تحليل: “بن غفير” و”سموترتش” يحاولان تغيير مفهوم الأمن بالضفة الغربية

ترجمة الهدهد
يسعى الوزيران “إيتمار بن غفير” و”بتسلئيل وسموتريتش” إلى ترجمة قوتهم السياسية في تغيير مفهوم “إسرائيل” للأمن بالضفة الغربية.
إن الفجوات غير القابلة للتسوية في المواقف الأمنية ستستمر في تقويض استقرار “حكومة نتنياهو”، والتي تجد في هذا الواقع صعوبة في رسم خط سياسي أمني واضح دون الوقوع في صراع داخلي صاخب، تارة يتعلق بقضية “بن غفير” بخصوص الأسرى الفلسطينيين، وتارة أخرى بمشكلة نقل تسع سيارات مضادة للرصاص قدمها الأميركيون إلى الأجهزة الأمنية للسلطة.
جانب من الحكومة يريد البراغماتية وإجراءات بناء الثقة مع السلطة، بينما في الخلفية يضغط الأميركيون، وهناك في جانب آخر من الحكومة، من يريد تعريفهم كمنظمة يجب نزع سلاحها، وفي مثل هذا الواقع، من الصعب، بل من المستحيل، صياغة سلوك سياسي وأمني منظم مع مرور الوقت.
من أجل محاولة تفكيك اللغم السياسي الأخير، تطُلب من “رئيس الوزراء” نشر مقطع فيديو ينفى خلالها المنشورات التي تم بموجبها تمرير أسلحة عربات مدرعة، وهو ما تبين أنه تقرير غير صحيح، هذه المرة، يشير رد الفعل السريع لـ “رئيس الوزراء”، الذي وقع في السابق على عمليات نقل أسلحة إلى السلطة، أكثر من أي رئيس وزراء آخر إلى كم أن هذه قضية سياسية متفجرة.
فالجناح المعتدل في الحكومة، مثل الحكومات السابقة، يرى في السلطة الفلسطينية خياراً واقعياً أفضل من أي خيار آخر، وفق هذا المفهوم، ومن منطلق “المصالح الإسرائيلية”، ينبغي تعزيز السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، خاصة ضد عدو مركزي مشترك ألا وهو حماس، وبسبب الخوف من سيطرتها على الأراضي الخاضعة للسلطة، كما حدث في قطاع غزة.
أي صورة رصينة للواقع مفادها أنه إذا انهارت السلطة، فإن “إسرائيل” ستكون غارقة حتى العنق في تصعيد أمني أكثر خطورة، ومسؤولية مباشرة عن ملايين الفلسطينيين.
إذا تحقق مثل هذا السيناريو من وجهة “النظر الإسرائيلية”، فإن المستفيد الأكبر سيكون حماس، التي تسعى إلى خلق الفوضى على الأرض، ولكن الأخطر من ذلك – الربح الصافي سيكون لإيران وحزب الله، حيث ستقوم “إسرائيل” بتحويل معظم اهتمامها ومواردها لما يحدث في الأراضي الفلسطينية، وسوف تخضع لضغوط دولية متواصلة، وفي هذا السياق، لا فرق بين كل “الحكومات الإسرائيلية” الأخيرة، والتي ترأس أغلبها “رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو”.
ومع عدم وجود أفق سياسي واضح، وحتى في وضع يجد فيه الأميركيون صعوبة في رؤية حل سياسي، وفي إطار ما يسمى إدارة الصراع، وهشاشة العلاقة بين “الحكومة الإسرائيلية” وسلطة فلسطينية ترتكز على التنسيق الأمني، في هذا السياق، يقبل “رئيس الوزراء” و”وزير الجيش” بالموقف التقليدي للمنظومة الأمنية بأن لـ “إسرائيل مصلحة في تعزيز موقف السلطة الفلسطينية”.
وحتى لو ادعى المستوى السياسي الآن أن الموافقة على نقل تسع مركبات مضادة للرصاص التي قدمها الأميركيون هي تنفذ لاتفاقات قديمة من الحكومة السابقة، فإن المنظومة الأمنية توضح أن نقل المركبات المضادة للرصاص هو مصلحة أمنية واضحة لـ “إسرائيل”.
بعد أن أبلغ الفلسطينيون الأميركيين أنهم سيظهرون المزيد من العزم في الحرب ضد المقاومة، التي تقوض فعليا الاستقرار الأمني في المنطقة، لذلك، في المحادثات التي تجري بشكل وثيق خلف الكواليس بين ثلاثة جهات، “المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين والأمريكيين والفلسطينيين”، يدعي هؤلاء الأخيرون أنهم بحاجة إلى تعزيز قدراتهم للعمل في مخيمات اللاجئين، وبالتالي فإن المركبات المحصنة ليست سوى جزء من قائمة أطول تهتم بها السلطة الفلسطينية.
الأميركيون من جانبهم مستعدون لتقديم المزيد، بينما توافق “إسرائيل” على أقل، ولكن بشكل عام لا يوجد شيء جديد تحت الشمس، وهكذا في الواقع تعمل آلية تدريب وتجهيز وتسليح الوحدات الفلسطينية منذ سنوات طويلة، منذ تدريب وإنشاء “كتائب دايتون” على يد الأميركيين.
يعرف الوزيران “بن غفير” و”سموتريتش” ذلك جيدًا، حيث من الواضح أن المعدات العسكرية عالية الجودة لا تأتي من التهريب عبر الحدود في الأردن، ما تغير هذه المرة هو فعلياً معادلة الضغط السياسي على استقرار الحكومة، في القضايا الأمنية من الشركاء في اليمين.
في هذه المجالات أو الجوانب يكاد يكون الانضباط الائتلافي معدومًا، نصوص مناقشات المجلس الوزاري السياسي الأمني يتم تسريبها بطريقة غير مسبوقة، حتى مقارنة بالسنوات الأخيرة التي كانت سائبة، وذلك لصالح احتياجات سياسية عارضة.
حتى الأزمة الأخيرة، كان هذا وزير الأمن الوطني هو الذي ناكف الحكومة بأكملها تقريبًا بشأن قضية الاسرى الأمنيين، كما في المرات السابقة، بقي بن غفير في الغالب مع أجواء وجولات العلاقات العامة في وسائل الإعلام، ولكن مع حدوث شرخ آخر داخل الحكومة أدى إلى اقتناع قيادة الأسرى بأنهم تمكنوا من خلق ضجة داخل الحكومة دون أن يتطلب ذلك أي خطوة من جانبهم.
وعلى النقيض من “بن غفير”، تمكن وزير المالية والوزير في وزارة الجيش “بتسلئيل سموترتش” من ترجمة قوته السياسية في الحكومة الحالية إلى تغييرات جوهرية في عملية فيما يتعلق بقضايا الإدارة المدنية والبناء الاستيطاني والإشراف في الضفة الغربية.
وحتى في الماضي كان هناك وزراء وأعضاء حكومة من اليمين حاصروا “رئيس الوزراء”، لكن ذلك لم يؤثر على سياسة الحكومة، وعادة ما خفف الخط المعتدل من مواقف أصحاب وجهات النظر الأخرى، مثل وزير الجيش السابق “نفتالي بينيت”.
يُحسب لـ “سموتريش” أنه مخلص لمبادئه السياسية، لقد بنى الاتفاقات الائتلافية بحكمة شديدة بطريقته الخاصة، وبوظيفته المزدوجة كوزير للمالية ووزير في وزارة الجيش، بنى لنفسه ركيزة سياسية متينة انطلاقاً من مفهوم أنه يستطيع هذه المرة تحريك الحكومة بقوة نحو يمين، وهذا بخلاف سلوك “حكومات نتنياهو” منذ الأزل.
لكن هذه المصالح، التي تسعى لوضع قضية الضفة الغربية على رأس سلم الأولويات والنضال ضد السلطة الفلسطينية، تتناقض بشكل واضح مع المصالح الواضحة الأخرى لـ “إسرائيل” تجاه الأميركيين، والرغبة في الترويج لاتفاق مع السعودية، وفي ظل الأزمة الداخلية العميقة التي تعيشها “إسرائيل” على خلفية الإصلاح القانوني وموجة الهجمات المتصاعدة، فإن الفجوات الهائلة داخل الحكومة تجعل من الصعب للغاية أداء عملها الحالي في المجالين السياسي والأمني، مع مثل هذه التركيبة، من الصعب أن نرى وضعاً يكون فيه اتفاق التطبيع مع السعوديين ممكناً.
المصدر: معاريف/ “تال ليف رام”
Facebook Comments