بالتطبيع مع السعودية .. كيان العدو أمام معضلة أكثر تعقيدا!

#ترجمة_الهدهد
إمكانية اتفاق تطبيع مع السعودية يضع كيان العدو أمام إحدى المعضلات الأكثر تعقيدا في تاريخه، من جهة، هناك الإمكانية لتطبيع العلاقات مع أكبر وأهم الدول العربية والإسلامية ولاحقا مع سلسلة دول أخرى أيضا؛ من جهة أخرى، تنازلات واسعة في مسائل هي في صميم الأمن القومي للعدو، بما في ذلك تلك التي من شأنها أن تحدث تغييرات تكتونية في المنطقة.
عن الجانب “الإيجابي” لا حاجة لمزيد من الحديث، فالسعودية هي الجائزة الكبرى: سياسيا، وأمنيا وبالذات اقتصاديا، الاتفاق معها سيفتح مسارا للاقتصاد الأكبر في المنطقة وإلى “مصالحة تاريخية مع الإسلام”، كما أنه سيبني محورا أمنيا – سياسيا مستقرا، كيان العدو في مركزه، تجاه التهديد الإيراني ويؤجل القضية الفلسطينية أو على الأقل يساعد على “إعادة ترتيبها” بموافقة كل الأطراف.
هذه الميزات هامة، لكن لا يمكن تجاهل النواقص التي تأتي معها، فقد طرح السعوديون على الأمريكيين قائمة مطالب طموحة وعلى رأسها ثلاثة أمور: حلف دفاع مشترك، مشتريات مكثفة للأسلحة وقدرات عسكرية وتكنولوجية متطورة، وبرنامج نووي مدني يتضمن تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية.
المطلب السعودي الأول جيد لكيان العدو وللشرق الأوسط، وهناك شك في أن تحصل السعودية على كامل مطالبها (حلف مشابه للناتو)، ويحتمل أن تضطر للاكتفاء بأقل (“شراكة أمنية مركزية” مثل المكانة التي أعطيت للهند) وربما أيضا أقل بكثير، لكن مجرد وجود مثل هذا الاتفاق سيزيد التدخل الأمريكي في المنطقة بشكل كفيل بأن يردع ويلجم الجهات السلبية.
المطلب السعودي الثاني إشكالي جدًا من ناحية كيان العدو، فأسلحة ومنظومات سلاح متطورة، بما في ذلك التكنولوجيا الفائقة سيضع السعودية في المقدمة العسكرية، التكنولوجية في المنطقة جنبا إلى جنب مع الكيان، طالما توجد السعودية في المعسكر العقلاني فليس في ذلك تهديد ظاهر، لكن ماذا سيحصل إذا ما وقع فيها انقلاب أو إذا ما حدث مكروه لولي العهد الذي يقود الإصلاحات؟.
هل سيبقى التفوق العسكري؟
بالضبط لهذا السبب يحرص الأمريكيون على الإبقاء على التفوق العسكري النوعي لكيان العدو، يجري الأمر تحت قانون كونغرس، وكيان العدو سيطالب بأن يحصل الآن على امتيازات واسعة كي تتمكن من أن تتعايش مع المطالب السعودية، في المنظومة الأمنية يعملون منذ الآن على مثل هذه القائمة، لكن على الكيان أن يتأكد من أنه سيحصل عليها (على الأقل يضمن) قبل تثبيت الاتفاق مع السعودية.
المطلب السعودي الثالث هو الأكثر إشكالية، ظاهرا يدور الحديث عن برنامج نووي مدني يستهدف الإبقاء على السعودية كقوة عظمى للطاقة العالمية حتى في عصر ما بعد النفط، لكن يمكنه أن يتحول بسهولة وفي غضون وقت قصير لأغراض عسكرية، طرح السعوديون بضعة حلول ممكنة لإرضاء الموردين وعلى رأسها الاقتراح بأن تقام شركة “أمريكية – سعودية” تتحكم بعملية التخصيب وتتأكد من أنها لا تنفذ إلا لاستخدام مدني، مثل هذا الحل لن يكون جيدا إلا إذا تم الحفاظ عليه، لكن ماذا سيحدث إذا ما سيطرت قوى معادية على الحكم في السعودية أو إذا ما قررت ذات يوم تأميم الشركة (مثلما فعلت مع شركة النفط القومية لديها (أرامكو)؟
يدعي مؤيدو الصفقة بأنه إذا لم تمد الولايات المتحدة السعودية بالقدرة على تخصيب اليورانيوم فإن الصين أو فرنسا ستفعلان ذلك. هذه الحجة ضعيفة، وليس فقط لأن الدولتين امتنعتا عن ذلك حتى اليوم، فمن المشكوك فيه أن تذهبا نحو خطوة بعيدة الأثر بهذا القدر ضد السياسة الامريكية، وبشكل من شأنه أن يضعهما تحت عقوبات من قبلها، ومشكوك أن تفعل السعودية ذلك لأن كل هدفها هو أن تدخل من وراء هذه العملية تحت المظلة الأمريكية.
حجة أخرى يطرحها مؤيدو الصفقة هي حقيقة أن الإمارات تمتلك الآن برنامجا نوويا مدنيا مماثلا، غير أن الإماراتيين يفعلون هذا بعد أن وقعوا على البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي يحظر معالجة البلوتونيوم وتخصيب اليورانيوم، وهم يعملون تحت رقابة وثيقة فيما أن قسما من السياقات تنفذ في دول أخرى.
من أجل الانتقال إلى المسار العسكري مطلوب لهم الوقت والمقدرات ومنشآت تتيح للدول الغربية ما يكفي من الفرص لوقف المسيرة.
الخبراء متشككون
أما للسعوديين بالمقابل، فسيعطى استقلال كامل، الأمر سيفتح بالضرورة سباق إقليمي عندما تطالب دول أخرى – من تركيا ومصر وحتى العراق والأردن – لنفسها بقدرات تخصيب مستقلة مشابهة، كنتيجة لذلك سيتضعضع استقرار المنطقة وسيمتلك عدد من الجهات على المفتاح للانطلاق المحتمل لقدرات التخصيب العسكري.
بالنسبة لكيان العدو من شأن هذا أن يكون كارثة حقيقية تتناقض تناقضا مطلقا مع سياستها المعلنة في ألا تسمح لأي جهة في المنطقة الحصول على قدرة نووية عسكرية.
في مقابلة منحها قبل أسبوعين في واشنطن قال الوزير “رون ديرمر” “إن إسرائيل لا تستبعد نووي مدني في السعودية وذلك رغم أن القرار في الموضوع لم يتخذ بعد”، في الأشهر الأخيرة تجرى مداولات بمشاركة مجموعة ضيقة من كبار المسؤولين الذين يبحثون في الموضوع تحت التوجه للبحث عن حلول تتيح لكيان العدو التعايش معه بسلام.
غير أنه مشكوك أن يكون متوفرا ابتكار كهذا، فمحظور على الكيان أن يجمّل الواقع وعليه أن ينظر إليه في العيون وأن يسأل نفسه باستقامة فيما إذا كانت ميزات الاتفاق مع السعودية توازي نواقص مثل هذا الاتفاق. الجواب واضح: أفضل الخبراء يعتقدون أنه لا، وأساسا بسبب المسألة النووية.
يبدو أن “بنيامين نتنياهو” يعتقد خلاف ذلك. هذا مدهش وليس فقط لأنه كرس العقود الأخيرة للصراع ضد النووي الإيراني، بل لأنه قبل سنة فقط حذر من على كل منصة ممكنة من اتفاق الغاز مع لبنان، وقرر بأن هذا خطر أمني على كيان العدو، أما الآن فيقف على جدول الأعمال خطر أكبر بعدة أضعاف، الحسم فيه في أي تجاه سيغير وجه المنطقة لسنوات عديدة.
إسرائيل اليوم/ يواف ليمور
Facebook Comments