أخبارمقالات إستراتيجية

حان الوقت لاتخاذ قرارات مصيرية

ترجمة الهدهد

إن “”إسرائيل” مطالبة باتخاذ قرارات مصيرية فيما يتعلق بمستقبلها وشكلها، فمن ناحية، هناك إمكانية لعقد اتفاق سلام تاريخي مع السعودية برعاية الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى، فإن النضال على شكل “إسرائيل” يكتسب زخماً وقد يتدهور إلى أزمة دستورية، بطريقة قد تقوض الأسس الديمقراطية الليبرالية لـ “إسرائيل” وتعميق الضرر الذي يلحق الأمن والحصانة الوطنية.

كل هذا، في وقت تزداد فيه التهديدات الخارجية التي تواجهنا، وعلى رأسها إيران وحلفائها في المنطقة، فهي ترسيخ مكانتها كدولة عتبة نووية، وتواصل عمليات مراكمة القوة العسكرية، يجب أن نضيف إلى ذلك انفجار وغليان الساحة الفلسطينية، ويتجلى ذلك في تجدد الاحتكاكات العنيفة حول السياج الشرقي لقطاع غزة بمبادرة من حماس، وفي الجهود الرامية إلى تنفيذ هجمات على داخل “إسرائيل” باستخدام عبوات ناسفة معيارية وبتدخل أو مشاركة متزايدة من إيران.

الصفقة السعودية والمخاطر

أثار كلام ولي العهد السعودي في مقابلة مع شبكة فوكس التلفزيونية، بأن كل يوم يمر نقترب من اتفاق التطبيع مع “إسرائيل” التوقعات بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق في المستقبل القريب، إلا أن الطريق ما زال مليئاً بالتحديات والعقبات.

تخصيب اليورانيوم

بالنسبة لـ “إسرائيل”، فإن الطلبين السعوديين لتطوير دائرة الوقود النووي الكاملة في أراضي المملكة (التي تشمل القدرة على تخصيب اليورانيوم) والحصول على منظومات أسلحة نووية حديثة ومتطورة، يجسدان مخاطر استراتيجية على الأمن القومي، وذلك بسبب الخوف من بدء سباق تسلح نووي إقليمي وإلحاق الضرر بالتفوق النوعي لـ “الجيش الإسرائيلي”، وعلى خلفية ذلك الفهم بأن ولي العهد السعودي يسعى جاهداً إلى اللحاق بإيران في سباق الحصول على القدرات النووية العسكرية، وقد عبر عن ذلك في مقابلة مع قناة “فوكس” عندما أوضح أنه إذا طورت إيران قنبلة نووية فإن السعودية ستحذو حذوها.

القضية الفلسطينية

يمكن أن تشكل القضية الفلسطينية تحدياً كبيراً آخر، وذلك نظراً للمطالب المتوقعة، التي لم يتم الكشف عنها علناً بعد من قبل ولي العهد السعودي والرئيس الأمريكي “جو بايدن”، في المقابل، هناك علامات استفهام حول مدى استعداد “رئيس الوزراء نتنياهو” وقدرته السياسية على الرد عليها بشكل إيجابي، ويبدو أن المطالب قد تشمل، الاعتراف بمبدأ الدولتين، وتجنب اتخاذ المزيد من الإجراءات الأحادية الجانب لتوسيع المستوطنات، ووضع حد لسياسة العقوبات الاقتصادية، وافتتاح قنصلية أمريكية في القدس الشرقية، ومن الممكن أيضاً أن تطالب المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة “إسرائيل” بنقل أراضي من الضفة الغربية (من المناطق ج و/أو ب) إلى السيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية.

المحور الراديكالي

يضاف إلى ذلك الجهود المتوقعة من المحور الراديكالي وعلى رأسه إيران لإثارة استفزازات تؤدي إلى تخريب أو على الأقل إلى تأخير الاتصالات، ويرجع ذلك إلى الإسقاطات المباشرة للاتفاق على الوضع الاستراتيجي لدول المحور، وليس من قبيل الصدفة أن الرئيس الإيراني قد صرح بالفعل أن التطبيع “لن ينجح”.

الإطار الزمني

أخيراً، فإن المدة الزمنية للتوصل إلى الاتفاق هي بضعة أشهر نظراً لحاجة موافقة مجلس الشيوخ بأغلبية الثلثين وإجراء الانتخابات الرئاسية وللكونجرس في نوفمبر 2024، وهذا يعني أن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” سيضطر – في العام الانتخابي – لحشد دعم ما لا يقل عن 16 عضوًا جمهوريًا في مجلس الشيوخ و51 عضوًا ديمقراطيًا في مجلس الشيوخ، بما في ذلك أولئك الذين لديهم موقف عدائي تجاه ولي العهد السعودي وموقف انتقادي تجاه “إسرائيل”.

قابلية انفجار النظام الفلسطيني

إن تجدد الاحتكاكات العنيفة على حدود غزة وإطلاق البالونات الحارقة التي بادرت بها حماس، إلى جانب الجهود المستمرة التي تبذلها العناصر الإرهابية في شمال الضفة الغربية لتنفيذ هجمات، يعكس درجة قابلية الانفجار العالية الموجودة في النظام الفلسطيني.

يبدو أن الأحداث على حدود غزة كانت تهدف إلى تحقيق عدة أهداف في الوقت نفسه، وهي انتزاع المزيد من التسهيلات الاقتصادية من قطر، والتوضيح لـ “إسرائيل” ثمن الخسارة ورسائل تحذير من الخطوات الاستفزازية في الأماكن المقدسة في القدس، في الواقع، هذا هو جزء آخر من الجهود المستمرة التي تبذلها حماس لتحسين المواقف والظروف فيما يتعلق بقدرتها على العمل على تعزيز المقاومة سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية وحتى في لبنان، كل هذا، لتحضير الأرضية لتنفيذ الخطة الإستراتيجية لبسط السيطرة على الضفة الغربية.

تدفع هذه التطورات قوات الأمن إلى اتخاذ إجراءات مضادة أعمق، بطريقة تشكل عبئاً يتزايد باستمرار، وفي الوقت نفسه، تمتنع الحكومة عن اتخاذ خطوات لتعزيز السلطة، التي هي أصلاً في طور التراجع، وتعمل في الواقع على إضعافها، وفي الوقت نفسه، تعمل الحكومة على تعزيز سياسة توسيع المستوطنات والضم الفعلي للأراضي في الضفة الغربية.

التصعيد الإيراني متعدد الأبعاد

إيران هي التهديد الرئيسي لـ “إسرائيل”، وهي في طور تعزيز متعدد الأبعاد، مع تحسين مكانتها على الساحة الدولية والإقليمية، كل هذا يعكس الثقة بالنفس والجرأة المتزايدة لتحدي “إسرائيل”.

في المجال النووي، تعمل إيران على تثبيت مكانتها أو وضعها كدولة عتبة نووية، وقد جمعت إيران حتى الآن ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% (121 كجم)، وهو ما قد يسمح لها في غضون أسابيع قليلة في ضوء قرار المرشد بالحصول على مواد انشطارية للعديد من منشآت التفجير النووي.

ويبدو أن الاتفاق مع الولايات المتحدة للإفراج المتبادل عن السجناء، مقابل تحويل 6 مليارات دولار كانت مجمدة في كوريا الجنوبية (وربما أموال إضافية من العراق)، يشمل على ما يبدو تفاهمات شفهية في المجال النووي، وفي هذا الإطار تمكنت إيران من الحفاظ على قدراتها في المجال النووي، وتعهدت في المقابل بتجنب التخصيب إلى نسبة 90% (المستوى العسكري المطلوب لإنتاج قنبلة نووية) وإبطاء معدل التخصيب إلى 60%.

وفي المجال العسكري، تواصل إيران تحسين قدراتها العسكرية، مع التركيز على الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار، إن توطيد العلاقات العسكرية مع روسيا والانتهاء المتوقع للعقوبات الأممية (القرار 2231) على النظام الصاروخي الإيراني في أكتوبر قد يسمح لها باتخاذ خطوة إلى الأمام في هذه المجالات، ويدل القرار الإيراني بإبعاد ثلث مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية العاملين في البلاد، على تنامي ثقة إيران بنفسها في الوقت الحاضر.

في الوقت نفسه، تعمل إيران على تأجيج أنشطة العناصر المسلحة من خلال التوجيه ونقل الأموال والتزويد بالأسلحة والعبوات الناسفة، وذلك بسبب الرغبة في تشجيع الهجمات ضد “إسرائيل” من الضفة الغربية وقطاع غزة وليس من لبنان، بسبب الرغبة في الحفاظ على قدرات حزب الله، وإلى جانب ذلك، تواصل إيران مساعيها لتنفيذ هجمات ضد اليهود وضد “أهداف إسرائيلية” حول العالم، وبحسب رئيس الموساد، فقد تم إحباط 27 محاولة من هذا النوع منذ بداية العام.

التوصيات

يجب على “حكومة إسرائيل” أولاً وقبل كل شيء أن تعمل على وقف التدهور الداخلي واستعادة التماسك في “المجتمع الإسرائيلي” الذي كان أساس قوتنا منذ قيام الكيان، وتحقيقاً لهذه الغاية، عليها أن نلتزم بعدم إجراء أي تعديلات قضائية دون إجماع واسع النطاق والالتزام بأحكام المحكمة العليا، وهذا أيضاً ذو أهمية كبيرة في ضوء تصريحات الرئيس “بايدن” المتكررة حول ضرورة احتفاظ “إسرائيل” بطابعها الديمقراطي، كأساس للقيم المشتركة والعلاقات القوية بين الدول.

أما بالنسبة للصفقة السعودية، فيجب على “إسرائيل” أن تعارض أي خطة من شأنها أن تسمح بتخصيب اليورانيوم في أراضي المملكة العربية السعودية والتأكد من الحفاظ على التفوق النوعي لـ “الجيش الإسرائيلي”، وفي الوقت نفسه، بسبب التداعيات الاستراتيجية والأمنية بعيدة المدى للاتفاق وفي ضوء دروس الماضي، يوصى بإجراء عمل هيئة واسع النطاق وشامل يشمل جميع العناصر المهنية ذات الصلة.

في ظل التصعيد في غزة، خاصة في الفترة التي تسبق “عيد العرش”، وبالإضافة إلى استمرار العمليات الحازمة لمكافحة الهجمات، فإن الحساسية مطلوبة في كل ما يتعلق بالأماكن المقدسة وغيرها من بؤر التوتر المحتملة، ولمثل هذه السياسة أهمية خاصة فيما يتعلق بعملية التطبيع مع السعودية والعلاقات الخاصة مع الأردن.

المصدر: معهد السياسات والاستراتيجية بقيادة اللواء (احتياط) عاموس جلعاد

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي