أخبارالشرق الأوسطمقالات إستراتيجية

الجدوى والتداعيات على الكيان

اتفاقية دفاع بين واشنطن والرياض

ترجمة الهدهد

تجري الإدارة الأميركية، في الأشهر الأخيرة، حواراً وثيقاً مع السعودية، الغرض منه “صفقة كبيرة” تُحقق بحسب مستشار الأمن القومي الأميركي “جيك سوليفان” الذي زار الرياض الاستقرار في الشرق الأوسط.

هذه صفقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، يمكن أن تشمل “التطبيع” بين “تل أبيب” والرياض

ومن جانبها أبدت السعودية، اهتمامها بتوقيع اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة، فيما أجرت الولايات المتحدة محادثات حول هذه القضية، مع الإمارات العربية المتحدة في السنوات الأخيرة، دون أن تسجل أي نجاح حتى الآن.

على خلفية المبادرة الإقليمية التي تقودها الإدارة الأمريكية، يبرز من جديد موضوع الاتفاقية الدفاعية السعودية الأميركية، وهذه المرة ضمن مطالب المملكة مقابل التطبيع مع كيان العدو “إسرائيل” في الوقت الحالي، وفقًا للمتحدثين باسم الإدارة، “ليس هناك إطار ولا شروط جاهزة للتوقيع، لا يزال هناك عملاً يتعين القيام به”، بالرغم من أن هناك -وفقًا لـ “سوليفان”-، “تفاهم واسع فيما يتعلق بالعديد من العناصر الرئيسية في الاتفاقيات”، وفي هذا المقال، سيتم دراسة جدوى الطلب السعودي وتداعياته.

تهتم الإدارة الأميركية بفتح صفحة جديدة في علاقاتها مع السعودية، رغم موقفها البارد تجاهها بداية ولايتها (صف الرئيس بايدن المملكة بالدولة المنبوذة) في حملة الانتخابات الرئاسية، بل وهدد بعواقب رفض طلبه زيادة إنتاج النفط، ومن المرجح أن هذا التحول الكبير يستند إلى فهم مفاده أن الولايات المتحدة، يجب أن ترد على محاولات الصين لتوسيع تدخلها في الشرق الأوسط، بسبب مشاركة الصين في اتفاق تجديد العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، وفي ظل هذه الخلفية، ينبغي النظر إلى إعلان الرئيس “بايدن”، على هامش قمة مجموعة الـ 20 التي عقدت في الهند في سبتمبر/أيلول الماضي، بشأن مشروع طموح للبنية التحتية سيربط الهند بالبحر الأبيض المتوسط، وفي قلبه المملكة العربية السعودية.

المطالب التي من المحتمل و/أو يبدو أن الولايات المتحدة، ستطلبها من المملكة العربية السعودية من أجل تحقيق الصفقة الكبيرة”، بما في ذلك تعميق الالتزامات الأمنية الأمريكية تجاه المملكة:

  • تقليص العلاقات بين الرياض و”بكين” في مختلف المجالات، مع التركيز على التعاون التكنولوجي والأمني ​​والنووي.
  • مزيد من السلوك السعودي “المسؤول” في مجال الطاقة، ومراعاة المصالح الأميركية في هذا المجال.
  • اتخاذ خطوات بناء ثقة تجاه كيان العدو “إسرائيل”، في إطار عملية “تطبيع” تأخذ في الاعتبار حساسيات المملكة.
  • التحرك السعودي نحو إنهاء الحرب في اليمن.
  • متطلبات في مجال حقوق الإنسان والنظام القضائي في المملكة العربية السعودية.
  • الطلب من السعوديين تحسين وصيانة (تمويل) البنية التحتية اللوجستية العسكرية الأمريكية، في المملكة العربية السعودية.

يحظى تحسن العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة حاليًا، بمؤيدين في واشنطن من طرفي الطيف السياسي، ومن البارز في هذا السياق محاولة السيناتور الجمهوري “ليندسي جراهام” إقناع زملائه الجمهوريين، ومن بينهم المرشح الرئاسي “دونالد ترامب”، لدعم المبادرة التي تقودها الإدارة الأمريكية، ومع ذلك، فمن المشكوك فيه ما إذا كانت الولايات المتحدة لديها الحماس، للدخول في التزام دولي عميق بشكل عام وفي الشرق الأوسط بشكل خاص، وخاصة التزام سيتطلب تخصيص القوات والموارد مع مرور الوقت، خاصة عندما تكون المصلحة الأمريكية الأكثر إلحاحاً تقع في جنوب شرق آسيا.

علاوة على ذلك، فإن احتمالية الاستعداد الأميركي للتوقيع على اتفاقية دفاع ملزمة وفق نموذج الناتو (البند 5) منخفضة، لأنها ستلزم الولايات المتحدة قانوناً باعتبار الهجوم على السعودية هجوماً عليها، ومع ذلك، فمن الممكن أن يكون من الممكن إيجاد قاسم مشترك إذا أُمر السعوديون بقبول اتفاق من الولايات المتحدة، رغم أنه يساهم في التعاون الأمني ​​بين البلدين، إلا أنه مع ذلك أقل إلزامًا من هذا النموذج المحتمل الذي يمكن الاعتماد عليه، وهو الاتفاقية الموقعة مؤخراً، بين الولايات المتحدة والبحرين.

أضف إلى ذلك فإن عنصر اتفاقية الدفاع ليس العنصر الإشكالي الوحيد للإدارة، والذي سيتعين عليها التغلب عليه لوجود اعتراضات عديدة ضده، حيث يعارض عليه المشرعون الديمقراطيون، وكذلك الاعتراض فيما يتعلق بالمطلب السعودي بالسماح لها بتطوير قدرات مستقلة لتخصيب اليورانيوم على أراضيها.

من ناحية المملكة العربية السعودية، فإن المصلحة الأولى قبل كل شيء هي الحماية الأمريكية من العدوان الإيراني

السعوديون لا يخشون القيود المفروضة على حريتهم في العمل لأن قوتها العسكرية محدودة على أي حال، وبالتأكيد مقارنة بإيران، ومع ذلك، فإن اتفاقية دفاع رسمية مع الولايات المتحدة، خاصة إذا كانت ملزمة بموجب البند 5 في اتفاق حلف شمال الأطلسي، (والذي قد يُطلب من المملكة مقابله تقديم تنازلات كبيرة تجاه إسرائيل)، ستزيد من فرص المساعدة الأمريكية في حالة وقوع هجوم على المملكة العربية السعودية.

تسعى السعودية جاهدة إلى إضفاء طابع رسمي وثيق على الاتفاق المزمع مع واشنطن، على خلفية الشك الذي ظهر في السنوات الأخيرة بشأن الاستعداد الأميركي للدفاع عنها، في ظل عدم رد أميركا على الهجوم الإيراني على المنشآت النفطية في المملكة في سبتمبر 2019.

في تمركز قوات القيادة الوسطى الأمريكية في منطقة نفوذ القيادة الوسطى الأمريكية، هناك انخفاض بنسبة 85% مقارنة بعام 2008، عام الذروة، وحتى بين عامي 2022 و2023 هناك انخفاض بنسبة 15% (بسبب الانسحابات من أفغانستان والعراق).

إن تحالف الدفاع المشترك ليس “منتجاً جاهزاً” وحيد، فهو مثل أي معاهدة دولية، فهو نتيجة لاتفاق بين البلدان، التي لها الحرية في تشكيله وفقاً لمصالحها.

  • في أعلى مستويات المعاهدات والاتفاقيات الأمنية: معاهدة الناتو وداخلها المادة الخامسة، التي تلزم أعضاء الحلف باتخاذ خطوات ذلك العمل العسكري، إذا تعرض أحد أعضاء الحلف الآخرين لهجوم عسكري. لمساعدة بعضهم البعض، بما في
  • المستوى الأقل: يمكن للولايات المتحدة أن تحدد أن المملكة العربية السعودية شريك دفاع رئيسي (MDP)، وهي خطوة تقع ضمن سلطة الرئيس، والتي لن تلزم الولايات المتحدة باتخاذ أي خطوة لمساعدة المملكة العربية السعودية أو الوقوف بجانبها.
  • في المستوى الأدنى: يمكن للولايات المتحدة أن تحدد أن المملكة العربية السعودية، هي حليف رئيسي من خارج الناتو (MNNA)، ويسمح هذا التعريف للدول بزيادة التعاون الأمني والتكنولوجي بينها، ولن يُلزم الولايات المتحدة (يتم تعريف إسرائيل على هذا النحو، إلى جانب مصر وقطر والبحرين وباكستان وغيرها).

إن تعزيز الالتزام الأمريكي تجاه الشرق الأوسط وحليف مركزي فيه مثل المملكة العربية السعودية، إلى جانب زيادة الوجود العسكري في الخليج العربي، هو “مصلحة إسرائيلية” واضحة، لذلك لا ينبغي أن يكون لدى “إسرائيل” مشكلة كبيرة مع دخول الولايات المتحدة في أي التزام أمني مع المملكة العربية السعودية، بما في ذلك التوقيع على اتفاقية دفاع مشترك، وذلك للأسباب التالية:

  • بدون ذلك فإن “تل أبيب” والرياض تتعاونان في مختلف المجالات الأمنية والاستخباراتية منذ سنوات طويلة، وقد يؤدي اتفاق أميركي سعودي إلى تعزيز هذا التوجه.
  • اتفاقية دفاعية سعودية أميركية ستساعد في الجهد الإقليمي، لكبح التوسع الإيراني في المنطقة.
  • زيادة التعاون الأمني بين واشنطن والرياض، سيكون بمثابة منصة لتطوير قدرات “إسرائيل” كتعويض.

الاتفاق الدفاعي مع الولايات المتحدة مصلحة سعودية كبرى

لكن السعودية لن تكتفي بالتزام أميركي بأمنها من أجل الموافقة على “صفقة تطبيع” مع “إسرائيل”، ومن المرجح أن الرياض لن تتنازل وستصر على الاستجابة لمطالبها الأخرى، وعلى رأسها موافقة الحكومة الأمريكية على رفع قدراتها في المجال النووي، وعلى وجه الخصوص، تشغيل دورة وقود نووي كاملة، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم، داخل نطاق المملكة، في ظل صعوبة الرد على ذلك من قبل الإدارة والكيان “إسرائيل”.

هذا الطلب السعودي يضع “إسرائيل”، التي لها مصلحة واضحة في التوصل إلى اتفاق تطبيع مع السعودية، أمام معضلة كبيرة، بينما يمكن لـ “إسرائيل” أن توافق على اتفاقية دفاع بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، يجب عليها أن تعرب عن معارضتها للتنازلات الأمريكية في المجال النووي، دائرة وقود مستقلة ستسمح للسعودية بمراكمة القدرات والمعرفة والمواد في المجال النووي، وربما تسريع سباق التسلح النووي في بلدان أخرى في الشرق الأوسط.

المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى