
ترجمة الهدهد
بسرعة مفاجئة بدأت تسقط الحواجز بيننا وبين السعودية، زيارة علنية لـ “وزير السياحة” في المملكة، وزير الاتصالات يطلب منذ الآن بأن تُبنى له مظلة قبيل زيارته في الأسبوع القادم، وإحساس عام بأن ها هو السلام يأتي.
التطبيع مع السعودية سيشكل اختراقاً دراماتيكياً للعالم العربي، لكن لا يقل دراماتيكية عنه هو الخطر الكامن في الاتفاق، وهو الطلب السعودي لبرنامج نووي.
في كل صفقة وفي كل اتفاق توجد عناصر ثمن ومساومة، أما هذه المرة فمطلوب من “إسرائيل” أن تتخلى عن مبدأ أساس في مفهومها الأمني، فمنذ عشرات السنين و”إسرائيل” تعمل على إحباط إقامة أي برنامج نووي في المنطقة، بحيث تبقى الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تنسب لها قدرة نووية، أما المطلب السعودي لامتلاك القدرة على تخصيب اليورانيوم فيهدد بأن يسلب من “إسرائيل” مكانة المتفوق في المنطقة ويحرك سباق تسلح نووي.
“اتفاق نووي مع السعودية سيكون إنجازا غير عادي لـ “إسرائيل”، لكن السؤال هو بأي ثمن”؟
يقول لي اللواء احتياط “اودي ادام” المدير العام السابق لدار البحوث النووية في ديمونا: “إعطاء السعودية قدرة إنتاج مادة مشعة، سيجعلها دولة نووية، وهذا ثمن جسيم أكثر مما ينبغي، قدرة تخصيب اليورانيوم هي قدرة على مسافة قريبة من قرار يمكن تحويلها إلى برنامج نووي عسكري، السعودية حتى لا تحاول إخفاء حقيقة أنها معنية بوضع أساسات في برنامج نووي عسكري يسمح لها بإنتاج سلاح نووي في اليوم الذي تكون فيه لإيران قنبلة أولى، باقي الدول في المنطقة لن تبقى لا مبالية تجاه إعطاء قدرة كهذه للسعوديين، بعد لحظة من السعودية سيبدأ الأتراك والمصريون والإماراتيون بتطوير برنامج نووي خاص بهم، ونحن سنقف أمام تحقق كابوس شرق أوسط نووي.
في المنظومة الأمنية – الاستخبارية، يوجد إجماع بموجبه لا يمكن لـ “إسرائيل” أن تتعايش مع وضع تكون فيه السعودية دولة حافة نووية، وبالتأكيد ليس أمام سباق تسلح نووي إقليمي، فما بالك إعطاء شرعية لتخصيب اليورانيوم في السعودية مما سيسحب البساط من تحت كل حجة “إسرائيلية” ضد إيران، فإذا كان مسموحاً للسعوديين – فلماذا يكون محظورا على الإيرانيين تخصيب اليورانيوم؟
السؤال المفتوح هو هل سيكون ممكنا الحصول على ضمانات أو إنشاء نظام رقابة على السعوديين يمنعهم من تطوير برنامج عسكري، والأجوبة عليه منقسمة، نحن ترى في إيران ماهي قيمة نظام الرقابة، يدعي “أودي آدام”: “في الدول الشمولية يكون كل شيء متعلقاً بنية الحاكم الطيبة، في المقابل ثمة من يعتقدون انه سيكون ممكنا تطوير آلية يحوز فيها الأمريكيون على مفتاح تخصيب اليورانيوم، وبدونهم لا يمكنه أن يتم التخصيب”.
في هذا الاتفاق الشيطان يوجد في التفاصيل الصغيرة، من يتعين عليهم أن يمروا على التفاصيل وأن يقرروا إذا كانوا سيعطون الموافقة على مثل هذه الصفقة، هم أولاً وقبل كل شيء رجال لجنة الطاقة الذرية في “إسرائيل” وبعدهم الخبراء الفنيون في الموساد وفي شعبة الاستخبارات.
نافذة الزمن القصيرة للوصول إلى اتفاق قبل أن تغرق الولايات المتحدة في حملة الانتخابات للرئاسة – نحو نصف سنة – ستزيد ضغط القيادة السياسية على المهنيين لإعطاء مباركتهم للصفقة.
ما أفهمه، يفهمه أيضاً عناصر لجنة الطاقة الذرية، وهم أيضاً يعارضون قدرة نووية في السعودية، يقول “آدم” عنهم: “آمل أن تكون لديهم القدرة على ألا يتراجعوا وأن يقفوا عند رأيهم المهني في وجه نزوات القيادة السياسية، وأمام معارضة الجهات المختصة سيكون من الصعب على رئيس الوزراء تمرير الاتفاق”.
في هذه اللحظة فإن الوحيدين الذين يوجدون في تفاصيل الاتفاق هم أناس اللجنة والموساد، بينما الجيش ووزارة الجيش مقصيان حالياً عن الاتفاقات المزمعة، توصيتهم حرجة، حيث إنه إذا ما تحطم السد وأغرقت المواد النووية الشرق الأوسط، فلن يكون ممكنا إعادة الوضع على سابق عهده، ليس مثلما في قضية الغواصات لمصر أو F35 للإمارات، سيكون صعباً على “نتنياهو” هذه المرة أن يتجاهل توصية الجهات المختصة، وهو سيدفعهم لأن يمنحون له ختم شرعية الصفقة.
إن حماسة الشركاء الثلاثة للوصول إلى اتفاق في الأشهر القريبة القادمة واضحة
ولي العهد محمد بن سلمان في وضعية مريحة للغاية، هو معني بالصفقة كما هي، دون دوافع إضافية وهو في هذه الصفقة يحصل فقط على ما يريد، كما انه يعرف من المشكوك فيه أن تمنحه الإدارة التي ستأتي بعد “بايدن” صفقة أحلام كهذه.
الرئيس الأمريكي متحمس لإمكانية خفض أسعار الوقود قبل الانتخابات، بينما رئيس وزراء “إسرائيل”، الطرف الأكثر هامشية في الاتفاق، سيحظى باختراقه تاريخية إلى العالم العربي – الإسلامي وإلى جانبه ربح سياسي لا بأس به، لكن إضافة إلى الموضوع النووي، سيتعين على “نتنياهو” أن يدفع الثمن بعملات صعبة أخرى: تنازلات للفلسطينيين وتآكل للتفوق النوعي التقليدي لـ “الجيش الإسرائيلي” في المنطقة.
العائق الأكبر للاتفاق يوجد في التلة التي يقع عليها مجلس النواب الأمريكي، من الصعب أن نرى كيف سينجح الرئيس “بايدن” في أن يجلب ثلثي الكونغرس لتأييد صفقة تغدق النووي والسلاح المتطور على دولة لا يزالون فيها يقطعون الرؤوس ويقطعون الأعضاء في ميدان المدينة، ليس مؤكداً أن “نتنياهو” اليوم سيكون قادراً على أن يجند أصوات الجمهوريين اللازمين لتبرير الاتفاق، وعليه فمن السابق لأوانه كي البدلات والجلابيات للاحتفال في ساحة البيت الأبيض.
العوائق في الطريق عالية ومعقدة وقلة، فقط في جمهور الاستخبارات مستعدون منذ الآن أن يراهنوا على أن الصفقة ستتحقق بالفعل، فالبشرى الجيدة لـ “إسرائيل” من الاتفاق مع السعودية هائلة – سياسياً، اقتصادياً وتاريخياً، لكن أيضاً الثمن اللازم لها هو الآخر باهظ، وبرأي الكثيرين، باهظ أكثر مما ينبغي.
المصدر: معاريف/ الون بن دافيد
Facebook Comments