أخبارشؤون دولية

تحليل| انتصار أذربيجان سيؤثر على كيان العدو أمام إيران

#ترجمة_الهدهد

“أكثر من 100 ألف أرمني من أصل 120 ألفًا يعيشون في “ناغورنو كاراباخ”، فروا من الجيب الذي احتلته أذربيجان، فيما لا يزال عشرات الآلاف من طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى أرمينيا لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم التالية أو أين سينامون ليلاً، ولا يحلمون بالعودة إلى ديارهم، وقالت امرأة أرمينية لقناة إخبارية محلية، الآن ستبدأ هناك مذبحة، لن يبقى أي أرمني هناك”.

خصص رئيس الوزراء الأرميني “نيكول باشينيان” نحو مليون دولار لشراء الغذاء والدواء للاجئين، وذكرت حكومته أنها ستتمكن من تنظيم نحو 40 ألف شقة لهم، كما قامت دول غربية -بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا وإسبانيا- بتحويل تمويل للمساعدات، ولكن في هذه الأثناء، هناك نقص في الخدمات الصحية العاجلة والأدوية وغيرها من الوسائل اللازمة للتعامل مع تدفق اللاجئين الذين يعيشون تحت حصار أذربيجان منذ أكثر من تسعة أشهر، وأعلنت حكومة هذه الجمهورية غير المعترف بها، الخميس، أنها ستحل في الأول من كانون الثاني/يناير.

لكن بالنسبة لأذربيجان فإن المأساة الأرمنية تمثل نصراً سريعاً انتهى خلال 24 ساعة من بدء الهجوم في 19 سبتمبر/أيلول. وسوف تصبح منطقة “ناجورنو كاراباخ” جزءاً لا يتجزأ من أذربيجان، التي لا تنتهي طموحاتها عند هذا الحد، وليس طموحاتها فقط، في الأسبوع الماضي، عقد الرئيس الأذربيجاني “إلهام علييف” اجتماعًا استعراضيًا مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، ولم يلتقيا في العاصمة “باكو”، بل في جيب “ناختشيفان” الأذربيجاني الواقع ضمن أراضي أرمينيا.

في الاجتماع، قال “أردوغان” نشأت فرصة الآن لتسوية الوضع في المنطقة، ولا ينبغي تفويت هذه الفرصة، الفرصة التي كان يتحدث عنها تم الإعراب عنها بصيغة أكثر وضوحًا في كلماته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عشية الهجوم على إقليم “ناجدغورنو كاراباخ”، وأضاف: “إننا نؤيد الخطوات التي اتخذتها أذربيجان، التي نعمل معها معًا تحت شعار “أمة واحدة، ودولتان”، لحماية أراضيها السيادية، هكذا ينظر أردوغان إلى مكانة تركيا ودورها في منطقة القوقاز بأكملها، باعتبارها الشقيقة الكبرى أو الدولة الأم للشعوب التركية.

هذه ليست المعركة الأولى التي تساعد فيها تركيا أذربيجان في حربها للقضاء على الجيب الأرمني، أيضا خلال الأسابيع الستة من معركة 2020 التي قُتل فيها آلاف الأشخاص، قدمت أنقرة مساعدات عسكرية للأذريين ونقلت مئات المقاتلين السوريين من الميليشيات الموالية لتركيا إلى الميدان، وكما هو الحال اليوم، كان كيان العدو “الإسرائيلي” شريكًا نشطًا وحيويًا لأذربيجان، وباعها طائرات بدون طيار وذخيرة وأسلحة بمليارات الدولارات، وتزود “باكو”  كيان العدو بحوالي 40% من إمدادات النفط التي عبر خط أنابيب يصل إلى تركيا عبر جورجيا.

 وبحسب مصادر أجنبية تسمح أذربيجان للكيان أيضا بتشغيل مراكز تنصت وجمع معلومات استخبارية عن إيران، الفرق هو أنه في عام 2020، كان لا يزال هناك خصومة سائدة بين تركيا والكيان، ولم يكن بينهما علاقات دبلوماسية كاملة، والتعاون التجاري والاستخباراتي فقط هو الذي يعزز العلاقة الهشة بينهما، والآن، وبعد تجديد العلاقات الدبلوماسية مع تركيا، يمكن الحديث عن تحالف استراتيجي ثلاثي علني تساهم فيه كل دولة بنصيبها.

ليس مجرد تحالف مصالح..

لكن هذا ليس مجرد تحالف تكتيكي بين ثلاث دول تهدف إلى تحقيق مصالح محلية فقط، تعمل تركيا على بناء نفسها كمركز لتسويق الغاز، وتسعى جاهدة للوصول إلى مكانة قوة عظمى إقليمية، إنها لا تضيع الوقت وتخطط مع أذربيجان لإنشاء خط أنابيب يربط بينهما، وحتى بناء ممر بري يمر عبر أرمينيا، وتعارض أرمينيا ذلك مثلها مثل إيران، مثل هذا الممر، الذي ستمر فيه أيضًا خطوط أنابيب الغاز، يعني بالنسبة لأرمينيا سيطرة، أو على الأقل تواجد تركي وأذربيجاني في جنوبها، في حين ترى إيران أن الممر الذي سيمر على مقربة من حدودها قد يقطعها عن أرمينيا، وكذلك عن روسيا.

لكن من ناحية تركيا وأذربيجان، فهذه هي الفرصة التي كان يتحدث عنها “أردوغان”، وعي نشأ ليس فقط على خلفية ضعف أرمينيا وعدم قدرتها على مساعدة سكان “ناغورنو كاراباخ” يُنظر إلى روسيا الآن على أنها غير راغبة وغير قادرة على الانخراط في صراع آخر، سياسيًا أو عسكريًا، لمساعدة أرمينيا، وعلى عكس حرب 2020، لم تشارك القوات الروسية إلى جانب الأرمن، على الرغم من التزامهم بموجب اتفاقية التعاون العسكري مع أرمينيا، بل إن موسكو ألقت باللوم على يريفان في الفشل الذريع الذي أدى إلى سقوط “ناغورنو كاراباخ”.

تشعر روسيا بالغضب من “باشينيان”، لأنه “يغازل الغرب”، بحسب نائب رئيس مجلس الأمن القومي، “ديمتري ميدفيديف”، لكنها في مكان مختلف عما كانت عليه في عام 2020، قبل الحرب في أوكرانيا وفرض العقوبات الدولية، هذه المرة لا تستطيع موسكو تحمل مواجهة مع أذربيجان، التي تنقل من خلالها كميات هائلة من الغاز من خلال التحايل على العقوبات، وفي مثل هذه الأوقات، أيضا التحالف العسكري مع أرمينيا وضع في الدرج حتى تتمكن موسكو من الاستمرار في تمويل حربها.

مكانة روسيا الجديدة أيضاً تؤثر على سياسة إيران في القوقاز، وهي أيضا ملزمة باختيار أي من الصراعات التي تريد التدخل فيها، وقبل الغزو الأذري الأخير، حذرت طهران “باكو” من نشر قوات في “ناغورنو كاراباخ”، بعد أن بدأ الهجوم وخاصة عندما انتهى، استجمعت نفسها وبدأت تفحص العواقب، وتخشى الجمهورية الإسلامية من الممر البري الذي تسعى تركيا وأذربيجان إلى إقامته.

لكن بعد أن قال أردوغان إنه إذا لم يتم التوصل إلى تسوية مع أرمينيا فهو مستعد لمرور الممر عبر إيران، غيرت الأخيرة لهجتها وتدرس الفوائد التي ستعود عليها، وبعيداً عن قضية “الممر”، تسعى إيران إلى تحسين علاقاتها مع أذربيجان، وذلك لمنع تحولها إلى مسرح للنشاط “الإسرائيلي”، وكذلك لمنع اشتعال التوترات العرقية، وهو قلق يبرز كلما ورد ذكر الارتباط التاريخي بين أذربيجان التي ضمت إلى روسيا في اتفاقية الاستسلام عام 1828، والإقليم الذي يحمل نفس الاسم في إيران.

طهران أيضا لا تريد الدخول في صراع مع تركيا، التي يمر عبرها الغاز الإيراني أيضًا. لدى كلا البلدين مصلحة مشتركة في كبح جماح المعارضة الكردية، التي يعتبرونها حركة إرهابية، وهكذا تجد إيران نفسها محاصرة بالقيود الجيوسياسية، التي تجبرها على الحفاظ على علاقة حساسة مع دولتين تربطهما علاقات وثيقة مع الكيان.

وفي الوقت نفسه، فإن روسيا -حليفتها في وضع سيئ يسمح للتحالف “الإسرائيلي” التركي الأذربيجاني بتحقيق طموحاته على حساب إيران، وقد ثبت ذلك أيضًا في الحرب الخاطفة في “ناجورنو كاراباخ”.

هآرتس / تسفي بارئيل

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي