أخبارالملف الإيرانيترجمات

تحليل: لقد أصبحت الخروقات الإيرانية روتينية

ترجمة الهدهد

انتهى اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي عقد هذا الأسبوع في فيينا، برد ضعيف، وإذا كان أحد انتظر إدانة دولية، أو أميركية على الأقل لاستمرار تطوير برنامج إيران النووي، -ناهيك عن اتخاذ قرار بشأن العقوبات-، فقد ظلت توقعاتهم معلقة في الهواء.

أحسن رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية “رافائيل غروسي” في وصف إحباطه إزاء الاستهتار الدولي، بالرغم من التقرير الكئيب الذي نشره هذا الشهر بشأن البرنامج النووي الإيراني، وقال “غروسي” في مؤتمر صحفي هذا الأسبوع: “ما يحدث في إيران يعتبر روتينياً وأنا قلق بشأن هذا، لأن القضية لا تزال ذات أهمية كما كانت في الماضي”.

لم يذكر رئيس الوكالة أسماء الدول التي يتضاءل اهتمامها بالبرنامج النووي، لكن ليس من الصعب التخمين، تم نشر بيانين أوليين منفصلين هذا الأسبوع استعدادًا لاجتماع مجلس المحافظين، إحداهما نيابة عن وزارة الخارجية الأمريكية والأخرى نيابة عن بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وهذه الدول المعروفة باسم E3 في سياق رد الغرب على إيران، وتناول كلا البيانين تفاصيل الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها طهران في العام الماضي وعدم التعاون فيما يتعلق بالمراقبة والإشراف على أنشطتها النووية، لكن بالمقارنة مع بيان الولايات المتحدة، فإن بيان أوروبا أكثر تفصيلاً وصدمة.

جاء في البيان أن “كمية اليورانيوم المخصب في إيران (في جميع مستويات التخصيب) أعلى بـ 18 مرة من الكمية المسموح بها بموجب الاتفاق النووي الأصلي، علاوة على ذلك، تمتلك إيران كميات كبيرة من اليورانيوم عالي التخصيب، ثلاثة أضعاف الكمية التي حددتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأنها تشير إلى تطوير محتمل لجهاز نووي”.

بحسب ترجمة لدول E3، تمتلك طهران اليورانيوم الكافي من ناحية الكم والنوع، والذي يشير إلى نيتها لإنتاج جهاز نووي عسكري – وليس ذلك فحسب، بل من غير المستبعد أنها بدأت بالفعل عملية إنتاج مثل هذا الجهاز.

ما هو هذا الجهاز؟

هل تجاوزت إيران بالفعل الخط الأحمر وقامت بالفعل بتخصيب اليورانيوم إلى مستوى مناسب لصنع قنبلة نووية؟

إن العمى الدولي تجاه ما يحدث في إيران لا يمكن أن يقدم إجابة قاطعة سوى الشكوى المتكررة من أنها لا تسمح بمراقبة عميقة ومنهجية ومن كثب لما يحدث في منشآتها النووية، ومع ذلك، يبدو أنه لا توجد حتى الآن قوة عظمى يمكنها أن تبدأ الخطوة التالية، ظاهرياً، يتطلب ذلك من الدول الموقعة على الاتفاق النووي الأصلي إحالة الأمر إلى مجلس الأمن الدولي، للبدء في عملية إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران، إضافة إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة منذ قرار الرئيس السابق للولايات المتحدة “دونالد ترامب” بالانسحاب من الاتفاق عام 2018، بتشجيع وإقناع “إسرائيل”.

هناك طريقة واحدة فقط لتفسير الفجوة بين الوصف المهتز للتهديد النووي كما يظهر في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية و”تراجع اهتمام” المجتمع الدولي، الذي حذر منه “غروسي”، وعدم اتخاذ قرارات عملية في اجتماع مجلس المحافظين.

واشنطن تفاوض مع طهران بشأن تبادل الأسرى، ولا تنكر وجود محادثات للدفع نحو اتفاق نووي من نوع ما – سواء سُميت “تفاهمات” أو سُميت “اتفاقات” – وتتحمل عناء الاشارة بالإيجاب على موافقة إيران على خفض كمية اليورانيوم المخصب إلى 60%، في مثل هذا الوضع، لن تتسرع الدول الأوروبية في الوقوف في المقدمة وتصبح أكثر قداسة من البابا.

لا بد من التأكيد أن الولايات المتحدة لم تنسحب من التزامها أمام “إسرائيل” والمجتمع الدولي بعدم السماح لإيران بالحصول على الأسلحة النووية.

ولكنها في الوقت نفسه تمسكت بموقفها الذي يعتبر أن القناة الدبلوماسية هي الأفضل في هذا الوقت لتحقيق الهدف، وقد أسفرت هذه القناة حتى الآن عن نتيجة عملية واحدة، بعد عامين من المفاوضات التي شاركت فيها عمان وقطر، تم هذا الأسبوع إطلاق سراح خمسة سجناء أميركيين في إيران، كانوا مسجونين في البلاد منذ سنوات الى الإقامة الجبرية، ومقابل إطلاق سراحهم، ستحصل طهران على خمسة من مواطنيها المسجونين في الولايات المتحدة، فضلاً عن السماح لها بتلقي ستة مليارات دولار كانت مجمدة في بنوك كوريا الجنوبية.

سيتم تحويل المبلغ إلى حساب مصرفي في سويسرا ومن هناك إلى حساب خاص في قطر، والذي ستتمكن إيران من سحب الأموال منه لشراء الغذاء والدواء، ولم يتم الاتفاق بعد على كيفية عمل آلية الإشراف على هذه الآلية، ورغم أن إيران والولايات المتحدة تؤكدان على عدم وجود أي صلة بين هذا الاتفاق والمناقشات حول الاتفاق النووي، إلا أن بيانين على الأقل صدرا عن إيران هذا الأسبوع يمكن أن يشهدا على أن الجهود الدبلوماسية لتعزيز مثل هذا الاتفاق لم تصل بعد إلى نتيجة نهاية.

أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الثلاثاء الماضي، أن بلاده “مستعدة لاستئناف المفاوضات بشأن الاتفاق النووي استنادا إلى الاتفاقات التي تم التوصل إليها في سبتمبر/أيلول من العام الماضي و”الحفاظ على الخطوط الحمراء”.

وفي اليوم السابق، هاجم نائبه علي بكري قاني المعارضين المحليين للاتصالات مع الغرب، وذكر بكري قاني – الذي يشغل منصب رئيس الوفد الإيراني إلى المفاوضات النووية أن “هؤلاء، تحت ستار الحفاظ على القيم يسعون إلى تصوير المفاوضات على أنها تتعارض بشكل أساسي مع القيم، ويسعون جاهدين إلى إضعاف أيدي النظام من استخدام هذه الوسيلة لتعزيز المصالح الوطنية.

وعندما يتحدث عبد اللهيان عن “اتفاقيات سبتمبر” فهو يقصد إحدى المسودات الأخيرة التي تم التوصل إليها بين الطرفين والتي كانت تعتبر آنذاك الوثيقة شبه النهائية التي تسمح بالعودة إلى الاتفاق النووي، ويمكن الافتراض أن الكلمات الصريحة للوزير ونائبه تعكس بشكل جيد نوايا وموافقة المرشد الأعلى “آية الله علي خامنئي”.

نظام مخيف وعنيف

توقفت المفاوضات حول هذه “الاتفاقات” عند نقطة واحدة قبل عام، مع اندلاع الاحتجاجات الحاشدة التي عمت إيران، الساحة الداخلية في إيران لا تهتم بإنجازات النظام على الساحة الدولية وهي ليست بالقليلة.

وتشمل تجديد العلاقات مع المملكة العربية السعودية وتعزيز العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة، وربما قريباً أيضاً مع مصر؛ والتحالف العسكري مع روسيا؛ والانضمام كعضو رسمي في منظمة “شنغهاي” التجارية والترشيح للانضمام إلى منظمة “البريكس” الركيزة الأقوى للصين، التي اشترت الشهر الماضي النفط من إيران بكمية غير مسبوقة بلغت مليون ونصف مليون برميل يومياً، بالرغم من العقوبات، كل ذلك يحيط الجمهورية الإسلامية بحزام أمني سياسي، ويفكك التحالف الإقليمي المناهض لإيران الذي رفعت دول الخليج و”إسرائيل” والولايات المتحدة رايته.

لكن هذه الإنجازات لا تزال غير قادرة على العمل كبديل أو تعويض عن الخسائر الهائلة التي تسببها العقوبات لاقتصاد البلاد ولا يغفل المحللون الإيرانيون، وكبار مسؤولي النظام، عن حقيقة استحالة ترجمة كل هذه الإنجازات الدولية إلى أموال دون إيجاد حل للمسألة النووية، ولكن يبدو الآن أن الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، مستعدون بالفعل للتعايش مع البرنامج النووي الإيراني – الذي أصبح أكثر تهديداً وتطوراً بكثير مما كان عليه عشية التوقيع على الاتفاق في عام 2015 – وتحول لخط أحمر جديد، الخط الذي سيتم رسمه على مسافة أقصر من عتبة بناء سلاح نووي.

بالنسبة لإيران، فإن مثل هذا الاتفاق قد يكون بمثابة ضمانة فعالة لوضع يتم فيه انتهاك الاتفاق الجديد، إذا تم التوقيع عليه، وسوف يؤدي ذلك إلى تقدمها إلى حد كبير إلى وضع الدولة عتبة التي يمكن أن تشكل تهديدًا حقيقيًا خلال فترة قصيرة من الزمن، ومن خلال القيام بذلك، ستضمن أن الحكومة في الولايات المتحدة التي لا يرأسها “جو بايدن” ستكون حذرة للغاية بشأن انتهاك الاتفاقيات الجديدة، وستضمن أيضًا إلغاء العقوبات الحالية.

سعت استراتيجية إيران منذ عام 2018 إلى إجبار الولايات المتحدة على العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي من خلال زيادة حجم اليورانيوم المخصب وجودته بشكل علني ومنضبط، وقد أوصلت طهران إلى مرحلة جديدة حيث لا تنوي العودة إلى القيود المفروضة عليها من الاتفاق الأصلي – وربما لن تحتاج لذلك – مقابل تجميد الوضع القائم ستكون قادرة على تلقي مليارات الدولارات المجمدة في البنوك في جميع أنحاء العالم، وتحرير المستثمرين في الغرب من التهديد بالعقوبات، وتدعم خزائنها وتضمن مستوى معيشة أفضل لمواطنيها؛ وتزيد من مدفوعات الرعاية الاجتماعية وإعانات الدعم المالي، وبالتالي على الأقل تهدئة الدافع الاقتصادي الذي يغذي الاحتجاج؛ وتحافظ على برنامجها النووي عند مستوى عالٍ.

المصدر: هآرتس/ “تسفي هارئيل”

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى