أخبارترجمات

تحليل:

خطاب “برنيع” يكشف عجز “الموساد”

ترجمة الهدهد

انتقد رئيس شعبة الاستخبارات السابق في جيش العدو “تامير هايمان” خطاب رئيس الموساد، “ديدي بارنيع” في مؤتمر سياسة مكافحة الإرهاب (ICT) في جامعة “رايخمان”، والذي تناول خلاله العديد من القضايا مع التركيز على قضية إيران.

وأوضح “هايمان” أن إيران في أفضل حالاتها الأمنية في السنوات الأخيرة، وبهذا يتناقض “هيمان” كلام “بارنيع” الذي قال إن الموساد سيعمل على ألا تمتلك إيران أسلحة نووية أبداً.

وهذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها الموساد وشعبة الاستخبارات وجهات نظر متعارضة، في الآونة الأخيرة فقط، على خلفية مرور 50 عاماً على حرب 1973، يستمر التوتر بين المنظمتين.

يركز على العمليات التكتيكية

كشف خطاب “بارنيع” عن مشكلة الموساد في التعامل مع التهديدات الاستراتيجية للكيان، وعلى رأسها السلاح النووي الإيراني، فمعظم الخطاب ركز على التهديدات التكتيكية التي يطلقها رئيس الموساد ضد الخلايا الإيرانية التي تحاول قتل اليهود في الخارج.

وبطبيعة الحال، هذا تهديد خطير يجب معالجته، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هو الدور الرئيسي للموساد باعتباره جهاز الاستخبارات الخارجي الوحيد لكيان العدو؟

وعلى هذا النحو، فإن دوره هو التحذير من الحرب، وفي الأمر الثاني، يتولى الموساد مهمة إحباط أو مراقبة التهديدات الاستراتيجية، وعلى رأسها الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، العمليات التكتيكية مثل مطاردة الوحدات الإيرانية مهمة، لكنها ليست الجوهر الأساسي للجهاز.

منذ 23 عاماً، يحاول الموساد تأخير أو إيقاف (اعتماداً على من تسأل) المشروع النووي العسكري الإيراني، ورغم أن البحث على محرك البحث جوجل سوف يسفر عن عناوين رئيسية مذهلة، إلا أنه في واقع الأمر، كما زعم “هايمان” هذه الأيام، فإن إيران تمتلك من المواد النووية المخصبة ما يكفي لبناء ستة منشآت نووية (منشأة = قنبلة).

بطبيعة الحال، السؤال المطروح هو كيف تستغرق إيران كل هذا الوقت الطويل لتطوير قنبلة نووية؟ (على افتراض أنها لا تمتلك قنبلة بالفعل، كما تزعم وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية)، لقد أجرت إيران جميع التجارب على مكونات القنبلة حتى أوائل عام 2000، في الوقت الذي تم فيه تعيين “مئير داغان” رئيسا للموساد وأمره رئيس وزراء العدو السابق “إريل شارون” بتأخير البرنامج النووي الإيراني.

ومنذ ذلك الحين، لم تقم إيران بإجراء اختبار رسمي ولم تعرض أي منشأة (كما فعلت كوريا الشمالية)، لقد اختارت إيران، عمداً، طريق الغموض، ويركب الموساد على هذا الغموض لتسويق النجاحات العملياتية للجمهور في “إسرائيل”، حتى لو كان هناك نجاحات.

وجاء في تقرير صادر عن معهد isis-online الإلكتروني الأمريكي، الذي يعمل مع الموساد لمناطحة إيران منذ سنوات، أن “إيران تحتفظ بالقدرة، باستخدام 40 كجم من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60% وثلاثة أو أربعة مصانع أجهزة طرد مركزي متقدمة جداً لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب بمستوى سلاح نووي خلال 12 يوماً وفقا لما نشر.

وكتب “هايمان” عن هذا: لقد اعتدنا على الوضع، لقد قمنا بتطبيع التهديد، وإذا واصلنا الاعتياد على هذا الوضع المتدهور ولم نغير استراتيجيتنا فسوف ينتهي بنا الأمر إلى إيران نووية”.

السلاح الروسي

إلى جانب النتائج المثيرة للجدل بشأن أداء الموساد فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وضع رئيس الموساد اسم روسيا في عناوين الأخبار، كمزود مستقبلي لإيران بالسلاح الذي سيهدد الكيان، وزودت روسيا إيران بطائرات تدريب مؤخراً، ومن المتوقع أن تزودها بطائرات مقاتلة في المستقبل، ومن الممكن أن يكون الموساد على علم بأنواع أخرى من الأسلحة.

كيف ينوي الموساد التعامل مع روسيا في هذا الشأن؟ هل سيدمر المعدات العسكرية الروسية على الأراضي الإيرانية؟ أم سيدمر طائرات النقل الروسية في الجو؟ أو هل سيغتال كبار المسؤولين في صناعة الأسلحة الروسية؟

وحتى لو افترضنا أن الموساد قادر تقنياً على القيام بذلك، فإن روسيا ليست إيران، والموساد لا يريد أن يبدأ حرباً مع المخابرات الخارجية من المحتمل ألا تنتهي بشكل جيد، ومن المتوقع أن تؤدي حرب الظل مع روسيا إلى فرض أثمان سياسية وجيوسياسية على “الحكومة الإسرائيلية”، وهو أمر ليس من المؤكد أن أي شخص في “تل أبيب” يريد دفعه.

المال الصيني

إلى جانب الصعوبات التي يواجهها الموساد في التعامل مع السلاح النووي الإيراني والأسلحة الروسية في إيران، وهما تحديان استراتيجيان، أشار رئيس الموساد في خطابه إلى جانب استراتيجي آخر يجد الموساد صعوبة في التعامل معه، وهو الصين، ووفقاً لـ “بارنيع” تعد الصين واحدة من أكبر مشتري النفط من إيران خلال السنوات القليلة الماضية التي يسري فيها عقوبات صارمة على صناعة النفط الإيرانية، وتزود الأموال الصينية طهران بأنبوب الأكسجين المالي الذي يساعدها في التعامل مع طوق العقوبات الخانق من الغرب.

كيف ينوي الموساد التعامل مع الصين؟ إغراق الناقلات التي تستخدمها الصين التي تغادر إيران؟ أم اغتيال كبار المسؤولين في صناعة النفط الصينية؟

من الواضح لأي شخص لديه فهم أنه من المشكوك فيه ما إذا كان الموساد لديه أي نفوذ في الصين، سواء بسبب الاختلافات اللغوية والثقافية أو بسبب قدرة الموساد على تطوير البنية التحتية في بلد كبير مثل الصين.

أضف إلى ذلك تقنيات المراقبة المتوفرة في الصين، مما يثير الشك في مدى سهولة قيام الموساد بتشغيل عملاء في نظام مراقبة كهذا، ولم نتحدث عن الموافقة التي يجب الحصول عليها من “رئيس الوزراء” لمثل هذا النشاط، يمكن الافتراض أن “الحكومة الإسرائيلية” لا تريد التورط مع الصينيين بسبب النفط الإيراني، وحتى الأمريكان لا يعالجون ذلك.

التركيز على العملية التكتيكية

يمكن أن نفهم لماذا تمحور خطاب رئيس الموساد حول عملية مراقبة وتهديد تكتيكي ضد خلايا إيرانية أو تعمل باسم إيران، تحاول قتل “إسرائيليين” في الخارج، فالموساد ممتاز في العمليات التكتيكية.

يتضمن تاريخ المنظمة نجاحات في ملاحقة المطلوبين ومع ذلك، في القضايا الاستراتيجية، مثل الملف النووي الإيراني، والدعم الاقتصادي الصيني لإيران، والدعم العسكري الروسي لإيران – هذه تحديات صعبة بالنسبة للموساد، ولذلك لم يركز عليهم رئيس الموساد في خطابه.

وحتى على الساحة الأميركية فإن الأمر ليس سهلاً بالنسبة للموساد، وفي الآونة الأخيرة فقط ترددت أنباء عن أن الأمريكيين يعتزمون عقد صفقة أسرى مقابل المال مع إيران، بالإضافة إلى ذلك، قرر الأمريكيون الإفراج عن الأموال المحتجزة في كوريا الجنوبية لصالح إيران، وهناك أيضاً اتفاق نووي جديد يجري صياغته سراً على ما يبدو بين واشنطن وطهران، كيف يؤثر الموساد على القرارات في البيت الأبيض؟ إن كان ذلك ممكناً أصلاً؟

الظروف المخففة

ليس من السهل جمع المعلومات الاستخبارية في الخارج، وإلى جانب التحديات العملياتية المتمثلة في اختراق المنظمات والوصول إلى صناع القرار على الجانب الآخر، أدت سياسة “الاتفاق الإسرائيلية” في السنوات الأخيرة إلى تقييد الموساد بسبب التكلفة الجيوسياسية الكامنة في التجسس بين “أصدقاء” أو “أصدقاء المستقبل”.

في السنوات الأخيرة تنتقل “إسرائيل” من استراتيجية “الحرب مع الجميع” إلى استراتيجية “الاتفاقات مع الجميع”

اتفاقيات أبراهام في الخليج، والمنتدى الآسيوي الذي روج له “نتنياهو” في زيارته الأخيرة لقبرص، والجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاقات في إفريقيا تديرها وزارة الخارجية وغيرها، وفي سياسة الاتفاقات قد يؤدي التجسس المتبادل إلى تكلفة جيوسياسية، وهي حقيقة تجعل من الصعب على الموساد التعامل مع التهديدات الاستراتيجية.

ونضيف إلى ذلك أن التعامل مع قوى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي يختلف تماماً عن بناء قبضة استخباراتية في بلد مثل إيران أو سوريا، سواء من ناحية البنية التحتية (التكلفة، التحديات العملياتية، الحجم المادي)، سواء في جانب التعامل مع أجهزة مكافحة التجسس المحلية أو في جانب رد الفعل المضاد من الجانب الآخر.

ومن هنا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان الموساد في تشكيلته الحالية مصمماً للتعامل مع التحديات الإستراتيجية التي تشمل قوى مثل الصين وروسيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، التحديات التي من المتوقع أن تصبح أكثر تعقيداً في السنوات المقبلة.

المصدر: “إسرائيل دفينس”

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى