
ترجمة الهدهد
إن الضجة التي حدثت في الأيام الأخيرة في أعقاب التقرير بشأن نية السماح بنقل المعدات العسكرية إلى السلطة الفلسطينية توضح مرة أخرى حقيقتين مريرتين:
- أولاً: تدير “حكومة نتنياهو” حالياً أجندتين متنافستين بشأن القضية الفلسطينية، تتصادمان مع بعضهما بعضا طوال الوقت.
- ثانياً: تفتقر “إسرائيل” إلى استراتيجية واضحة وطويلة الأمد بشأن قضية ذات أهمية وجودية، يحرص “الإسرائيليون” على تجنب مناقشتها.
من ناحية، تضمنت الفوضى الأخيرة هجوماً حاداً من قبل الوزير “إيتمار بن غفير” الذي وصف السلطة الفلسطينية بأنها سلطة يعمل فيها “إرهابيون لعينين”، في المقابل، صدر توضيح سريع من رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”، مفاده أن هذا قرار الحكومة السابقة وسيتم إعادة النظر فيه من جديد، وهذا هو جوهر التناقض الذي تتسم به الحكومة اليوم، لقد أوضح “نتنياهو” قبل بضعة أشهر أن “إسرائيل” مهتمة بوجود وتعزيز السلطة الفلسطينية – من خلال الوسائل الاقتصادية بشكل رئيسي – ولكن في الوقت نفسه وزراء في حكومته، وخاصة “بن غفير” و”سموتريتش”، يعرّفان السلطة الفلسطينية بأنها عدو لدود، ويلمحان إلى إمكانية العمل على إنهائها.
وهذا يتعارض مع الأهداف التي تم تحديدها أثناء وبعد عملية “البيت والحديقة” في جنين في تموز/ يوليو الماضي، وأهمها دفع السلطة الفلسطينية نحو إعادة حكمها في شمال الضفة الغربية، وهذا الهدف، وتعزيز السلطة الفلسطينية بشكل عام، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الخطوات الاقتصادية التي يتم الترويج لها طوال الوقت (خاصة التحويلات المالية، بالرغم من استياء وزير المالية)، ولكن من خلال الأدوات والوسائل الأمنية التي تحتاجها السلطة، من أجل التعامل مع العناصر المقاومة في الضفة الغربية وعلى رأسها حركة حماس، وإعادة فرض سيادتها في شمال الضفة الغربية.
يبدو أن “نتنياهو” توصل إلى الاستنتاج الصحيح، وهو أن السلطة الفلسطينية بعيدة عن أن تكون شريكاً مثالياً، بل هي أهون الشرين التي يجب الحفاظ عليها وتعزيزها، هذا مع الأخذ في الاعتبار البدائل الأخرى، وأولها تشكيل “جيوب الفوضى” في الضفة الغربية، واستيلاء حماس على أجزاء من المنطقة، والأسوأ من ذلك كله، عودة “إسرائيل” إلى السيطرة على الضفة الغربية.
كل هذا يتعارض مع مفهوم الصهيونية الدينية، التي تعمل بوعي ونشاط، منذ بداية ولاية الحكومة الحالية، على تغيير الواقع في الضفة الغربية من خلال توسيع الاستيطان والسيطرة على البنى التحتية من جهة، وإضعاف السلطة من جهة أخرى، كل ذلك دون إيلاء أهمية كبيرة لموقف المجتمع الدولي وتأثير السياسة التي تنتهجها في الضفة الغربية على العلاقة مع الولايات المتحدة، وهي أمور ذات قيمة كبيرة في نظر “نتنياهو”.
هذا النهج المرتبك يساهم في إضعاف السلطة الفلسطينية
تساهم قضية إمداد السلطة الفلسطينية بالذخيرة في تفاقم التوتر في النظام الفلسطيني قبل الأعياد، بعد تفكيك “لغم تشديد ظروف اعتقال الأسرى الأمنيين الذي حاول “بن غفير” الدفع به، وهو الأمر الذي يوضح مرة أخرى ازدواج الأجندات في الحكومة، وميل “نتنياهو” غالباً إلى تبني توصيات المستوى الأمني، “إسرائيل” مطالبة بمواجهة تحديين كبيرين تطرحهما حماس: زيادة جهود المقاومة والتحريض على خلفية اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، مع تزايد الاحتكاك على حدود غزة.
وهذا يثبت مرة أخرى افتقار “إسرائيل” إلى استراتيجية تركز على الحفاظ على الهدوء في النظام الفلسطيني، ومن جهة أخرى يثبت فهم حماس لعمق الأزمة الداخلية التي تعيشها “إسرائيل”، والتي حسب نهج المنظمة تسمح بتحديها دون المخاطرة بتصعيد واسع النطاق.
يحيى السنوار قادر على الترويج للهجمات والتحريض في “إسرائيل” وفي القدس وفي الـ 48، وخلق احتكاك على حدود قطاع غزة، لكنه لا يزال يستفيد من خروج حوالي 18 ألف عامل من غزة للعمل في الداخل، ومن تدفق الأموال القطرية، ومن الصادرات والواردات واسعة النطاق، والتي تم الكشف عنها مؤخرًا، وتُستخدم لتهريب المواد الخام لإنتاج الوسائل القتالية، لو كانت “إسرائيل” مجهزة باستراتيجية منظمة، لكانت توقفت عن القتال بشكل منفصل مع أذرع حماس وتتعامل مع المنظمة كنظام معقد، عن طريق الحد من التسهيلات السابقة تجاه غزة.
فبينما تبدي “إسرائيل” نهج الاحتواء أمام حماس وتسمح لها في الواقع بأن تزداد قوة في غزة، فإنها تتخذ موقفاً مرتبكاً تجاه السلطة الفلسطينية مما يساهم في إضعافها، وفي هذا الوضع فإن “إسرائيل” سوف تواجه، “أفول” السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية وتعزيز قوة.
حماس تنظر إلى الضفة الغربية باعتبارها هدفاً استراتيجياً، وتضع نصب عينيها السيطرة عليها غداة أبو مازن، سواء بالوسائل السياسية، أو بالقوة.
وهذا سيزيد من حدة التهديدات التي تواجهها “إسرائيل” من جهة النظام الفلسطيني، ويتطلب نقاشاً استراتيجياً عميقاً.
إن صياغة سياسة منظمة تجاه السلطة الفلسطينية وحماس، ينبغي أن تكون بمثابة “مقدمة” لخطاب جاد أكثر، ينبغي أن يتطور على خلفية الذكرى الـ 30 لتوقيع اتفاقيات أوسلو في 13 أيلول/سبتمبر.
في هذا الإطار، لا بد من مناقشة رصينة فيما يتعلق بمستقبل العلاقات مع الفلسطينيين، تتمحور حول ضرورة فهم أن استمرار السياسة القائمة، مع التغيير المستمر للواقع في الضفة الغربية، يعني اقتراب دائم ومستمر لواقع دولة واحدة، وهو ما يجسد خطراً عميقاً على قدرة “إسرائيل” على الوجود كدولة يهودية وديمقراطية.
المصدر: N12/ “مايكل ميلشتاين”
Facebook Comments