جيش العدو والاحتجاجات.. عن من يُدافع؟

#ترجمة_الهدهد
الأزمة التي يعيشها “مجتمع العدو الإسرائيلي” في الأشهر الأخيرة تتفاقم، فيجد جيش العدو نفسه، بسبب قرار جنود الاحتياط بوقف تطوعهم وعمليا خدمتهم، يشارك في الاحتجاجات، حيث يتم النظر إليه من قبل المستوى السياسي وجزء كبير من الجمهور على أنه لاعب سياسي.
نجح ضباط الاحتياط الذين هددوا بإنهاء خدمتهم (مارس 2023) في إجبار المستوى السياسي على تغيير الاتجاه والوتيرة في عملية التقدم في خطة التعديلات القضائية، ومن المشكوك فيه ما إذا كانوا قد استطاعوا أن يؤدي تهديدهم مفعوله.
سيكون مطلوبًا منهم أيضًا تنفيذه، التهديد نفسه، وبالتأكيد تنفيذه، سيغذي الاحتجاج، حيث قام الجنود المحتجون بعملهم بإدخال بُعد عسكري على الاحتجاج وبتسييس الجيش، محطمين ثقة المستوى السياسي وأجزاء من المجتمع في الجيش، وأضروا بقيمة العمل التطوعي، وتماسك الوحدات العسكرية، وصورة قوة الكيان وتآكل ردعه، وقد يقودون بفعلتهم هذه إلى تصور خاطئ بخصوص “الفرصة السانحة ” لمهاجمة “إسرائيل” وتقريبها من حرب لا تريدها.
“إن فشل القيادة العسكرية العليا في فصل الجيش عن الاحتجاج والمشهد السياسي في البداية أدى إلى فوات الأوان ووضع الجيش في صعوبة أكبر بكثير، في هذا الوقت، هناك من “بتأييدهم للجيش ولرئيس الأركان لمصلحة خاصة بهم يزيدون من تورط الجيش في قلب الصراع السياسي المتفجر، ويصبح المستنقع أكثر صعوبة عندما يتهم السياسيون الجيش بالتدخل السياسي، وبالتحيز في الجدل السياسي، بل إن هناك من بينهم من يبالغ وينتقد بشدة رئيس الأركان وقائد سلاح الجو.
يصبح “جيش العدو الإسرائيلي” أداة ولاعبا سياسيًا، مع اتساع نطاق رفض الخدمة (بحسب المتظاهرين، رفض التطوع وليس قرار التجنيد، وحسب الموقعين على هذه القال مخالفة الجندي لقواعد الخدمة المقررة لديه من جانب واحد هو رفض الخدمة) وينظر إلى التغطية الإعلامية للظاهرة على أنها محاولة لزرع الخوف بين الجمهور ولمستوى السياسي من أجل الإضرار بقدرة الحكومة والكنيست على مواصلة التعديلات القضائية، والإضرار بشرعية الحكومة وحتى إسقاطها.
ومن أبرز الحجج التي ساقها الضباط الذين توقفوا عن التطوع، انتهاك العقد المبرم بينهم وبين الدولة بسبب التعديلات القضائية، وبعبارات مجازية، يقول البعض إنهم تعهدوا بـ “خدمة المملكة وليس الملك”، وهؤلاء يفسرون أن تحركات الحكومة تؤدي إلى تغيير نظام الحكم وهو ما يعني إلغاء “الديمقراطية”.
يعتبر “إلغاء الديمقراطية” إخلالاً بعقد الدولة، وبإنهاء خدمتهم في الجيش فإنهم يعملون فعلياً على حماية “الديمقراطية”، وبحسب رأيهم، فإنهم مكلفون “بالدفاع عن الدولة” فقط بشرط أن تحافظ الدولة على ما تعتبره قيمها الديمقراطية، ومع ذلك، فإن هذه المجموعة من الحجج تحول في الواقع “جيش الدفاع عن إسرائيل” إلى جيش الدفاع عن الديمقراطية، وبالإضافة إلى حقيقة أنه ليس من الواضح ما هو الأساس الدستوري لدور حراس الديمقراطية الذي كلفوا انفسهم به، فإنه ليس من الواضح كيف يحقق أولئك الذين يتوقفون عن الخدمة قيمة حماية الدولة ومواطنيها وسكانها.
بعد كل شيء، في صيغة قسم الولاء للجيش الإسرائيلي، لم يتم ذكر كلمة الديمقراطية، ليس من الواضح تمامًا ما هو العقد الذي يشيرون إليه وما إذا كان هو نفس العقد الذي تم توقيعه أيضًا من قبل جميع هؤلاء الآلاف من ضباط الاحتياط الآخرين، الذين لم ينضموا إليهم، بل ورفضوا بشدة أفعالهم.
الجيش في كيان العدو هو جيش للدفاع عنه، وهدفه الحماية من التهديدات الخارجية وهو يخضع دائما للمستوى السياسي المنتخب حسب القانون.
إن جهات الاحتجاج التي تسعى إلى جر جيش العدو إلى عمق الجدل السياسي، تحاول خلق التماثل بين المستويين السياسي والعسكري، بينما تزعم أن قادة الجيش يجب أن يتخذوا أيضًا موقفًا فيما يتعلق بالتعديلات القضائية، وبالفعل، في الخطاب المهني بيّن في الرتب، يتوقع من ضباط الجيش أن يعرضوا موقفهم ويلتزموا به، لكن هذا ينبغي أن يكون موقفاً عسكرياً أو سياسياً مهنياً فيما يتعلق بالعواقب على العمل العسكري، وليس موقفاً سياسياً أو أيديولوجياً أو قيمياً أو تفسيرياً بشأن مسألة ما هي الديمقراطية.
علاوة على ذلك، يحق للطبقة المدنية، بعد تقديم موقفها المهني، عدم قبول واختيار تفسير بديل أو تفسير مختلف، المسؤولية النهائية تقع على عاتق المستوى السياسي، وفي دولة ديمقراطية، من حق المستوى السياسي المنتخب أن يرتكب الأخطاء، ومن يجب أن يعاقبه على خطأه أو يحاسبه هو المواطن في صندوق الاقتراع، وليس الجيش وضباطه المهنيين.
وتتجلى محاولة خلق التماثل بين المستويات أيضا في الادعاء بأن الحكومة ليس لديها معايير أخلاقية، وحسب فهم قادة الاحتجاج، فإن سلوك بعض الوزراء لا يتوافق مع القيم الأساسية لروح الجيش الإسرائيلي، قد يكون من المرغوب فيه أن يكون لدى المستوى السياسي معايير أخلاقية، لكن هذا ليس واجب مقدس، ومن المؤكد أنه ليس من الصحيح خلق نوع من التماثل بين المستوى السياسي والمستوى العسكري الخاضع له.
وحتى في ظل غياب معايير أخلاقية، وربما يوجد عدد من الديمقراطيات الأخرى في العالم حيث لا توجد معايير أخلاقية للسياسيين، فإن الجيش يخضع بشكل مطلق للطبقة السياسية، قرارات المستوى السياسي تتضمن مجموعة واسعة من الاعتبارات، العسكرية والسياسية وكذلك الدبلوماسية، وهو وحده من يملك صلاحية تحديد الوزن الذي سيعطيه لكل مكون، ويفسر المستوى السياسي، مثل جزء كبير من الجمهور في الكيان، محاولة الزج بالجيش إلى الجدل السياسي على أنها تنبع أولاً وقبل كل شيء من الرغبة في تقويض شرعية عمل الحكومة وشرعية الكنيست في سن القوانين.
إن سلوك ضباط الاحتياط الذين أوقفوا خدمتهم في الجيش والحجج التي تبرر هذه الخطوة، ينظر إليها من قبل المستوى السياسي والجمهور الداعم له على أنها تجاوز خط أحمر وخطر على أمن كيان العدو.
إن الفكرة القائلة بأن المستوى السياسي لابد وأن يقبل توصية المستوى العسكري، بل وحتى يتجنب تنفيذ السياسات الموجهة من قبل آراء ووجهات نظر محافظة داخل حكومة منتخبة، ليست ديمقراطية ولا قانونية، سيكون للمستوى السياسي دائمًا اعتبارات واسعة، تتأثر أيضًا بالتفضيلات القيمية الأيديولوجية للشخص المنتخب، وبالتالي فهو غير ملزم بقبول رأي المستوى العسكري باعتباره غير متحيز إذا كان يرتكز على مجموعة مختلفة من القيم والأيديولوجية تختلف عن تلك الموجودة لدى المستوى السياسي.
ولنتذكر أنه سبق أن كانت هناك حالات كثيرة تصرف فيها كبار الضباط على ضوء اعتبارات قيمية وسياسية، بعلم أو بغير علم، وكان لها معنى سياسي واضح وتعارضت أحيانا مع موقف المستوى السياسي. أمثلة على ذلك: رئيس الأركان “دان شمرون” في الانتفاضة الأولى، الذي ادعى علناً وخلافاً لموقف المستوى السياسي أنه لا يوجد حل عسكري للانتفاضة، ورئيس الأركان والضابط الكبير في الجيش “شاؤول موفاز”، الذي تصرف في الأشهر الأولى من الانتفاضة الثانية في معارضة تامة مع موقف المستوى السياسي وتعليماته، واللواء “أورين شاحور” الذي التقى بزعيم المعارضة شمعون بيريز من وراء ظهر رئيس الوزراء.
يجب على أي شخص حريص على الديمقراطية “الإسرائيلية” أن يشعر بعدم الارتياح عندما يقوم أفراد جيش الاحتياط بدفع الجيش إلى الساحة السياسية وجره إلى نزاعات أخلاقية سياسية فيما يتعلق بجوهر “الديمقراطية الإسرائيلية”، وعندما يكون هناك من يسعى إلى رؤيته أنه “جيش دفاع عن الديمقراطية”.
هذا التطور هو بمثابة عسكرة واضحة للفضاء السياسي وتسييس للجيش، على الذين يخشون على “الديمقراطية الإسرائيلية” أن يتذكروا أن الاحتجاج اليوم يقوده جنود احتياط لديهم مفهوم قيمي معين، بينما غدا قد يقوده جنود احتياط بمفهوم قيمي مختلف.
الجيش لا يحدد ما هي الديمقراطية وما هي قيم الشعب؛ من يجب أن يحددها “المواطنون” من خلال ممثليهم الذين تم انتخابهم في انتخابات حرة للكنيست. لذلك، من “حق الجيش أن يعود إلى كونه جيش الدفاع عن إسرائيل ولا شيء غيره، وأن يقيم جداراً عالياً بين المجال العسكري والمجال السياسي”.
معهد أبحاث الأمن القومي / كوبي ميخائيل – غابي سيبوني
Facebook Comments