الطلب النووي السعودي.. بين الفرص والاستحالة أمريكيًا

#ترجمة_الهدهد
تواجه إدارة “بايدن” صعوبة في إقناع المشرعين الديمقراطيين ومؤثري الرأي العام المحسوبين على الحزب الديمقراطي بدعم الشروط التي يتم الترتيب لها للاتفاق مع السعودية، مع التركيز على الطلب السعودي ببرنامج نووي مدني يشمل تخصيب اليورانيوم.
وبحسب صحيفة “هآرتس”، ودرس الإدارة مخططاً لبناء منشآت التخصيب على الأراضي السعودية، لكنها ستخضع للإشراف وربما التحكم عن بعد من قبل الولايات المتحدة، وحتى الآن لم تقدم الإدارة مواصفات فنية دقيقة لهذه الفكرة.
ما يستخدمه كبار مسؤولي الإدارة في إحاطات المشرعين والصحفيين في واشنطن هو أنه سيكون برنامجًا أمريكيًا بكل الوسائل، ستعمل على الأراضي السعودية.
ويحتاج “بايدن” إلى دعم 67 عضوا في مجلس الشيوخ للموافقة على اتفاق أميركي سعودي، ويشغل حزبه حاليا 51 مقعدا في مجلس الشيوخ.
ويقدر المسؤولون في الإدارة أن الأمر سيتطلب جهود إقناع كبيرة أمام مجموعة من نحو عشرة أعضاء ديمقراطيين في مجلس الشيوخ، الذين يعارضون المطالب السعودية، خاصة فيما يتعلق بالقضية النووية.
وحتى لو صوت جميع أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين البالغ عددهم 51 عضوا لصالح الاتفاق، فإنه سيظل يتطلب دعما واسع النطاق من الجانب الجمهوري أيضا.
وتعتقد الإدارة أن دعم اللوبي المؤيد لكيان العدو في واشنطن سيساعد الجانب الجمهوري، لكنها تدرك أنه يتعين عليهم أولا التعامل مع المعارضة داخل صفوف حزب الرئيس.
الطلب السعودي المستحيل
وأوضح السيناتور الديمقراطي “كريس ميرفي”، الذي يرأس لجنة شؤون الشرق الأوسط، هذا الأسبوع في مقابلة مع صحيفة “فايننشال تايمز” المخاوف داخل الحزب: “أنا مؤيد كبير للسياسة الخارجية للرئيس بايدن، وقد دافعت عن بعض سياساته”.
“معظم التحركات المثيرة للجدل، مثل الانسحاب من أفغانستان، لكن بالصدفة، ما زلت غير مقتنع بهذا الأمر”.
وأضاف “ميرفي” أن المطالب السعودية قد تجر الولايات المتحدة بشكل أعمق إلى الواقع المتضارب والدموي في الشرق الأوسط، في حين أن المصلحة الأمريكية في الواقع هي التركيز على حماية حلفاء واشنطن في أوروبا وشرق آسيا.
وكجزء من المحادثات، يطالب السعوديون بإبرام اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة، والتي من شأنها أن تلزم المؤسسة العسكرية الأمريكية بالدفاع عنهم في حالة وقوع المملكة العربية السعودية في الحرب.
بالإضافة إلى ذلك، يريدون الدعم والمساعدة الأمريكية في إنشاء البرنامج النووي على أراضي المملكة، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم.
وأضاف: “أريد اتفاق تطبيع سعودي – “إسرائيلي”، لكنني لا أعتقد أن الجمهور الأمريكي سيدعم شيئًا يجر بلادنا مرة أخرى إلى الصراعات العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط، وهذه بالتأكيد إحدى العواقب المحتملة لسياسة دفاعية”.
معارضة “لبيد”
وكان “ميرفي” جزءا من مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الذين التقوا في واشنطن هذا الأسبوع مع زعيم المعارضة في كيان العدو “يائير لبيد”، الذي قام بزيارة للعاصمة الأمريكية لمدة يوم واحد، وقد وضع “لبيد” نفسه في الأسابيع الأخيرة باعتباره أبرز معارض في كيان العدو للاتفاق مع السعودية خصوصا بما يتعلق بقضية تخصيب اليورانيوم، وهذا على النقيض من “نتنياهو” الذي يلتزم الصمت بشأن الموضوع، لكنه أرسل شريكه “رون ديرمر” للتعبير عن موقف إيجابي ومنفتح حول الموضوع في وسائل الإعلام الأمريكية.
وقال مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، “جيك سوليفان”، إن “هناك فهماً واسعاً للعديد من القضايا الأساسية”، ضمن محادثات التطبيع، لكنه لم يقدم تفاصيل أبعد من ذلك.
وأضاف أن “العديد من القضايا المتعلقة بمسار التطبيع تم طرحها بالفعل لا يزال هناك عمل ينبغي القيام به.”
وتشعر إدارة “بايدن” بالقلق من أنه حتى لو وافق “نتنياهو” على المطالب السعودية، فإن معارضة الأحزاب الأخرى في الكيان، مثل “لبيد” أو رؤساء المؤسسة الأمنية، ستؤثر على توازن القوى في مجلس الشيوخ.
وهذا هو أحد الأسباب التي دفعت كبار المسؤولين الحكوميين إلى الاجتماع مع “لابيد” وحاولوا إقناعه بالتخفيف من انتقاداته حول هذا الموضوع. وأوضحت الرسالة التي نشرها “لابيد” بعد اللقاءات، والتي جاء فيها أن “الديمقراطيات القوية لا تعرض مصالحها الأمنية للخطر من أجل حل المشاكل السياسية”، أنه لم يكن ينوي القيام بذلك.
وقال “لابيد” بعد زيارته لواشنطن إن لديه انطباعا بأن العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين يشاركونه قلقه بشأن الموضوع النووي المطروح من قبل السعوديين
تسليح نووي
ويشعر المعارضون على الجانب الديمقراطي بالانزعاج في الأساس من احتمال أن تؤدي الموافقة الأميركية على تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية إلى دفع دول أخرى في المنطقة إلى تقديم طلب مماثل، الأمر الذي سيؤدي إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط.
ووقعت الولايات المتحدة اتفاقية نووية مع الإمارات العربية المتحدة تسمح للدولة بامتلاك برنامج نووي مدني، لكنها تحظر عليها تخصيب اليورانيوم على أراضيها، وينص أحد بنود الاتفاقية على أنه إذا كانت دولة مجاورة لدولة الإمارات العربية المتحدة التي تقوم بالتخصيب على أراضيها، وسيعاد فتح الاتفاق وسيكون بوسع الإمارات أن تطالب بشروط مماثلة.
كما وقعت كوريا الجنوبية، وهي واحدة من أهم حلفاء الولايات المتحدة في شرق آسيا، على اتفاقية مماثلة لتلك التي أبرمتها دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تفرض حدوداً واضحة على تخصيب اليورانيوم. ومن الممكن أن يؤدي مطالبتها “بشروط متساوية” مع المملكة العربية السعودية إلى خلق توترات كبيرة مع الصين، وكتب البروفيسور “ماثيو كرونيغ”، خبير السياسة الخارجية في معهد أبحاث “المجلس الأطلسي”، في هذا السياق أن “الولايات المتحدة تمنع كوريا الجنوبية، الديمقراطية التي تربطها معها تحالف سياسي رسمي، من تنفيذ نشاط لعمليات نووية حساسة فلماذا نعطي الإذن للسعودية؟”.
معيقات التطبيع
ومن المخاوف الأخرى التي أثارها المشرعون الديمقراطيون مع الإدارة أن السعودية ستحصل على ضوء أخضر أميركي ومن العدو لتخصيب اليورانيوم، لكن في النهاية ستفشل الاتصالات بين الطرفين بسبب القضية الفلسطينية أو لسبب آخر.
في هذه المرحلة، سيلجأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى دولة أخرى لتعزيز طموحاته النووية، لكن الولايات المتحدة والكيان ستجدان صعوبة في مقاومة ذلك، بعد أن أبدتا بالفعل مرونة في غرفة المناقشة.
وفي الشأن الفلسطيني أيضاً، هناك شكوك كثيرة على الجانب الديمقراطي بشأن قدرة الإدارة على تحقيق ما تريده من حكومة نتنياهو الحالية، التي يشغل فيها “بتسلئيل سموتريتش” و”إيتمار بن غفير” مناصب رئيسية.
والذي عبر عن هذه الشكوك بشكل جيد هذا الأسبوع هو المعلق الكبير “توماس فريدمان”، الذي يعتبر مقرباً من الرئيس “بايدن”، لكنه حذره عبر صفحات “نيويورك تايمز” من المضي قدماً في اتفاق “إسرائيلي”، سعودي دون التأكد من التزام حكومة نتنياهو بخطوات فعلية لصالح الفلسطينيين.
وينضم مقال “فريدمان” إلى تحذيرات أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الذين قالوا لـ “هآرتس” الشهر الماضي إن أي اتفاق يتجاهل القضية الفلسطينية سيواجه صعوبة في الحصول على الأغلبية المطلوبة في مجلس الشيوخ.
كما ظهرت الانتقادات الموجهة للجهود والأولوية التي تعطيها الإدارة للقضية السعودية في مقالتين بارزتين حول الموضوع نشرتا في المجلة الأمريكية المهمة لشؤون السياسة الخارجية “فورين أفيرز”. Foreign Affairs.
وحذرت البروفيسور “داليا ديسا كاي”، خبيرة شؤون الشرق الأوسط في جامعة كاليفورنيا UCLA، من أن جهود الإدارة ستعزز حكومة “نتنياهو” المتطرفة وتفتح الباب أمام تسريع التسلح النووي في الشرق الأوسط. حتى أنها زعمت أنه، خلافا لتوقعات الإدارة، فإن الاتفاق مع الكيان والولايات المتحدة لن يوقف حقا التقارب السعودي مع الصين، والذي ينبع من مصالح اقتصادية طويلة الأجل.
وفي مقال منفصل، حذر السفير الأمريكي السابق لدى كيان العدو، “دان كارتزر” من أن التوصل إلى اتفاق “إسرائيلي” – سعودي سيكون إنجازا كبيرا، لكنه لا يبرر الموافقة الأميركية على تخصيب اليورانيوم ضمن الشروط التي حددتها السعودية.
Facebook Comments