التطبيع ومصالح العدو.. عملية نووية كاملة هي “إنذار خطر”

#ترجمة_الهدهد
لكيان العدو “الإسرائيلي” مصالح كثيرة سيتم التعبير عنها إذا ما تم توقيع اتفاقية التطبيع مع السعوديين بالتعاون مع الولايات المتحدة، لكن هل تشكل القدرة النووية في أيدي دولة واحدة أو أكثر في المنطقة خطرا؟ شركاء “نتنياهو” في الحكومة أوضحوا أنه ليس لديه مجال للمناورة لتقديم تسهيلات للفلسطينيين، وربما الكرة ليست في الملعب “الإسرائيلي”.
الإصرار على عملية نووية كاملة هو إنذار خطر
إن التوصل إلى اتفاق مع المملكة العربية السعودية سيكون موضع ترحيب ولا يمكن أن يكون هناك أي جدال حول ذلك، كما أن المكاسب التي سيحصل عليها كيان العدو بسببها ستكون هائلة، سواءً السياسية والاقتصادية والأمنية والدينية، ولكن النشوة المصاحبة لحقيقة أن مثل هذا الاتفاق يبدو في متناول اليد لا ينبغي لها أن تقلل من المخاطر الكامنة فيه، صحيح أن الكيان سيكسب الكثير، لكنه يضع الكثير على المحك أيضاً.
بدءًا من التحدي الكبير للتفوق العسكري النوعي (QME) في ضوء الأسلحة المتقدمة التي ستشتريها المملكة العربية السعودية كجزء من الاتفاقية، وانتهاءً بالخوف الملموس من تسارع التسلح النووي في الشرق الأوسط.
المطلب السعودي هو برنامج نووي للأغراض المدنية، وكجزء من ذلك، تطالب بإجراء عملية التخصيب بأكملها في أراضيها، وهذا سيسمح لها، إذا رغبت في ذلك، بالانتقال بسهولة إلى التخصيب العسكري -وهي الخطوة الرئيسية على الطريق نحو القنبلة، السعودية لا تعلن ذلك، لكن “محمد بن سلمان” قال بوضوح في مقابلة أجراها مع قناة “فوكس نيوز” الأسبوع الماضي، إنه إذا امتلكت إيران أسلحة نووية فإن السعودية ستفعل ذلك أيضا.
ولو كانت المملكة العربية السعودية مهتمة بالحصول على أسلحة نووية للأغراض المدنية فقط، لكان بوسعها أن تفعل ما فعلته إيران (مفاعل بوشهر) والإمارات العربية المتحدة: الحصول على الوقود النووي من دولة أخرى واستعادة الوقود المشعشع، يُظهر إصرارها على استكمال العملية أنها تريد على الأقل الاحتفاظ بشهادة ضمان لنفسها، لكن شهادة التأمين السعودية هذه هي علامة تحذير بارزة للكيان.
الأطراف التي تؤيد تلبية الطلب السعودي تطرح سببين رئيسيين، الأول أن المنشأة السعودية سيقيمها الأميركيون تحت مسؤوليتهم وإشرافهم، وسيكون من الممكن السيطرة عليها عن بعد، أي تعطيلها في أوقات الحاجة، وبعيداً عن صعوبة تنفيذ ذلك، فإن التجربة تعلمنا غير ذلك، وهو أن السعوديين سيكونون شركاء، وبمقدرتهم الاستيلاء على المشروع أو تأميمه (كما فعلوا مع شركة النفط أرامكو).
أما السبب الثاني، والذي طرحه أيضًا الوزير “رون ديرمر”، فهو أنه إذا لم يساعد الأمريكيون السعوديين، فإن الصينيين أو الفرنسيين سيفعلون ذلك، ومن المشكوك فيه ما إذا كان هذا المنطق سليماً أيضاً، ففرنسا لن تفعل شيئاً كهذا من دون موافقة أميركية، والصين غير قادرة على منح المملكة العربية السعودية ما تستطيع الولايات المتحدة أن تمنحها إياه في مجال التكنولوجيا، وخاصة في إنشاء جبهة مشتركة ضد إيران.
السياق الإيراني مثير بالطبع، وللكيان مصلحة واضحة في خلق جبهة مع السعودية (ومع دول أخرى في المنطقة)، كما أن لها مصلحة في تعميق التدخل الأميركي في المنطقة وفي خلق تهديد عسكري أميركي حقيقي وموثوق ضد طهران، ومن شأن الاتفاق مع المملكة العربية السعودية أن يساعد كل هذه الأمور، ولكن القضية النووية ليست أقل دراماتيكية، وفي وجود قدرة التخصيب لدى المملكة العربية السعودية، فإن دولاً أخرى – مصر وتركيا وغيرهما – ستعمل على تحقيق قدرة مماثلة، على نحو قد يسمح لواحدة منها (أو أكثر) بالحصول في نهاية المطاف على قنبلة نووية.
ولذلك، فإن “الموافقة الإسرائيلية”، إذا مُنحت الآن، يمكن أن تؤدي الى سباق نووي خطير قد تكون نهايته مأساوية: أسلحة نووية في أيدي دولة واحدة أو أكثر في منطقة غير مستقرة (بما في ذلك خطر دائم على النظام في المملكة العربية السعودية). صحيح أن المنطقة غير مستقرة حتى اليوم، ولكن من المشكوك فيه ما إذا كان على كيان العدو أن يستبدل عدم الاستقرار التقليدي بعدم الاستقرار غير التقليدي، لذلك فإن الحل ليس التخصيب في السعودية بل في منع التخصيب في إيران، وهذا هو ما يجب استهدافه في نشاط مشترك مع الأميركيين والسعوديين.
وعلى الهامش، تجدر الإشارة إلى أن هذه القضية أهم من السياسة، من السهل أن نتصور ما كان سيفعله “بنيامين نتنياهو” وشركاؤه بحكومة أخرى كانت ستدرس منح السعودية القدرة على تخصيب النووي، ورغم ذلك فمن المناسب إجراء نقاش موضوعي ومهني، مع السماح للمهنيين بالتعبير عن رأيهم بحرية ودون خوف، ويبدو أن خلال خلاصة كلامهم سيكون أن الاتفاق مع السعودية تاريخي ومهم وفيه إمكانات هائلة ولكن ليس بأي ثمن، وبالتأكيد ليس إذا كان الثمن ما يعرض أمن البلاد ووجودها للخطر.
عقبة “نتنياهو“
إذا نجحت الخطوة التاريخية للتوصل إلى اتفاق مع السعودية، بحسب وجهة نظر رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”، ووجد الفلسطينيون أنفسهم من دون دعم من العالم العربي ضد الكيان، فإنهم سيضطرون إلى التخلي عن كل طموحاتهم السابقة والتحرك نحو السلام معه، وهكذا، في الواقع، في الاتفاق مع المملكة العربية السعودية، الدولة العربية المهمة، سيتم التوصل إلى المفهوم الذي بموجبه، لكي يتم قبول كيان العدو في الشرق الأوسط والعالم العربي يجب عليها أولاً التوصل إلى اتفاقيات مع الفلسطينيين.
وقال “نتنياهو” للرئيس الأمريكي “جو بايدن” إن “مثل هذا السلام سيساهم كثيرا في إنهاء الصراع الإسرائيلي العربي وسيعزز السلام الحقيقي بين إسرائيل والفلسطينيين، إنه أمر في متناول اليد”، ووفقاً للمقربين منه فإن “السلام مع العالم العربي سوف يضع التطلعات الفلسطينية في حجمها ويسمح بإجراء محادثات واقعية حول السلام الذي لن يعرض أمن إسرائيل للخطر”.
ومع ذلك، من أجل الوصول إلى الهدف، سيتعين على “نتنياهو” في المرحلة المؤقتة أن يدرج بالفعل في الاتفاق خطوات يتم اتخاذها تجاه الفلسطينيين، لقد خرج شركاؤه في الحكومة “سموتريتش” و”بن غفير” وحتى أعضاء حزبه عن طورهم بعد دقائق من خطابه في الأمم المتحدة ليذكروه بأنه ليس لديه مجال كبير للمناورة لمثل هذه التسهيلات، ووجه بن غفير رسالة قبل دقائق فقط من دخول يوم السبت للتوضيح بأن نتنياهو لن يكون لديه حكومة على الإطلاق إذا ذهب إلى خطوات تشمل تنازلات إقليمية، وفعل “سموترتش” ذلك حتى قبل أن يسافر “نتنياهو” إلى الولايات المتحدة ثم في إعلانات نيابة عن حزبه تضمنت التزامًا بتعهداتهم بمواصلة الاستيطان.
ومع ذلك، فإن الجزء القدم الثالثة للاتفاقية تشمل التسهيلات للفلسطينيين – وهذه حقيقة بالفعل، وهو ما كرره “بايدن” في لقائه “بنتنياهو”، وكذلك “بن سلمان” في تصريحاته في الأسابيع الأخيرة، مسألة الجرعة والمحتوى أمر بالغ الأهمية، “سموتريش” لن يعارض التسهيلات الاقتصادية بمختلف أنواعها تجاه السلطة (الخطوات التي منعها حتى الآن)، لكن خطوات مثل تجميد البناء الاستيطاني ليست على جدول الأعمال، ليس مع الـ64 مقعدا الحالية التي تشكل الحكومة.
فهل تكون اللفتات الاقتصادية والدلالية، مثل الالتزام بالدخول في عملية السلام، كافية لخطة “نتنياهو” ذات المرحلتين: المملكة العربية السعودية أولاً، والفلسطينيون لاحقاً؟ “بايدن” و”بن سلمان” هم من سيقرران.
وإذا كانت المطالب على “إسرائيل” أكبر مما تستطيع أن تتحمله في هذه القضية، خاصة في ظل الواقع الأمني والسياسي الحالي، فإن “نتنياهو” سيضطر إلى الاختيار بين خيارين مع فرص نجاح منخفضة: حل حكومته لصالح “ائتلاف” مؤقت مع “غانتس” من أجل استكمال الخطوة (إذا وافق على دخول الحكومة – وهو أمر ليس على جدول الأعمال في هذه المرحلة)، أو تأجيل الاتفاق بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة على أمل أن يأتي إلى البيت الأبيض رئيس ذو توقعات أدنى فيما يتعلق بالفلسطينيين.
على أي حال، في هذه المرحلة سيحاول “نتنياهو” بكل قوته بيع الفلسطينيين التسهيلات التي لن تعرض حكومته للخطر.
التحالف الدفاعي بين واشنطن والرياض – مصلحة “إسرائيلية”
إن الصفقة الثلاثية التي يجري صياغتها حالياً بين الولايات المتحدة والكيان والسعودية تشتمل على عنصرين على الأقل ينبغي أن يثيرا قلق “تل أبيب”: طموح المملكة لبرنامج نووي خاص بها، والمطالبة بتنازلات كبيرة في السياق الفلسطيني، وهناك عنصران آخران في الواقع مرغوب فيهما: اتفاق تطبيع، وبالطبع، تحالف دفاعي بين واشنطن والرياض، إذا كان ذلك سيتم بالفعل.
من الصعب المبالغة في أهمية اتفاق التطبيع، إن القرار الدراماتيكي الذي اتخذه ولي العهد الطموح الأمير محمد بن سلمان بتغيير الاتجاه، والتخلص من عباءة المحافظة والتقوى الدينية التي ميزت أسلافه ومد يده من أجل السلام مع الكيان، بشروط أكثر ملاءمة على ما يبدو مما كانت عليه في الماضي، يمهد الطريق بالفعل من أجل شرق أوسط جديد.
وبهذه الروح، ليس لدى الكيان أيضاً أي سبب لمعارضة تشكيل تحالف دفاعي بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية، على غرار التحالفات القائمة بين واشنطن واليابان وكوريا الجنوبية، ويمكننا أن نذكر سببين على الأقل يكفيان لدعم الكيان لمثل هذا التحالف.
الأول: أن التحالف الدفاعي بين الرياض وواشنطن، والذي يتعهد الطرفان بموجبه بمساعدة بعضهما البعض في التعامل مع الهجمات من الخارج، قد يقلل من رغبة “بن سلمان” في الحصول على نووي، والذي يمكن أن يحوله بسهولة إلى سلاح نووي عسكري إذا شعر بتهديد من إيران.
والثاني: أن أي شراكة أمنية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من شأنها أن تبقي الرياض داخل دائرة النفوذ الأميركية، وتحد من نهجها في التعامل مع الصين وروسيا، ولا شك أن مثل هذا الاحتواء سوف يخدم المصالح “الإسرائيلية” أيضا.
أبعد من ذلك، فمن الممكن أن يساعد ميلاد محور أمني (أميركي-سعودي-إسرائيلي)، تنضم إليه دول عربية أخرى، في كبح المطالبات الوطنية والإقليمية للسلطة واستبدالها بترتيبات مؤقتة واقتصادية.
المشكلة هي أن “الكرة ليست في ملعب إسرائيل على الإطلاق”، ويتطلب مثل هذا الاتفاق أغلبية الثلثين على الأقل في مجلس الشيوخ الأميركي، اسألوا السيناتور “كريس مورفي”، الذي يقول إنه من غير المعقول أن تُراق دماء أميركية من أجل دولة ذات نظام غير مستقر، ولكن من دون مظلة حماية للسعوديين أو برنامج نووي، لن يكون هناك صفقة شاملة، ولن يطل صباح على شرق أوسط جديد.
المصدر| “إسرائيل اليوم”
Facebook Comments