أخبارترجماتشؤون دولية

رأي: الاتفاق الذي يمكن أن ينقذ “إسرائيل” من نفسها

ترجمة الهدهد

لقد ادعى وزير الخارجية الأميركي الأسطوري “هنري كيسنجر” أن “إسرائيل” ليس لديها سياسة خارجية، بل سياسة داخلية فقط، ولكن تبين أن “إسرائيل” ليست وحدها التي تحركها الخطوات السياسة الداخلية.

بالرغم من أن “إسرائيل” والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية يقدمون الاتفاق الناشئ كمصلحة أمنية ناشئة بشكل أساسي من اعتبارات سياسية، إلا أن ما يثير الاهتمام في الاتفاق عملياً وما سيحدد مصيره، هي اعتبارات سياسية داخلية، والتي ستتأثر بالعنصر أو المكون الفلسطيني في الاتفاق، وهذا العنصر له عواقبه على السياسات الداخلية للاعبين الرئيسيين وسيحدد ما إذا كان هذا نجاحاً أم فشلاً.

ويتضمن الاتفاق الناشئ عنصراً أمنياً وعنصراً فلسطينياً، فأما “العنصر الأمني فيتضمن ثلاثة مطالب سعودية من الولايات المتحدة:

  1. تحالف دفاعي سعودي أمريكي: وهذا مطلب مهم للغاية، مثل هذا التحالف من شأنه أن يعزز المملكة العربية السعودية بشكل كبير، ويساعد في إظهار قوتها الإقليمية ويمنع إيران من مهاجمتها مرة أخرى.

ومن وجهة النظر الأميركية فإن مثل هذا التحالف قد يجر الولايات المتحدة إلى حرب ضد إيران، وهذه الحرب تتعارض مع السياسة الأميركية في التركيز على الصين وروسيا، وهذا التحالف يتطلب موافقة مجلس الشيوخ بأغلبية خاصة (67 عضواً في مجلس الشيوخ)، مما يعني أن هناك حاجة إلى اتفاق واسع النطاق بين الحزبين للموافقة على الصفقة.

  1. الموافقة على دورة وقود نووي على الأراضي السعودية: وهذا في الواقع ترخيص لتخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية.

يجب التوضيح: هذه ليست موافقة على بناء مفاعل نووي، وهذه ليست موافقة على مشروع نووي عسكري، على عكس الوضع في الشرق الأوسط حيث يقوم العديد من الدول بشراء مفاعلات الطاقة النووية ولكنها تحصل على الوقود (قضبان اليورانيوم المخصب) من خارج البلاد فإن المطلب السعودي مختلف: المملكة العربية السعودية ترغب في السيطرة على إنتاج الوقود النووي، وهذا الإنتاج هو قدرة انطلاق إنتاجية حاسمة لمشروع نووي عسكري.

  1. تفوق نسبي نوعي في الأسلحة الأمريكية: الموافقة على بيع أنظمة الأسلحة الأمريكية المتقدمة إلى المملكة العربية السعودية، ويمكن الافتراض أن هذه ليست وسائل قتالية أفضل من تلك التي بيعت لـ “إسرائيل”، لكن السعودية ستحصل على سلاح يضعها في أفضلية نسبية مطلقة أمام أعدائها، وفي توازن نوعي معين ضد “إسرائيل”.

 وبحسب ما هو معروف حتى الآن فإن العنصر الفلسطيني قد يكون مزيجاً من العناصر التالية:

  1. الإعلانات والأنشطة الرمزية: إعلان الالتزام بدولتين أو حق الفلسطينيين في تقرير المصير، افتتاح قنصلية أمريكية في شرق مدينة القدس، وقنصلية فلسطينية في واشنطن، تغيير وضع الوفد الفلسطيني لدى الأمم المتحدة والمزيد من الخطوات المشابهة.
  2. التنمية السريعة للاقتصاد الفلسطيني: تطوير حقل الغاز أمام غزة، إنشاء ميناء بحري وجوي في أراضي السلطة الفلسطينية، تسهيل الإفراج عن أموال ضرائب الاستيراد الفلسطينية التي تجبيها “إسرائيل” على المعابر الحدودية، وتسهيل التنقل بين المناطق، والمناطق الصناعية المشتركة، وربما تجديد النقاش حول المبادئ الأساسية لاقتصاد السلطة الفلسطينية التي نص عليها في “بروتوكول باريس” العملة والضرائب وغيرها.
  3. وقف “النشاطات الإسرائيلية” الأحادية الجانب: تتعهد “إسرائيل” بعدم ضم الأراضي، وتجميد البناء في المستوطنات، ومنع إنشاء بؤر استيطانية إضافية، وتلتزم بتجنب الدخول إلى المنطقة (أ) قدر الإمكان.
  4. نقل المناطق إلى سيطرة السلطة الفلسطينية: النية هي نقل جزء من المنطقة ج، التي تخضع حالياً لـ “السيطرة الإسرائيلية” الكاملة، إلى المنطقة ب، أي منطقة خاضعة للسيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية، ومن الممكن أيضاً أن ينتقل جزء من الأراضي الخاضعة للسيطرة المدنية الفلسطينية إلى السيطرة الفلسطينية الكاملة (المنطقة أ).
  5. تحديد عملية سياسية مستقبلية تؤدي إلى الانفصال بين الفلسطيني و”إسرائيل”: أي اتفاق مؤقت وخريطة طريق جديدة، ومن الواضح للجميع أن الخطوة الأولى يجب أن تكون صغيرة وسهلة الهضم لدى الائتلاف الحالي، لكن الخطوات اللاحقة المتفق عليها ستقود إلى كيان سياسي فلسطيني مستقل، وهذه الخطوة هي تجديد للعملية السياسية، وكما هو الحال في “أوسلو”، هنا أيضاً الحديث يدور عن عملية تدريجية تتضمن اتفاقاً مؤقتاً، وهذا العنصر هو الأهم، لأن السلطة الفلسطينية حتى الآن تعارض التسوية المؤقتة، ومن الممكن أن يكون هذا الاعتراض قد زال.

أي أن المكون الفلسطيني عبارة عن سلسلة من الإجراءات التي تعزز (في فهم السعودية والولايات المتحدة) إقامة الدولة الفلسطينية، وعلى عكس الاتفاق مع الإمارات العربية المتحدة، فإن تجميد الضم “فقط” هذه المرة لن يرضي المملكة السعودية ولا الكونغرس الأمريكي، هذه المرة الحديث هنا يدور عن عنصر مهم.

وبالطبع، من الواضح أنه في ظل الظروف الحالية الحديث ليس عن دولة فلسطينية ضمن حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، بحسب المبادرة العربية (المبادرة السعودية)، ولكن من المرجح أن يتم دمج لمجموعة من المكونات من المجموع المذكور أعلاه والذي سيتفق عليه الطرفان، وكلما زاد عدد المكونات المتفق عليها، كلما كان من الأسهل الموافقة على الاتفاق من قبل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وأكثر صعوبة في “إسرائيل”.

ما مدى حاجة كل من الأطراف للتطبيع؟

عندما نجمع المكونات المختلفة معاً، تتوصل إلى نتيجة مفادها أن المتطلبات بعيدة المد، ولذلك تطرح الأسئلة: ما مدى الرغبة في دفع هذا الثمن؟ ما مدى أهمية مثل هذا الاتفاق في الواقع الحالي؟ وما الذي يفسر الجهد الكبير والاستعداد لقبول هذه التنازلات؟ ومن يهمه حقاً هذا الأمر ولماذا؟

المملكة العربية السعودية تتعايش بشكل جيد للغاية حتى بدون التطبيع مع “إسرائيل”، وهي حالياً في وضع اقتصادي جيد، فقد نظمت علاقاتها مع إيران، والحرب في أوروبا تزيد الطلب العالمي على النفط، وهيمنتها في العالم العربي تتزايد، ولكن قضية السياسة الداخلية لديها أكثر تعقيداً.

يروج محمد بن سلمان بصعوبة كبيرة لرؤية جديدة للتنويع الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي “المملكة العربية السعودية 2030” ويتوجب عليه تعزيز مكانته استعداداً لتتويجه ملكا، لا يمكنه أن يخسر الدعم في الشارع السعودي، وفي هذا الوضع الحساس لا يمكنه أن يتخلى عن الفلسطينيين.

لذلك، فمن المرجح أنه رغم كراهيته الشخصية، سيصر على العنصر الفلسطيني، فهو سوف يقدم للشعب السعودي والعالم العربي التحالف الدفاعي مع الولايات المتحدة، باعتباره الرد العربي الرابح في مواجهة إيران، وبرنامج التخصيب النووي الذي حصل عليه، باعتباره رمزاً لمكانته العالمية كقوة، وإلى جانب ذلك سيستعيد كرامته التي داسها الرئيس الأمريكي “بايدن” في سلسلة من التصريحات غير العادية والمصافحة الباردة.

وكما ذكرنا، فإن محمد بن سلمان يلزمه عنصر فلسطيني كبير لاعتبارات السياسة الداخلية.، وبدونه سيفقد شرعيته في الشارع السعودي وسيُنظر إليه على أنه خائن للمبادرة العربية التي أطلقها عمه الراحل عبد الله.

وبما أنه يدرك أيضاً أن هذه هي الفرصة الأخيرة لحل المشكلة الفلسطينية في إطار اتفاق سلام مع دولة عربية كبيرة، فإنه سيصر على ذلك، ورغم أن هذه ليست ديمقراطية، إلا أن قيمة الرأي العام أقل أهمية، لكن قيمة الكرامة أكثر أهمية، إن الاستسلام هنا سيعتبر ضعفاً وعدم احترام، ولن يرغب أي ملك مستقبلي للمملكة العربية السعودية في أن يتم تصويره بهذه الطريقة.

الولايات المتحدة الأمريكية، تسير حالياً على مسار دولي ناجح، وقد تمكنت أخيراً من التركيز على المنافسة مع الصين وروسيا، ويبدو أن كلاهما يبتعدان عن الهيمنة العالمية.

الولايات المتحدة الأمريكية تقود العالم مرة أخرى في الثورة التكنولوجية (الذكاء الاصطناعي) وفي حرب الرقائق العالمية أيضاً، بدأ الرئيس “جو بايدن” يرى الثمار الأولى لقانون الرقائق غني الموارد، والذي وافق عليه قبل عام ونصف.

ولكن الرئيس يدخل العام الانتخابي في سن متقدمة في مواجهة منافس يتمتع بشعبية كبيرة، بالرغم من الاتهامات الخطيرة الموجهة ضده، وهذا يعني أن النصر الديمقراطي ليس مضموناً في واقع الأمر، يحتاج “بايدن” إلى شيء كبير لضمان النصر، والسياسة الخارجية التي من شأنها أن تحقق السلام التاريخي في الشرق الأوسط وابعاد الصين من هناك، قد تكون هي الخطوة الفائزة.

وفي هذه الحالة، سيقدم “بايدن” لناخبيه مزيجاً رابحاً: صد الصين، والتقدم في القضية الفلسطينية، و”التطبيع الإسرائيلي مع السعودية”، وأيضاً مساعدة “إسرائيل” على الخروج من الأزمة الداخلية.

ومن شأن عنصر فلسطيني كبير أن يسمح لأعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين بالتصويت لصالحه، حيث يحتاج الرئيس “بايدن” موافقتهم.

جدير بالذكر أن أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين لا يحبون بن سلمان، وبعضهم لن يرغب في تقديم هدايا لـ “نتنياهو” أيضاً، لكن مقابل خطوة تاريخية، فمن المرجح أن يقتنعوا، وسوف يصوت أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون لصالح ما تعتبره “إسرائيل” مهما، ولكن قبل شهر مارس/آذار فقط.

ومن المرجح أن يطلب منهم المرشح الرئاسي الجمهوري، الذي سيتم انتخابه في مارس 2024، عدم تقديم هذه الهدية لـ “بايدن” قبل الانتخابات، وقد يرغبون في الانتظار للموافقة على الصفقة.

وضع “إسرائيل” ليس أفضل، فهي بحاجة إلى هذا التطبيع أكثر من أي أحد آخر

نحن في أزمة داخلية والتوازن الأمني ​​أصبح غير مستقر بشكل متزايد، لكنه لا يزال إيجابياً، لسنا أمام حرب مباغتة متعددة الجبهات، لكن الوقت لا يعمل لصالحنا.

إن “الاقتصاد الإسرائيلي” يتضرر، وكفاءة “الجيش الإسرائيلي” آخذة في التراجع، وهناك خطر يتمثل في أن نموذج التجنيد الإجباري على وشك الانهيار، وسيحدث ذلك لو تم إقرار قانون الإعفاء من التجنيد، وحتى “الطب الإسرائيلي” معرض لخطر هجرة الأدمغة.

يعرف “نتنياهو” الذي يتمتع بخبرة دبلوماسية وسياسية كبيرة، أن “إسرائيل” بحاجة إلى استراتيجية للهروب والنجاة من المسار المدمر الذي تسلكه، ويمكن أن يكون التطبيع مع السعودية هو بالضبط طريق الهروب والنجاة الاستراتيجي، هذا سلام مع العالم العربي، لأن هذه أكبر وأهم دولة عربية، وسيتبع ذلك المزيد من اتفاقيات السلام، هذا سلام مع الإسلام، فالمملكة العربية السعودية لها مكانة خاصة كحارسة للأماكن المقدسة ومهد الإسلام، وإذا كان هذا أيضاً يعيد تنشيط العملية السياسية في الساحة الفلسطينية، فإن الطريق إلى جائزة نوبل للسلام مضمون، والدخول للتاريخ محفوظ.

في الختام، فإن المكونات أو العناصر الأمنية للتطبيع مع السعودية ثقيلة وصعبة الهضم، إن الموافقة على تخصيب اليورانيوم من شأنها أن تضع حداً للمحرمات النووية في الشرق الأوسط، وبالتالي الانزلاق نحو سباق تسلح نووي قصير، وهذا الثمن هو بالفعل ثمن باهظ، وهناك من سيعرفه بأنه انتحار، لكن إذا تضمن الاتفاق عنصراً فلسطينياً مهما يقلل من خطر التحول إلى دولة واحدة، وإذا تقلصت حرية العمل الإيرانية في الشرق الأوسط على خلفية تحالف دفاعي سعودي أميركي، والأهم إذا كان معنى ذلك الاتفاق هو إعادة الاستقرار إلى “إسرائيل” ووقف الفوضى التي نسير نحوها، فهذه خطوة أساسية وتاريخية وفي اللحظة الأخيرة.

المصدر: N12/ “تامير هايمن”

Facebook Comments

زر الذهاب إلى الأعلى