أخبارالشرق الأوسطشؤون فلسطينية

كيف استفاد كيان العدو من “اتفاق أوسلو”؟

ترجمة الهدهد

بعد مرور ثلاثة عقود على توقيع “إعلان المبادئ”، الذي كان نقطة الانطلاق لعملية “أوسلو”، لا يزال هناك خلاف حوله في أوساط جمهور الكيان، يدعي مؤيدو عملية أوسلو أنها كانت بداية عملية المصالحة بين “الإسرائيليين” والفلسطينيين، والتي توقفت، حسب قولهم، بسبب السلوك الفاشل لقيادة العدو والسلطة الفلسطينية، التي لم تعرف كيفية تجاوز العقبات في الطريق إلى تسوية تاريخية تضع نهاية للصراع.

في المقابل، يزعم منتقدو العملية أنها كانت خطأ تاريخيًا ناجمًا عن وهم حكومة العدو بقيادة “رابين” و”بيريز” ولاحقا حكومة “باراك” أيضًا.

بخصوص هذه الحكومات هي أخطأت في وهم إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، الذين اعتبروا اتفاقات أوسلو جزءاً من نظرية المراحل التي طرحتها منظمة التحرير الفلسطينية.

وشدد معارضو العملية على الثمن الباهظ الذي دفعه كيان العدو في شكل قتل أكثر من ألف يهودي على يد المقاومة الفلسطينية، بل وجادلوا بأن إنشاء السلطة الفلسطينية يشكل خطرًا على كيان العدو، ويبدو أنه إذا نظرنا إلى الوراء، يمكن القول إن عملية أوسلو كانت لها عيوبها، ولكن أيضا مزاياها.

أولاً، بالنسبة لـ”إسحاق رابين”، كانت اتفاقيات أوسلو وسيلة لفصل كيان العدو عن الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة، بهدف التغلب على التهديد الديموغرافي ومنع وضع يتحول فيه الكيان من “دولة” يهودية ديمقراطية إلى دولة ثنائية القومية، هذا هدف يهم معظم “الإسرائيليين”، وحتى فك الملك حسين “الارتباط” عن الضفة الغربية عام 1988 (بعد الانتفاضة الأولى)، كان “رابين” يؤيد “الخيار الأردني” الذي بموجبه يكون الأردن شريكًا في التسوية السياسية لغرض معالجة القضية الفلسطينية ومستقبل أراضي الضفة الغربية، لم يكن “رابين” يريد أن يحكم الكيان أمة أخرى، وكان دائمًا على استعداد لتقسيم الأرض، وفي تسعينيات القرن الماضي توصل إلى نتيجة مفادها أن السبيل الوحيد للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين هو المفاوضات مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، كما قدر “رابين” أن الوضع الصعب الذي تعيشه المنظمة بعد دعم صدام حسين كان بمثابة فرصة لإبرام صفقة بشروط أكثر ملاءمة للكيان.

بالنسبة له، كانت اتفاقيات “أوسلو” أداة لخلق فصل سياسي بين كيان العدو والفلسطينيين، وإقامة “دولة” فعلية في تجمعات السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، إن الانفصال السياسي الذي نشأ عن اتفاقيات أوسلو، حيث يخضع 95% من السكان الفلسطينيين لسيطرة السلطة الفلسطينية بشكل أساسي، أصبح حقيقة عمرها ثلاثة عقود من الزمن، وفي هذا الجانب، ساهمت عملية “أوسلو” بشكل كبير في الحد من تهديد الدولة ثنائية القومية، الذي يشكل خطراً وجودياً على مستقبل الدولة اليهودية، ثانياً، أوضحت عملية “أوسلو” للتيار الرئيسي من الجمهور اليهودي في الكيان وقيادته أنه لا توجد فرصة لحل الصراع “الإسرائيلي” الفلسطيني والتوصل إلى اتفاق سلام مع الحركة الوطنية الفلسطينية في المستقبل القريب.

“رابين” لم يؤيد إقامة دولة فلسطينية، بل “أقل من دولة”، حيث يستمر كيان العدو في السيطرة على غور الأردن بالمعنى الأوسع للكلمة وعلى الكتل الاستيطانية، وهذا يشبه مواقف رئيس حكومة العدو الحالي “بنيامين نتنياهو” الذي أيد قبول خطة الرئيس ترامب للسلام، ومن ناحية أخرى، كان هناك رئيسا حكومة للعدو قدمًا تنازلات بعيدة المدى من أجل التوصل إلى تسوية دائمة، الأول كان “إيهود باراك” الذي اقترح على الفلسطينيين في مؤتمر كامب ديفيد (تموز/يوليو 2000) إقامة دولة فلسطينية على مساحة 92% من الضفة الغربية وقطاع غزة بأكمله؛ والاستقبال المحدود للاجئين على أساس إنساني وهو لم شمل الأسرة؛ والسيادة الفلسطينية على الأحياء العربية في القدس الشرقية، بما في ذلك الأحياء الإسلامية والمسيحية في البلدة القديمة، وقد رفض عرفات العرض.

وفي سبتمبر (أيلول) 2008، طرح “أولمرت” عرضاً أكثر سخاءً على طاولة المفاوضات، وهو ما لم يقبله أبو مازن، ويضمن هذا الاقتراح إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها “القدس الشرقية” على مساحة 100% من الضفة الغربية وقطاع غزة، مع تبادل الأراضي والتخلي عن السيطرة على غور الأردن.

 وبعد أن رفضت قيادة السلطة تنازلات “باراك” و”أولمرت”، التي لم تحظى بتأييد التيار الرئيسي في الكيان، أدرك الجمهور “الإسرائيلي” أن الفجوة في المواقف بين الطرفين لا تسمح بالتوصل إلى اتفاق، وهذه الحقيقة ما كانت لتتجلى لولا عملية “أوسلو” التي ظهر في إطارها التردد الفلسطيني مقابل التردد “الإسرائيلي” في السعي إلى السلام، وفي هذا الجانب كانت عملية أوسلو بمثابة عملية تعلم للمجتمع اليهودي في الكيان وقيادته، حيث ساعدت في نضوجه وتخليه عن أوهام متفائلة بأن السلام أصبح في متناول اليد، لقد أدرك معظم “الإسرائيليين” أن التوصل إلى اتفاق سلام “إسرائيلي” فلسطيني أمر غير قابل للتحقيق في المستقبل المنظور.

ثالثاً، الدرس الرئيسي الذي تعلمه المجتمع اليهودي وقيادته من عملية “أوسلو” هو أنه من الأفضل للكيان ألا يعتمد على الآخرين فيما يتعلق بأمنه، لقد تبين أن توقعات حكومة “رابين” بأن عرفات والسلطة الفلسطينية سيحاربان المنظمات الفلسطينية ويمنعان العمليات ضد الكيان (بدون المحكمة العليا وبدون بتسيلم) منفصلة عن الواقع.

 سمحت اتفاقيات “أوسلو” لعرفات بإدارة حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وزودته بالسلاح لمحاربة المنظمات الفلسطينية.

 ومع ذلك، في النهاية، تم توجيه الأسلحة ضد جنود جيش العدو والمستوطنين في الكيان، حيث شارك أفراد قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية الذين كان من المفترض أن يقاتلوا المنظمات الفلسطينية كما يتطلب الاتفاق، في عمليات ضد الإسرائيليين.

أيضًا الاقتراح بأن قوة متعددة الجنسيات في غور الأردن ستعزل الكيان عن التهديدات من الشرق، وهو الأمر الذي اتفق عليه “أولمرت” وأبو مازن في إطار المفاوضات التي أجروها حول التسوية الدائمة تبين أنه مجرد وهم، والدرس الواضح هنا هو أن على كيان العدو أن يتمسك بمفهومه الأمني، أي أن يحمي نفسه بنفسه، ولا يعتمد على الآخرين، لقد أدرك الجمهور في الكيان وقيادته، بتكلفة باهظة من الدماء، أن الصراع التاريخي يجب أن يُدار بحكمة، وأن الواقع يظهر مراراً وتكراراً أن الصراع لا يمكن حله في المستقبل المنظور.

إن التجربة المتراكمة بعد ثلاثة عقود منذ بداية عملية “أوسلو” تطرح توصيتين أساسيتين:

  1. يجب على قيادة العدو أن تستمر في التصرف على الساحة الفلسطينية، وهي تعلم أن الجانب الفلسطيني في المستقبل المنظور ليس شريكا حقيقيا في اتفاق سلام، وحتى لو كان هناك أو سيكون هناك زعيم فلسطيني يمد يده للسلام، وهو سيناريو غير مرجح في المستقبل القريب، فإن الفجوة غير القابلة للتسوية في المواقف بين الكيان والفلسطينيين لن تسمح بالتوصل إلى اتفاق يحفظ “أمن” الكيان وأصوله “الأمنية” و”الوطنية” و”الهوية اليهودية” للكيان.
  2. من أجل كبح تهديد “الدولة ثنائية القومية” للكيان كـ”دولة يهودية” وديمقراطية، سيكون من الأفضل لحكومة العدو أن تسعى جاهدة إلى تنفيذ عناصر إضافية من “خطة ترامب” من جانب واحد، مثل تطبيق السيادة على غور الأردن والكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، الأمر الذي من شأنه أن يشير إلى الرغبة في الانفصال بين الكيان والفلسطينيين، بالإضافة إلى ذلك، وخلافاً لغرائز قادة المستوطنين، يتعين على حكومة العدو أن تتجنب الاستيطان في المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية العالية، وينبغي تنفيذ هذه التحركات بإجماع وطني واسع، مع التوضيح بوضوح للجمهور في الكيان، أن هذه التحركات تحقق الرؤية الصهيونية وتعزز “الأمن القومي” لـ”الدولة اليهودية”.المصدر: معهد القدس للاستراتيجية والأمن/ أوري فيرتمان

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي