العدو إلى دعوة المعارضة إلى تشكيل حكومة طوارئ وطنية يشارك فيها الجميع، تحملاً للمسؤولية، وتخفيفاً عنه ثقل تبعات هذه الحرب ولجان التحقيق التي ستليها، وتلبية لطلب أمريكي لا يرى في الحكومة الحالية أنها تمثل “الكل الإسرائيلي”.
نختم بأنه ومع ما أظهرته قيادة المقاومة من سيطرة على الموقف؛ يجب عليها التفكير الجدي بكيفية سحب وإعادة قواتها المتوغلة في مناطق غلاف غزة، وبأقل الخسائر، وتجنيبها الحصار أو العزل عن مؤخراتها، لما لهذا الأمر من أثر نفسي وتعبوي على نتائج المعركة النهائية.
ثالثاً: التوصيات:
- العمل على منع تقطيع الجبهة وتحولها إلى مجموعة جزر معزولة.
- ضرب مناطق حشد العدو وتجمعاته، ومنعها من الاستقرار المريح فيها.
- ضرب خطوط إمداد العدو الواصلة بين مناطق الحشد ومحاور القتال وجبهاته.
- العمل على منع حصار أو عزل قوات المقاومة وقطع خطوط انسحابها، تجنباً للأسر أو القتل.
- تفعيل اشتباك مدن وقرى الضفة الغربية، وزيادة احتكاكها مع العدو، خاصة مدينة الخليل لما تمثله من ثقل بشري وتنظيمي، وما تملكه من قدرات قتالية فردية وتنظيمية، ولقربها من منطقة عمليات غزة.
- المزيد من الاحتكاك مع قوات العدو المتحركة باتجاه جبهة غزة والتي تمر عبر طرق ومحاور النقل التي تقطع مدن وقرى الضفة الغربية.
- محاولة رفع وتيرة الأعمال الشعبية المؤيدة للمقاومة، خاصة في دول الطوق، وعلى الخصوص في الأردن، ومحاولة إيصال مظاهرات التأييد إلى أقرب نقطة من فلسطين المحتلة.
- تحين الفرص المناسبة للاحتكاك والاشتباك الهادف مع العدو من جبهة جنوب لبنان، لتثبيت قدرات العدو، ومنعه من نقلها إلى جبهة غزة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
Facebook Comments