
ترجمة الهدهد
إن سياسة “حكومة العدو الإسرائيلية” على الساحة الفلسطينية والضغوط الداخلية على العائلة المالكة في البحرين تجعل من الصعب تحقيق الإمكانات الكامنة في العلاقات بين البلدين، في البداية، كانت نقطة انطلاق البحرين تتكوم من نقطة انطلاق دولة الإمارات العربية المتحدة؛ كما لم تتلق البحرين وعداً بمقابل ملموس ومعروف من الإدارة الأميركية مقابل انضمامها إلى “اتفاقيات أبراهام”، لذلك، قد تقع العلاقات إن لم تكن قد وقعت بالفعل، في حالة من الجمود.
أظهرت الأحداث الأخيرة، حجم الضغط على “العلاقات الإسرائيلية البحرينية” والصعوبات في عملية التطبيع بين البلدين، في يوليو/تموز، في اللحظة الأخيرة تم تأجيل الزيارة المقررة لوزير الخارجية “إيلي كوهين” إلى البحرين، والتي كان من المفترض أن تكون أول زيارة يقوم بها “مسؤول إسرائيلي” إلى المملكة منذ تغيير الحكومات في “إسرائيل”، وبررت البحرين قرارها بقيود فنية، لكن يبدو أن السبب كان اقتحام وزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير” للمسجد الأقصى قبل يوم من إعلان التأجيل، وفي الوقت نفسه، ظهرت صور من البحرين لرجال دين يدوسون على “العلم الإسرائيلي”، وهو مشهد مألوف تظهر فيه معارضة تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”.
لقد كانت نقطة البداية لاندماج البحرين في “اتفاقيات أبراهام” من ضمن نقطة انطلاق دولة الإمارات العربية المتحدة، ففي البحرين، تحكم أسرة آل خليفة السنية الأغلبية الشيعية، وعلى عكس الإمارات، فهي تمتلك برلماناً ومجتمعاً مدنياً نابضاً بالحياة، وهو غالباً ما يتحدى العائلة المالكة، وقد قوبل احتجاج شعبي واسع النطاق ضد الحكومة خلال الربيع العربي في عام 2011 بتدخل عسكري من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لحماية النظام الحاكم في المنامة، وفي الوقت نفسه، فإن قدرة البحرين على المناورة السياسية محدودة، بسبب اعتمادها على المملكة العربية السعودية، والذي ينبع أيضاَ عن تراجع احتياطها من النفط، وعلى هذه الخلفية، اعتبرت الموافقة السعودية على “التطبيع” بين البحرين و”إسرائيل” إشارة إيجابية من السعودية تجاه “إسرائيل”.
ومع ذلك، منذ توقيع الاتفاق مع الكيان، تم تسجيل أحداث احتجاج محدودة ولكن متواصلة ضده ودعماً للفلسطينيين في البحرين، في الكيان، تبنوا حجة العائلة المالكة البحرينية ضد مظاهر المعارضة، والتي تعتبرها احتجاجات من جانب السكان الشيعة الموالين لإيران، على سبيل المثال، عندما تظاهر مئات البحرينيين قبيل زيارة رئيس الكيان “يتسحاق هرتسوغ” إلى المملكة في ديسمبر/كانون الأول 2022، اتهم “المسؤولون الإسرائيليون” إيران بتأجيج المشاعر، وهذه الادعاءات لها أساس من الصحة، فالمتظاهرون ضد “إسرائيل” ينتمون بالفعل إلى حزب الوفاق الشيعي، الذي يعيش زعيمه الروحي عيسى قاسم في المنفى بإيران، ومن هناك يرسل رسائل معارضة للتطبيع مع “إسرائيل”.
إن سلسلة استطلاعات الرأي العام التي أجريت في البحرين منذ إقامة العلاقات مع “إسرائيل” تشير إلى عدم وجود اختلاف حقيقي في موقف السنة والشيعة في البحرين من التطبيع مع الكيان، ومن المثير للاهتمام أيضاً التراجع الحاد في دعم الاتفاقية على مر السنين: فعند توقيعها في عام 2020، نظر إليها حوالي 40% من المستطلعين البحرينيين بشكل إيجابي، وفي استطلاعات الرأي التي أجريت منذ ذلك الحين انخفضت النسبة إلى 20%، ويظهر التقلب أن مقاومة التطبيع ليست حتمية، ومن الممكن أن يكون ذلك نتيجة الفجوة بين التوقعات والواقع، التي نشأت في السنوات الثلاث الماضية.
على عكس الإمارات العربية المتحدة والمغرب والسودان، لم تتلق البحرين وعداً بمقابل وعود ملموسة معروفه من قبل الإدارة لأمريكية مقابل انضمامها إلى “اتفاقيات أبراهام”، لكن كان من المفترض أن تستفيد البحرين بشكل مباشر من العلاقات الجديدة مع الكيان نفسها:
- عسكرياً: من خلال التعاون مع “إسرائيل” في التعامل مع التهديد الإيراني.
- اقتصادياً: من خلال الفرص التي سيوفرها “السوق الإسرائيلي” للاقتصاد البحريني.
إن الجزء الأمني الذي تحرك للأمام على الفور وبقوة، في غضون حوالي عام ونصف من إقامة العلاقات، قام “رئيس الوزراء” آنذاك “نفتالي بينيت” ووزير الخارجية “يائير لابيد” ووزير الجيش “بيني غانتس” ورئيس الأركان “أفيف كوخافي” بزيارة البحرين، والتقوا بكبار مسؤولي العائلة المالكة البحرينية والجيش البحريني لتنسيق التعاون الأمني بين البلدين، فالزيارة العلنية لكبار “المسؤولين الإسرائيليين” إلى المملكة الصغيرة، التي تبعد حوالي 150 كيلومتراً عن الساحل الإيراني، والتعاون الاستخباراتي وفي مجال الطائرات بدون طيار، حمل رسالة واضحة مفادها أن “إسرائيل” والبحرين تقفان في جبهة موحدة ضد إيران.
ومع ذلك الجانب الاقتصادي للعلاقات تخلف عن الركب، وتظهر بيانات المكتب المركزي للإحصاء أنه في حين أن تجارة الإمارات مع “إسرائيل” في 2021-2022 بلغت حوالي مليارين ونصف المليار دولار (باستثناء الماس والخدمات)، فإن التجارة مع البحرين كانت حوالي 20 مليون دولار فقط، ويمكن تفسير الفجوة، بحقيقة أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي مركز اقتصادي عالمي (وبالتالي تعكس البيانات أيضاً، ربما بشكل أساسي، إعادة تصدير البضائع من قطاعات أخرى)، والفرص التي تقدمها والجاذبية السياحية الكثيرة (استضافت دبي نحو 15 مليون سائح عام 2022)، في حين وصل ما يقرب من “مليون إسرائيلي” إلى الإمارات العربية المتحدة في عام 2022، لم يزر البحرين سوى بضعة آلاف من الزوار من “إسرائيل” (يمكن تفسير هذه الفجوة جزئياً بكون دبي مركزاً عالمياً للطيران ووجهة مؤقتة للرحلات الجوية إلى آسيا)، وفي عام 2022، زار الكيان 1400 سائح من الإمارات العربية المتحدة و400 فقط من البحرين.
إن العلاقات الاقتصادية مهمة للشعب البحريني وهي ملموسة أكثر من العلاقات الأمنية بين البلدين، 40% من البحرينيين مستعدون لعلاقات تجارية معينة مع “إسرائيل”، الأمر الذي سيفيد الاقتصاد المحلي، مقارنة بالعُشر فقط المهتمين بالتعاون مع “إسرائيل” ضد إيران، والعائد الاقتصادي المحتمل يمكن أن يتسرب إلى قطاعات في البحرين خارج الدوائر الحاكمة، التي بالنسبة لها التطبيع تكلفته ليس فقط انتهاك التضامن مع الفلسطينيين، ولكنه لا يعيد المكاسب الاقتصادية المتوقعة، ويقنعهم بأن هناك منفعة من العلاقات.
ومع نهاية عام 2022، وصلت التظلمات حول هذا الموضوع، والتي كانت حتى ذلك الحين تُسمع فقط من أفواه المعارضة إلى الدوائر الحاكمة، واعترف مسؤول مقرب من الحكومة في المنامة لـ “وسائل الإعلام الإسرائيلية” أن البحرين ترغب في رؤية “استثمارات إسرائيلية” في المملكة وليس فقط “رجال الأعمال الإسرائيليين” الذين يأتون في زيارات قصيرة من أجل جمع الأموال لـ “مشاريع في إسرائيل”.
من المؤكد أن تحركات “الحكومة الإسرائيلية” الحالية ليست جيدة للعلاقات، كما أن العائلة المالكة البحرينية تتنصل من تصريحات وزراء اليمين وتحركات الحكومة بشأن القضية الفلسطينية.
بخلاف تسلسل زيارات النخبة السياسية العسكرية الإسرائيلية” إلى البحرين في الأعوام 2021-2022، والتي زار خلالها وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني الكيان أيضاً ضمن “منتدى النقب”، في عام 2023 لم يتم بعد تسجيل لقاء بين كبار المسؤولين من البلدين، ومن اللافت للنظر أيضاً أن اتفاقية التجارة الحرة بين الكيان والبحرين، التي صاغها المهنيون وانتهت قبل حوالي عام وكان من المتوقع أن تشجع التجارة بين البلدين، لم تتم الموافقة عليها بعد من قبل قيادة البلدين.
الصعوبات التي تواجهها الحكومة البحرينية في المضي قدماً بالتطبيع لا تبقى على المستوى الدبلوماسي، في مايو/أيار الماضي، وقعت مجموعة من 44 من رجال الدين البحرينيين البارزين رسالة لاذعة بعثوا بها إلى وزير التربية والتعليم البحريني تطالب بإلغاء “التغييرات المشبوهة” التي أدخلت على المناهج الدراسية الرسمية، إزالة الأحاديث والتفاصيل من السيرة النبوية محمد صلى الله عليه وسلم (التي تتناول علاقته باليهود) وكذلك أغنية تمجيد للقدس والمسجد الأقصى.
أثارت الرسالة، التي جاء فيها أنه لا يمكن تبرير التغييرات بزعم “التسامح والتعايش”، ضجة على شبكات التواصل الاجتماعي، وأشار متصفحو الإنترنت في البحرين إلى تغييرات أخرى وجدوها في الكتب المدرسية، إضافة اسم “إسرائيل” إلى خريطة العالم، حذف درس في العلوم الاجتماعية تناول اليهود وإضافة درس تناول اتفاق التطبيع بين البحرين و”إسرائيل”.
وفور نشر الرسالة سارع ولي العهد ورئيس الوزراء إلى إعلان الوقف الفوري للتغيير، كما أعلنت وزارة التعليم في المملكة تشكيل فريق من الخبراء لإعادة دراسة كل التغييرات التي تم إجراؤها على المناهج الدراسية، وهكذا أثبت المجتمع المدني في البحرين قدرته على كبح بعض علامات التطبيع مع الكيان من خلال الخطاب الداخلي، والتي تمت بالفعل بطريقة مماثلة في دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية دون معارضة شعبية كبيرة.
ملخص واستنتاجات
إن سياسة “الحكومة الإسرائيلية” على الساحة الفلسطينية والاحتجاجات في البحرين ضد التطبيع مع الكيان لا تشكل تهديداً للعلاقات في هذه المرحلة، رغم أنها تشهد الآن جمود، كما يجب فهم “معارضة إسرائيل” والاتفاق معها في إطار صراع المعارضة البحرينية ضد البيت الملكي، لكن لا ينبغي الاستهانة بخيبة الأمل البحرينية من التطبيع والغضب المحلي ضده، وعلى المدى الطويل، قد تؤدي خيبة الأمل هذه أيضاً إلى تآكل العلاقات الأمنية والعسكرية المزدهرة بين الدول، وبالتأكيد تؤثر سلباً على قرار الدول الأخرى التي تفكر في تطبيع علاقاتها مع الكيان وتدرس التكلفة والأرباح الكامنة في ذلك.
ورغم أن الحكومة البحرينية لها مصلحة في إبقاء العلاقات مع “إسرائيل” منفصلة قدر الإمكان عن القضية الفلسطينية، إلا أنه لا يمكن تجاهل الثقل الكبير لهذه القضية لدى الجمهور البحريني، إن سلوك “الحكومة الإسرائيلية” تجاه القضية وأحداث الضفة الغربية يخلق صعوبة أمام المنامة في تعزيز الشراكات الاقتصادية والمبادرات المدنية التي قد تخفف من خيبة الأمل من التطبيع، بينما الواقع الحالي يعطي زخما للاحتجاج ضده.
وبالرغم من صغر حجمها وثقلها الاقتصادي، فإن أهمية العلاقات مع البحرين تكمن في موقعها الاستراتيجي، وتعاونها مع الولايات المتحدة (التي يقع على أراضيها مقر الأسطول الخامس) وارتباطها العضوي بالمملكة العربية السعودية، ولذلك فإن أهمية الاتفاق بين “إسرائيل” والبحرين تتجاوز بكثير مزايا التعاون الثنائي – فالاتفاقية هي بمثابة بالون اختبار للسعودية التي تدرس إيجابيات وسلبيات العلاقات مع “إسرائيل” على خلفية المبادرة الأمريكية لتعزيز التطبيع بين “تل أبيب” والرياض.
المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي
Facebook Comments