أخبارمقالات إستراتيجية

توتر العلاقة بين المستوى السياسي والمستوى العسكري

ترجمة الهدهد

تشمل تعبيرات الاحتجاج على “التعديلات القضائية” للحكومة العديد من الرسائل الشخصية من ضباط الاحتياط، بشكل رئيسي إضافة إلى ضباط في سلاح الجو والاستخبارات بشأن إلغاء التطوع في خدمة الاحتياط أو إرجائها، أو طرح إمكانية القيام بذلك، على خلفية هذه الظاهرة غير العادية وعواقبها على الكفاءة العملياتية وتماسك “جيش العدو الإسرائيلي”، ظهرت مؤخراً توترات صعبة للغاية بين كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين.

إن هذه التعبيرات التفصيلية لهذه التوترات لا تظهر بشكل كامل للجمهور، لكنها تبدو حادة وتحمل في بعض الحالات شكل التهديد تجاه كبار الضباط في “الجيش الإسرائيلي”، وتتطلب هذه الظاهرة الصعبة فحصاً مبدئيا بخصوص التأسيس المناسب للرابط أو الصلة بين المستويين السياسي والعسكري.

لم يحظ السؤال الجوهري، كيف يجب أن تدار العلاقة بين المستوى السياسي والمستوى العسكري؟ (وهذا هو الحال بالنسبة للشاباك والموساد) بإجابة منظمة وكاملة، تتجاوز ما ورد في القانون الأساسي: “الجيش” وتقاليد التعامل بينهم.

يُعرف القانون الأساسي: “الجيش” بشكل عام أن “الجيش خاضع لسيادة الحكومة”، وأن “رئيس الأركان العامة كذلك خاضع لسيادة الحكومة وتابع لوزير الجيش، ولا يحدد القانون ما تشمله هذه التبعية، وما هي العلاقة بين التبعية والسيادة وما هي مكانة “رئيس الوزراء” في نسيج هذه العلاقة، ولهذا السبب تحديداً، فإن ما يبدو توتراً كبيراً، على خلفية الأزمة السياسية والاجتماعية المستمرة منذ أشهر طويلة، يبرر دراسة هذه القضية الدقيقة والحساسة، من مستوى القيم والمبادئ، إلى مستوى الإجراءات وقواعد السلوك المطلوبة.

حول فحص السلوك المناسب يجب التطرق إلى الجانبين: كبار قادة الجيش ورئيس الحكومة والوزراء.

  1. يجب على “قادة الجيش الإسرائيلي” أن يعملوا على تحقيق مهمة “الجيش الإسرائيلي”، في أي وقت وفي أي مكان وفي جميع الظروف، وفقاً لقيم “الجيش الإسرائيلي” المضمنة في وثيقة “روح الجيش الإسرائيلي”، ومن بينها “الدفاع عن الدولة ومواطنيها والمقيمين فيها، و”الرسمية”، و”المسؤولية”، و”الموثوقية”، و”القدوة الشخصية”، و”الكفاءة المهنية”، ليس هناك شك في أن رئيس الأركان والضباط، الذين يرغبون في إطلاع رئيس الوزراء ووزراء المجلس الوزاري الأمني السياسي المصغر “الكابينت” وأعضاء لجنة الكنيست على الوضع فيما يتعلق بكفاءة “الجيش الإسرائيلي”، إلى جانب تقييم التطورات المستقبلية، يتصرفون وفقاً لهذه القيم.

في الحوار مع المستوى السياسي، من المتوقع أن يعبر رئيس الأركان، كقائد، عن رأيه المهني الواضح والمفصل في كل قضية مطروحة، استناداً إلى حكمه الموضوعي وعمل الهيئة الذي يتم تحت مسؤوليته، بعمله هذا هو يخدم الصالح العام بشكل مباشر ويمكّن المستوى السياسي من اتخاذ قرارات مستنيرة، مثل هذا السلوك سليم وله قيمة مميزة في الحفاظ على ثقة الجمهور برئيس الأركان و”الجيش الإسرائيلي”.

إنها الثقة التي تمنح الأمن للمواطنين، بأن الجيش يعمل لصالحهم بشكل جيد وفقاً لمهمة الجيش وقيمه، نقطة البداية مماثلة في الإشارة إلى رؤساء الأجهزة الأمنية الآخرين، حتى لو كان سلوك هؤلاء أقل حساسية من سلوك كبار ضباط الجيش، وذلك بسبب مسؤوليتهم الشاملة عن أمن الدولة ومكانة الجيش الخاصة باعتباره “جيش الشعب”.

  1. إن نقطة البداية لفحص السلوك السليم للمستوى السياسي مختلفة تماماً، ليس لدى أعضاء الحكومة في “إسرائيل” ميثاق أخلاقي، ولم تنجح المحاولات لوضع مثل هذا الميثاق في لجنة “شمغار” ولجنة “نئمان”، وهو ما ينعكس على بعض تصريحات الوزراء في الحكومة التي لا تتماشى مع القيم الأساسية لـ«الدولة» و«المسؤولية» و«المهنية». ومن الممكن أن تساهم في التوترات التي نشأت مؤخرا حول مسألة كفاءة الجيش، لكنها أوسع نطاقاً، وتشمل تعرض صارخ وصريح من قبل وزراء وأعضاء الكنيست لأعضاء هيئة الأركان العامة والنيل منهم، عندما لا يروق لهم سلوك الضباط وتصريحاتهم.

كنقطة انطلاق لدراسة السلوك السليم للمستوى السياسي في العلاقة مع المستوى العسكري، سنستخدم وثيقة وردت في المملكة المتحدة تم فيها وضع قواعد سلوك أولئك الذين يشغلون مناصب عامة، بين من تم انتخابهم وبين من تم تعيينهم، وتعدد الوثيقة “قواعد الحياة العامة السبعة” (قواعد نولان Nolan)، والتي سميت على اسم رئيس اللجنة التي صاغتها، ومن هذه القواعد سنذكر تلك التي من المفترض أن يسترشد بها رئيس الوزراء والوزراء في “إسرائيل” في التعامل مع المستوى العسكري (أو مستوى رسمي آخر).

القاعدة الأولى [الإيثار]: وهي تقتضي من شاغل الوظيفة العامة أن يتصرف بناء على اعتبارات الصالح العام، دون أي انحراف لأسباب شخصية أو قطاعية، إن توجيه رئيس الوزراء لرئيس الأركان، كما نشر، بالحفاظ على كفاءة الجيش، في ظل احتجاج جنود الاحتياط، على سبيل المثال، يثير التساؤل، فعندما يوجه رئيس الوزراء رئيس الأركان للقيام بوظيفته الأساسية، بشكل صحيح، فهذا يثير التساؤل ما هو الأمر السري الكامن وراء توجيه يبدو فارغ المضمون ويمكن حتى تفسيره على أنه مهين؟

القاعدة الأخرى فتتطلب “الموضوعية”، بما في ذلك “استخدام أفضل البيانات” وغياب الاستفسارات على أساس شخصي أو قطاعي، يجب على المستوى السياسي، كجزء من مسؤوليته كهيئة عليا تمارس الرقابة المدنية على الجيش، أن يتعامل مع المستوى العسكري باعتباره مصدراً مهنياً صرفاً، ويجب الحكم على رأي القيادة العسكرية على أساس موضوعي، مع الثقة الكاملة في نزاهتها الأساسية.

والادعاءات التي نسمعها من السياسيين بشأن “الاعتبارات السياسية” للجيش كجزء من رأيه تجاه الحكومة (مثل الإشارة إلى رأي الجيش الإسرائيلي فيما يتعلق بالاتفاق بشأن الحدود البحرية مع لبنان) تتعارض مع هذه القاعدة.

ينبغي قبول رأي رئيس الأركان أو غيره من القادة باعتباره تعبيراً واضحاً عن المسؤولية والكفاءة المهنية، وحتى في حالة وجود اختلافات محتملة في الرأي حول قضايا أمنية، مثل تلك المدرجة حالياً على جدول الأعمال في “إسرائيل”، يجب إجراء المناقشات بين المستويين باحترام ونزاهة، وموثوقية ومهنية كل منهما، من يجب أن يحسم الخلافات هو المستوى السياسي، ولكن يجب عليه أن يكون موضوعياً ومستنيراً.

بحسب قاعدة “الموضوعية”، فمن غير المرجح أن يرفض رئيس الوزراء استقبال رئيس الأركان الذي يطلب أن يقدم له بيانات ذات أهمية خاصة، مع الإشارة إلى أن ذلك حدث عندما – بحسب تقارير إعلامية رفض رئيس الوزراء طلب رئيس الأركان دعوة مجلس الوزراء السياسي الأمني المصغر “الكابينت ” للاجتماع قبل التصويت على إلغاء سبب المعقولية وعرض صورة كفاءة الجيش عليه وما يترتب على ذلك من نتائج.

إن مثل هذا الرفض يثير ليس فقط القلق بشأن جودة قرارات المستوى السياسي الأمنية، والتي يتم اتخاذها من دون معطيات أراد المستوى العسكري أن يقدمها إليه، بل يثير أيضاً القلق من اتخاذ قرارات أمنية مبنية على اعتبارات دخيلة ليست في المصلحة العامة.

في “السياق الإسرائيلي”، من المناسب إضافة قاعدة، ربما لم تخطر على البال في السياق البريطاني، وهي أن قرار المستوى السياسي، والذي يعني أمر للمستوى العسكري، يجب أن يكون قانونياً، بحسب “القانون الإسرائيلي”.

على خلفية كل ذلك، برز مؤخراً قلق كبير بشأن مستوى الثقة السائدة بين المستويات السياسية والعسكرية العليا، كانت هناك دائماً خلافات بين المستويين، لكن، في السياق الحالي، فإن إدخال الخلافات الحادة الموجودة في “المجتمع الإسرائيلي” في الحوار بين المسؤولين الرئيسيين عن الأمن القومي يخلق ضرراً خطيراً بالثقة بينهم وبثقة الجمهور المنقسم في كل من الحكومة والجيش، وهذه ظاهرة مدمرة يجب أن تتوقف فوراً.

عندما ينتقد المستوى السياسي القيادة العسكرية العليا، وبدل النقد الموضوعي يتهمها باتخاذ قرارات بناء على اعتبارات غريبة عن “أمن الدولة”، فإن ذلك يخلق صدعاً في الثقة العامة في “الجيش الإسرائيلي” وقادته، والأكثر من ذلك – على خلفية هذا الصدع، من الصعب مطالبة جنود الاحتياط بالثقة في قادتهم بينما لا يثقون في المستوى السياسي، لأن الصورة الناتجة هي ممارسة ضغوط غير ذات صلة إلى حد التهديد على القيادة العليا، وليس صدفة أن جنود الاحتياط يعودون ويوضحون أن إنهاء تطوعهم هو بسبب عدم الثقة في المستوى السياسي، وأنهم لا مشكلة لديهم مع قادتهم، وأن مسؤولية رأب الصدع تقع على عاتق المستوى السياسي.

وفي إطار الحديث عن كيفية إنقاذ الكيان من الأزمة الاجتماعية والسياسية الوطنية التي تعيشها، سيكون هناك مجال بالتوافق صياغة مجموعة من القيم والترتيبات العملية الواضحة أيضاً فيما يتعلق بإطار العلاقة بين المستويين السياسي والعسكري في المجالات الحرجة والأساسية، بما في ذلك تحييد التسييس من الرابط أو العلاقة بينهما، ويرى البعض أن الغموض الموجود في القانون الأساسي: الجيش، مقصود، ويهدف إلى ترك مجال للتأويل، وتبين الآن أنه لا مفر من الترتيب الأمثل للسلوك السليم بين المستويين لصالح “أمن الدولة”، في القانون الأساسي: “الجيش أو في ميثاق أخلاقي خاص بهذا الأمر”.

المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى