أخبارالملف الإيرانيترجمات

تفاقم المواجهة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية والغرب

 ترجمة الهدهد

إن قرار إيران غير المعتاد بإلغاء تأشيرات دخول 8 مفتشين بريطانيين وألمان نيابة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبالتالي خفض عدد المفتشين على أراضيها بنحو الثلث، سلط الضوء على علاقاتها الإشكالية مع الوكالة، وكذلك مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي تشارك في الضغط المتزايد عليها في الملف النووي.

وبحسب وزارة الخارجية البريطانية فإن المفتشين الذين تم طردهم كانوا خبراء في مجالات التخصيب ولديهم الكثير من الخبرة التراكمية مع الملف النووي الإيراني، ويضر قرار إيران بأنشطة التحقق والمراقبة التي تقوم بها الوكالة، والمطلوبة بموجب الاتفاقيات مع طهران في إطار معاهدة حظر الانتشار النووي وليس فقط تلك المستمدة من الاتفاق النووي (JCPOA. 2015).

أوضح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية “رافائيل غروسي” رداً على ذلك، أن تصرفات إيران ستضر بقدرة الوكالة على ممارسة تفويضها بفعالية، وأنها إذا لم تتراجع ستكون هناك عواقب فورية، وطالبت الولايات المتحدة ومجموعة 3E – بريطانيا وفرنسا وألمانيا – إيران بإلغاء قرارها على الفور والتعاون بشكل كامل مع الوكالة، للسماح لها بتقديم ضمانات بأن البرنامج النووي مخصص للأغراض السلمية فقط.

ويستهدف هذا الطلب “القضايا المفتوحة” التي تجري الوكالة الدولية للطاقة الذرية حواراً بشأنها مع طهران منذ نحو أربع سنوات، والتي تشير إلى مواد نووية في مواقع لم تعلن عنها إيران من قبل للوكالة، ومع ذلك لم يتضمن البيان أي إشارة إلى ردود الفعل على رفض إيران الامتثال للمطلب.

التحرك الإيراني سبقه تطوران ربما شكلا سبباً لإلغاء تأشيرات الدخول للمفتشين

التطور الأول: والذي لا علاقة له في ظاهر الأمر بشكل مباشر، كان إعلان بريطانيا وفرنسا وألمانيا أنها لا تنوي رفع العقوبات عن إيران، والتي بموجبها يحظر استيراد وتصدير الصواريخ الباليستية، بما في ذلك الصواريخ والطائرات بدون طيار التي يصل مداها إلى 300 كيلومتر (186 ميلاً) أو أكثر، هذا، بالرغم من أنه وفقاً للجدول الزمني المحدد في الاتفاق النووي – JCPOA – من عام 2015، وكذلك في قرار مجلس الأمن رقم 2231، من المفترض أن يتم رفع هذه العقوبات في 18 أكتوبر 2023، التفسير الذي قدمه المفوض “جوزيف بوريل” مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، لهذا القرار هو أن إيران تنتهك بشكل خطير الاتفاق المتعلق بمخزونات ومستويات اليورانيوم المخصب لديها، وكذلك تنتهك منح مفتشي الأمم المتحدة إمكانية الوصول إلى برنامجها النووي.

لقد فُرضت عقوبات الأمم المتحدة، التي كان من المفترض أن ترفع، على أفراد وكيانات ضالعة في برامج إيران الصاروخية والنووية وكذلك الأسلحة، ومن المقرر الآن أن يتم دمجها ضمن التشريعات المحلية في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ويبرز الإعلان البريطاني بوضوح، بسبب قسوته، حيث يؤكد على أن إيران تمتلك حالياً مخزوناً من اليورانيوم المخصب أكبر بــ 18 ضعفاً من القيود المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة -JCPOA، وهو ما يتجاوز أي مبرر مدني موثوق.

التطور الثاني: هو التقرير الدوري للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي تم نشره عشية اجتماع مجلس محافظي الوكالة (14 سبتمبر/أيلول)، عشية اليوم الأول من المناقشات، قرأ سفير الدنمارك لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بياناً موقعاً من قبل 63 دولة، فيما يتعلق بـ “القضايا المفتوحة” وانتهاك إيران لالتزاماتها بتزويد الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفسيرات موثوقة من الناحية الفنية لوجود جزيئات اليورانيوم من مصدر بشري (في موقعي فارامين وتركوز آباد)، بالإضافة إلى رفضها إبلاغ الوكالة بشأن المواقع الحالية للمواد النووية ذات الصلة و/أو المعدات الملوثة.

لا يزال يتعين على إيران تقديم تفسير للفجوة في تقييم رصيد المواد النووية ذات الصلة إلى مرفق تحويل اليورانيوم (UCF) وتنفيذ الرمز المعدل 3.1 (الذي يتطلب منها الإبلاغ عن أي منشأة نووية جديدة يخططون لها منذ لحظة تفكيرهم فيها).

شدد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في افتتاح المناقشات على أنه في فبراير 2021، اتخذت إيران قراراً بالتوقف تماماً عن تنفيذ التزاماتها المتعلقة بالبرنامج النووي بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، بل إنها أدت إلى تفاقم الوضع بقرارها إزالة جميع معدات المراقبة التي يستخدمها الوكالة المراقبة وفقا للاتفاقية.

وبحسب “غروسي”، فقد مر أكثر من عامين ونصف منذ أن توقفت إيران مؤقتاً عن تطبيق بروتوكولها الإضافي، وبالتالي لا تسمح لمفتشي الوكالة بوصول إضافي إلى المواقع والأماكن التي يشتبه في أنها مرتبطة بالبرنامج النووي في جميع أنحاء إيران.

تزامنا مع هذه التطورات، تم الانتهاء من اتفاق تبادل الأسرى بين طهران وواشنطن

وفي نهاية نحو عامين من المفاوضات التي عرفت مداً وجزراً وبعد الإفراج عن الأموال الإيرانية التي كانت محتجزة في كوريا الجنوبية ووصولها إلى البنك في قطر، أطلق الجانبان (18 سبتمبر/أيلول) سراح السجناء الذين اتفقوا على تبادلهم، وبحسب التسريبات التي رفضت الحكومة الأميركية تأكيدها، ضمن التفاهمات غير المكتوبة، تعهدت إيران أيضاً بعدم تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 60 %، وعدم تخزين كميات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 % غير ما لديها بحسب التقرير السابق، والعمل على منع الهجمات ضد الجنود والمواطنين الأمريكيين في العراق وسوريا من قبل حلفاء إيران، رغم أن الهدوء استمر في هذين القطاعين.

في مجال التخصيب، خففت إيران جزءاً صغيراً من مخزون اليورانيوم المخصب لــ 60 % الذي بحوزتها، ولم تراكم الكمية التي كان من الممكن أن تراكمها في الأشهر الثلاثة منذ تقرير الوكالة السابق، وفي الوقت نفسه، جمعت سبعة كيلوغرامات جديدة من المواد المخصبة بنسبة 60 %، وهذه الكمية غير ذات أهمية من الناحية التكنولوجية، ولكنها تشير إلى رغبة إيران وقدرتها على مواصلة التخصيب إذا لم تحصل على التسهيلات التي تتوقعها، بما في ذلك مليار دولار إضافية، والتي تزعم أن الكوريون اقتطعوها من المبلغ الذي وصل إليها، وفي الوقت نفسه تواصل الحكومة الأمريكية فرض العقوبات، بل وأعلنت فرض عقوبات جديدة على الرئيس السابق أحمدي نجاد ووزير المخابرات، لعدم تقديمهما معلومات تتعلق بمصير “بوب ليفينسون” الذي اختفى في جزيرة كيش قبل 16 عاماً.

رغم رغبة إيران، والدول الأوروبية الشريكة في الاتفاق النووي والولايات المتحدة، كل لأسبابه الخاصة، في عدم إغلاق الباب أمام خيار الحل السياسي، فإن الواقع على الأرض هو أن إيران، إلى جانب التصريحات المتكررة بأنها ترغب في العودة إلى الاتفاق، إلا أنها تعمل على تطوير البرنامج النووي ومن الواضح أنها لا تنوي الانسحاب منه إلى الحد الذي كانت عليه في عام 2015.

وبحسب المنشورات فإن لقاء المدراء العامون السياسيين لـ 3E مع رئيس الوفد الإيراني المفاوض، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يسفر عن تسوية بشأن عودة المفتشين، والانتقادات التي تسمع في الكونغرس الأميركي بشأن تبادل الأسرى لا تقارن أبدا بالمعارضة المتوقعة في حال التوصل إلى اتفاق مع إيران.

لم يحظ الاتفاق النووي الأصلي بشعبية كبيرة في الكونغرس منذ البداية، لكن “إدارة بايدن” في بداية طريقها كانت على استعداد لدفع الثمن مقابل الانسحاب من البرنامج النووي، لقد تغيرت الظروف، وقبل نحو عام من الانتخابات الرئاسية، لن تتمكن الإدارة من الموافقة على تنازلات كبيرة لإيران بينما تساعد إيران روسيا في حربها في أوكرانيا، وبالإضافة إلى ذلك تعمل على تعزيز البرنامج النووي ووضع العقبات في طريق أنشطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وفي هذه الظروف – البرنامج النووي الإيراني يتقدم، والإشراف في حالة سيئة للغاية وليس من الواضح بعد ما إذا كان التحرك الإيراني مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية هو قرار دائم أم ورقة مساومة في يد إيران لإغلاق “الملفات المفتوحة”، وبينما يجد الغرب صعوبة في صياغة استراتيجية فعالة ضد إيران، فإن سلوكها يعكس ثقة عالية بنفسها، وذلك في ضوء إنجازاتها على الساحة الدولية، وعلى رأسها توطيد العلاقات مع روسيا التي زار وزير دفاعها “سيرغي شويغو” طهران في 19 سبتمبر/أيلول، وخلال الزيارة، صرح مسؤول عسكري إيراني كبير أنه يجري إعداد وثيقة تعاون طويلة الأمد بين البلدين، وأن الشق العسكري – الأمني ​​فيها سيكون كبيراً.

كما زار “شويغو” المصنع الذي ينتج الطائرات بدون طيار، ويبدو أنه بالرغم من اختلافات الرأي حول عدد من القضايا، فإن العلاقات والالتزام المتبادل بين الدول في اتجاه التعزيز، كما ترى إيران أن تعزيز عضويتها المستقبلية في منظمة “البريكس” BRICS, يعد إنجازاً، إلى جانب انضمامها في عام 2022 إلى منظمة شنغهاي (ECO).

كما أن تجديد العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، بالرغم من المشاكل التي لم يتم حلها بينهما يعزز اتجاه تعزيز مكانة إيران الدولية، كما تحسن وضع الاحتياط المالي الإيراني إلى حد ما بسبب نجاحها في بيع كميات متزايدة من النفط إلى الصين، ورغم أن العلاقات الاقتصادية مع روسيا والصين لا تشكل تعويضاً لإيران عن الضرر الذي لحق بها بسبب العقوبات الدولية، إلا أنه يبدو أن الإيرانيين، وعلى رأسهم المرشد نفسه، لا يؤمنون بإمكانية رفع العقوبات بشكل كامل، ولذلك يتجهون إلى قنوات بديلة.

المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي