رأي: الدروس المستفادة من أوسلو

ترجمة الهدهد
“إن الحركة الوطنية الفلسطينية لم تنضج بعد لتسوية تاريخية مع الحركة الصهيونية، وسيستمر الصراع العنيف في المستقبل المنظور، وطالما استمر هذا الوضع، سيكون على كيان العدو أن يسيطر عسكريا على المنطقة بأكملها، إن الفشل في حل القضية الفلسطينية على وجه التحديد يوضح أن الفلسطينيين ليس لديهم حق النقض على إقامة علاقات عامة وعلاقات متبادلة المنفعة بين الدول العربية وإسرائيل”.
يمكن أيضًا التعلم من حالات الفشل، لقد ارتكزت اتفاقيات أوسلو على افتراض أن هناك تغييراً جوهرياً في موقف منظمة التحرير تجاه الكيان، لقد خُدعنا، وحتى يومنا هذا لم يتم تلبية مطلب الاعتراف بـ “دولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي”، كما لم يتم قبول طلب الوصول إلى “نهاية المطالبات”.
أي أنه لا بد من الاستنتاج بأن منظمة التحرير، والتي تتحداها حماس، ليست ناضجة للتوصل إلى تسوية تاريخية مع “الحركة الصهيونية”، وقد يتخذ الصراع في المستقبل المنظور أشكالاً مختلفة من العنف، وفي الواقع، ووفقاً لاستطلاعات الرأي العام بين الفلسطينيين، فإن استخدام القوة ضد اليهود يحظى بتأييد كبير، وحتى لو سئم جزء من الشعب الفلسطيني الصراع ويريد السلام والازدهار، فإن ثمن الدماء في الصراع مع الكيان لا يفت في عضد الجماعات الموالية لمفهوم مقاومة الكيان الصهيوني.
كجزء من عملية أوسلو، تم نقل أراض إلى السيطرة الحصرية للفلسطينيين. ومع ذلك، فإن السلطة التي نشأت في أعقاب اتفاقيات أوسلو تواجه صعوبة في العمل كدولة، إن أهم ما يميز الدولة هو احتكار استخدام القوة، لقد فقدت حكومة رام الله السيطرة على قطاع غزة لصالح منظمة مسلحة منافسة، حماس، في عام 2007، ومؤخراً فقدت السلطة السيطرة على شمال الضفة الغربية وتحولت مخيمات اللاجئين إلى معاقل للمنظمات المسلحة التي لا تخضع للحكومة المركزية، إن الافتقار إلى القدرة على الحفاظ على احتكار استخدام القوة هو السمة المميزة للعديد من الكيانات العربية، لبنان وليبيا والعراق وسوريا واليمن هي دول بالاسم فقط، لأن الحكومة المركزية تفتقر إلى القدرة على التعامل مع الجماعات المسلحة، وهذه الظاهرة لا تبشر بالخير بالنسبة للثقافة السياسية السائدة في المنطقة، ولإمكانية التوصل إلى علاقات سلمية مستقرة مع جيراننا.
وتؤدي الملاحظتان السابقتان إلى الاستنتاج المؤسف بأن المنطقة التي يوجد فيها كيان العدو لا تشبه على الإطلاق مناطق أخرى من العالم يسود فيها السلام بين الدول ولا يشكل استخدام القوة بديلاً يتبادر إلى الذهن لحل الصراعات بين الجيران. وخلافاً لمناطق السلام (أميركا الشمالية على سبيل المثال)، فإن استخدام القوة في الشرق الأوسط يشكل بديلاً في أدوات الكيانات السياسية، لذلك، يحتاج كيان العدو إلى استيعاب الحقيقة غير المريحة المتمثلة في أن “الشعب اليهودي” الذي يعيش على أرض فلسطين سيضطر إلى العيش تحت التهديد لفترة طويلة قادمة.
تشير هذه الحقيقة إلى الحاجة الأمنية لمواصلة السيطرة العسكرية على كامل الأرض المحتلة– من النهر إلى البحر، ولا يمكن لكيان العدو أن يتحمل خسارة السيطرة على هذا المساحة، أي أنه سيواصل مراقبة المنطقة التي يعيش فيها الكثير من الفلسطينيين، إن النظام السياسي الفلسطيني غير قادر على منع المقاومة ضد الكيان حتى لو أراد ذلك، وطالما لم يحدث تغيير في نظام التعليم الفلسطيني الذي يدرس محتوى “معاد للسامية”، وطالما ظلت السلطة تدفع للمقاومين وطالما ظلت أبواقها تبث رسائل معادية للسامية، فلن يكون هناك سلام، إن ما يسمى “الاحتلال” سيظل هو السمة المميزة للعلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين.
اليوم هناك إجماع وطني في كيان العدو على أن هذه المحاولة لحل الصراع مع الفلسطينيين قد باءت بالفشل، علاوة على ذلك، فإن الاعتقاد بأنه من المستحيل حل الصراع المستمر منذ أكثر من مائة وخمسين عاما هو أمر معروف لدى جميع “الإسرائيليين، إن سياسة العدو في إدارة الصراع هي الخيار التلقائي لعملية أوسلو، وتتسرب هذه الرؤية أيضاً في المجتمع الدولي، وتتطلب هذه السياسة تقليل الاحتكاك مع الفلسطينيين، ويتعين على كيان العدو أن تستخدم قوتها العسكرية بحذر، ومن الضروري بطبيعة الحال توجيه الاستيطان اليهودي إلى الأماكن التي توجد فيها فائدة أمنية فقط، مثل المناطق المحيطة بالقدس وغور الأردن.
ولكن الفشل يوضح أنه على الرغم من أن القضية الفلسطينية لم يتم حلها، فمن الواضح اليوم أن الصراع بين كيان العدو والفلسطينيين لا يؤدي إلى عدم الاستقرار في بقية الشرق الأوسط، لقد تبين أن الافتراض بأن للفلسطينيين لهم حق الاعتراض على علاقات الدول العربية مع الكيان غير صحيح، علاوة على ذلك، فإن القضية الفلسطينية لا تمنع الدول العربية من الحفاظ على علاقات دبلوماسية عامة وعلاقات متبادلة المنفعة الكيان. لقد تجرأت مصر على إثبات ذلك بالفعل في عام 1979، واتفاقيات أبراهام لعام 2020 تشهد على ذلك بقوة أكبر.
ومع ذلك، “لا ينبغي لإسرائيل أن تقع في وهم أن قبولها في الدوائر المتنامية في العالم العربي هو عملية ذات اتجاه واحد، لا تزال القضية الفلسطينية تتردد في أروقة المباني الحكومية وفي الفصول الدراسية في المؤسسات التعليمية في العالم العربي، وفي ظل ظروف معينة، يمكن أن تجد إسرائيل نفسها معزولة ومهددة من قبل الدول العربية مرة أخرى، لذلك، يجب أن نستمر في الاستثمار في جيش قوي، والذي هو الضمان لأمن البلاد ومواطنيها”.
البروفيسور “أفرايم عنبر” / رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن
Facebook Comments