هل الهجوم على قادة جيش العدو منظم ومقصود أم عفوي؟

ترجمة الهدهد
لقد أطلق التشريع المتعلق بالعلاقة بين حكومة العدو والنظام القضائي، الذي يقوده الائتلاف الحاكم منذ بداية العام، صراعًا تم خلاله تجاوز خطوط لم يتم تجاوزها قبل الآن، وهو أمر من شأنه أن يعرض “الأمن القومي” للكيان للخطر.
من أخطر الظواهر في هذا السياق هجوم وزراء حكومة العدو وأعضاء الكنيست والمتحدثين البارزين من مؤيدي التشريع ضد جنود جيش العدو، و جنود الاحتياط الذين أعلنوا وقف التطوع بسبب ما يرون أنه تهديد للطابع الديمقراطي للكيان، وليس أقل من ذلك ضد الأشخاص الذين يترأسون الأجهزة الأمنية للعدو.
بعض التصريحات، مثل مهاجمة عضو الكنيست “تالي غوتليب” لجيش العدو و”الشاباك”، ليست أكثر من مجرد كلام، فهو يهدف إلى حشد التعاطف بين الهوامش الأكثر تطرفًا من مؤيدي التشريع؛ ومع ذلك، يبدو أن الهجمات ضد القيادة الأمنية لها أيضاً أسباب أخرى، بعضها غير مرئي للعين، والدليل على ذلك أنها بدأت قبل فترة طويلة من العاصفة الأخيرة.
بعد اتفاقيات أوسلو، بل وأكثر من ذلك بعد الانسحاب من قطاع غزة، سُمعت عبارات متطرفة من أفواه الحاخامات، الذين هاجموا جيش العدو ودعوا إلى رفض الأوامر، ولكن في السنوات الأخيرة نشهد هجمات شخصية ضد كبار مسؤولي المنظومة الأمنية في الكيان من قبل الأحزاب السياسية، وهو ما يصعب تجاهل احتمال أنه لم يكن المقصود منها سوى إضعاف مكانة القادة كأصحاب صلاحية وأصحاب كلمة في الأمور الأمنية، وتصويرهم على أنهم ملوثون سياسيًا، وكمن هم مستعدون التخلي عن الأمن.
كان الهدف الواضح لهذه الهجمات هو رئيس أركان جيش العدو “غادي آيزنكوت”، الذي اتخذ موقفاً أخلاقياً واضحاً في التعامل مع انتفاضة السكاكين، وهكذا بعد ما سمي بـ “خطاب المقص”، “لا أريد لجندي أن يفرغ مخزن رصاص على فتاة تحمل مقصًا”، ثم تعرض لهجوم من قبل سياسيين يمينيين زاعمين أنه تسبب في أضرار لجيش العدو لا يمكن إصلاحها، وحدث ذلك بشكل أكبر في قضية الجندي “أليئور أزاريا”، عندما وُجهت إليه أيضًا تهديدات شخصية “انتبه غادي رابين يبحث عن صديق” كانت هذه أحداثًا بارزة لما أصبح الان روتينيًا، مظاهرات أمام منازل قادة من قيادة المنطقة الوسطى وفرقة الضفة الغربية. (نيتسان ألون ونوعام تيبون وآخرين)، ومنشورات وبيانات مختلفة تظهر قيادة جيش العدو على أنها فقدت الروح القتالية والإرادة للنصر.
يمكن الافتراض أن هناك عدة أسباب لهذه الهجمات، يشعر بعض السياسيين من الجمهور القومي الديني أن النسبة المتزايدة لأفراد هذا الجمهور بين الجنود الميدانيين القتاليين والضباط الشباب في جيش العدو يجب أن تنعكس أيضًا في هيمنة أكبر لقيمهم (كما يرونها)، يبدو أن الهجمات تهدف إلى تقويض موقف النخبة الأمنية في الكيان، التي تتمتع بثقة عامة أكبر بكثير من الثقة في السياسيين، ولأنهم يشعرون أن هذا الموقف قد يكون مهم بالنسبة لهم فيما يتعلق بالتسوية السياسية إذا جاءت، وفي ما يتعلق بالسياسة اليومية في الأراضي الفلسطينية.
ويُنظر إلى مرتدي الزي العسكري وعناصر “الشاباك” على أنهم حراس العتبة، الذين يمنعون حكومة اليمين من تنفيذ سياساتها، ومن ناحية أخرى يتمتعون بشعبية ومصداقية لدى معظم طبقات الجمهور.
النخبة العسكرية هي التي أعطت “ختم الشرعية” للتحركات السياسية البعيدة المدى، مثل اتفاقيات أوسلو والانسحاب من قطاع غزة، كما أنها تطالب مراراً وتكراراً لأسباب أمنية، بتيسير حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وتعزيز التعاون مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، التي تؤدي أفعالها حسب كبار الضباط، إلى إنقاذ حياة “الإسرائيليين” وهذا له أهمية كبيرة في نظر غالبية الجمهور.
ويطبق الضباط أيضًا يوميًا سياسة إخلاء البؤر الاستيطانية غير القانونية، ومنع الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وإحباط اعتداءات المستوطنين الموجهة ضد الفلسطينيين، ومحاولة الفصل بين السكان عن منظمات المقاومة الفلسطينية لمنع اندلاع هجمات كبيرة، كل هذا لا يعجب السياسيين من اليمين المتطرف، جوابهم هو محاولة لنزع الشرعية عن كبار الضباط ووصفهم بأنهم هم من يمنعون حكم اليمين الحقيقي، كما يفسرونه.
الأقل علانية هو احتمال قيام جيش العدو ومسؤولي “الشاباك” منح الموافقة الأمنية لتسوية سياسية، لقد تحول النقاش الرئيسي حول مستقبل الأراضي التي تم احتلالها في حرب الأيام الستة مع مرور الوقت من نقاش إيديولوجي إلى نقاش أمني، حيث يتم التركيز على القلق المبرر بشأن العواقب الأمنية المترتبة على خطوات الانسحاب، وعلى هذه الخلفية ضعف إلى حد كبير الدفع من أجل التوصل إلى تسوية سياسية إلى درجة أن معظم “الإسرائيليين” أصبحوا لا يرون فرصة في ذلك.
من الممكن أن من يهاجمون جيش العدو يخشون من أنه إذا اصبح للكيان قيادة تتوصل إلى مثل هذا الاتفاق، سيخفف الدعم والموافقة من قادة جيش العدو والمنظمات الأمنية الأخرى من المخاوف الأمنية ويزيد من الدعم للاتفاق، لأن المشكلة في أساسها أمنية، وأن من يملكون الموافقة الأمنية يثقون في الاتفاق، سيكون من الصعب على المعارضين حشد دعم واسع النطاق لموقفهم.
ولهذه الهجمات صدى، خاصة بين الجمهور الذي يأتي منه المهاجمون، وفيها انتقاص من “شرعية” جيش العدو نفسه، وفي قدرة القادة على القيادة وفي القدرة على الحفاظ على الشرعية اللازمة للعملية الأمنية، في هذه الأيام التي تشهد فيها كفاءة جيش العدو ونموذج القوى البشرية فيه عدم استقرار، وتحولت فيه الخدمة العسكرية النظامية والاحتياط جزءًا من ساحة المعركة في حرب “الهوية الإسرائيلية” (الامر الذي سيكون له في حد ذاته عواقب وخيمة في المستقبل)، فإن الهجمات الشعبوية والسياسية على القيادة العليا لجيش العدو تشكل خطورة مضاعفة.
المصدر: معهد أبحاث الامن القومي/ عوفر شيلح
Facebook Comments